سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
منطقة الخليج تشهد طفرة اقتصادية في إنتاج النفط تساعدها في الحفاظ على موقعها الرئيسي . أداء الاقتصاد السعودي في النصف الأول من عام 2003 : آفاق ايجابية في ظل متغيرات دولية متسارعة
كان النصف الأول من عام 2003 فترة مهمة لمنطقة الشرق الأوسط وبخاصة للمملكة العربية السعودية. وقد شهدت هذه الفترة الحرب على العراق بقيادة أميركا وبريطانيا. وبينما ظل العالم يراقب الأحداث ومجرياتها في العراق في صمت، فقد استحث عراق ما بعد الحرب كثيراً من الدول خصوصاً دول الجوار على الأقل في ما يتعلق بموضوع إعادة إعمار البلاد. أدت الحرب إلى إضعاف احتمالات انتعاش الاقتصاد العالمي وبصفة خاصة في منطقة اليورو وأميركا. لقد انخفض مستوى الثقة أكثر كما قفزت معدلات البطالة رغماً عن أن بعض الأرقام الاقتصادية الأخرى أظهرت تحسناً متوسطاً. وقد قام مصرف الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، نظراً لاستمرار الركود الاقتصادي، بخفض سعر الفائدة بمعدل 25 نقطة أساس في شهر حزيران يونيو، ما جعل سعر الفائدة يصل إلى أدنى مستوى له منذ خمسة عقود. وقد أكد الاجتماع التالي للمصرف الذي عقد في آب أغسطس أيضاً الإبقاء على هذه المعدلات عند هذه المستويات المتدنية لفترة طويلة من الزمن. وبينما نجد أن العالم يفكر ملياً حالياً في موضوع حدوث الانتعاش الاقتصادي، فإن منطقة الخليج التي تمور بالأحداث والاضطرابات تشهد طفرة اقتصادية في إنتاج النفط تساعدها في الحفاظ على موقعها الرئيس على الصعيد الجيوسياسي كما تساعدها اقتصادياً. في هذا البحث سنلقي نظرة على الآفاق الاقتصادية للمملكة العربية السعودية في ظل الأوضاع الراهنة، ثم نتبعها بنظرة سريعة على المشكلات البنيوية والأساسية التي تواجه الاقتصاد السعودي. أولاً: الآفاق الاقتصادية في ظل الأوضاع الراهنة: سوق النفط كان النصف الأول من عام 2003 من أكثر الفترات الجديرة بالملاحظة لسوق النفط، إذ تميز بحال من الاضطراب في فنزويلا ونيجيريا، إضافة إلى الحرب في العراق. وفي حين كان المحللون خلال الربع الأول من السنة متشككين حول ارتفاع أسعار النفط عقب الحرب على العراق، فقد أظهرت الأوضاع في الربع الثاني اتجاهاً إيجابياً للسنة الحالية بسبب حال عدم استقرار الأوضاع في العراق وعجز كلٍ من فنزويلا ونيجيريا عن المحافظة على مستويات إنتاجهما في مستوى طاقاتهما الإنتاجية. بلغ متوسط سعر خام برنت 29.01 دولاراً للبرميل في حين بلغ متوسط سعر سلة خامات أوبك 28.12 دولاراً للبرميل وخام النفط العربي الخفيف 25.89 دولار للبرميل خلال النصف الأول من عام 2003. ومع استمرار مواجهة العراق لعمليات إطلاق النار وتخريب أنابيب تصدير النفط فليس من المحتمل أن يؤثر الإنتاج في الأسعار خلال السنة الحالية. وهذا الأمر، مقروناً بالطلب على النفط في موسم الشتاء ومستويات المخزون المخفوضة، من المحتمل أن يؤدي إلى الإبقاء على أسعار النفط مرتفعة. ومع رفع وكالة الطاقة الدولية تقديراتها للطلب على النفط للسنة الحالية وتوقع أن يظل الطلب على نفط أوبك كما هو، فمن المحتمل أن تعّوض المملكة العربية السعودية عن كميات الإنتاج المفقودة من فنزويلا ونيجيريا وإلى حدٍ ما من العراق. ويتوقع أن يؤدي ذلك إلى الإبقاء على مستويات الإنتاج عند مستويات أعلى نسبياً مقارنة بالسنة السابقة. لقد بلغ متوسط إنتاج النفط للمملكة في النصف الأول من عام 2003 حوالى 8.95 مليون برميل في اليوم . وفي الوقت الراهن تبلغ مستويات الإنتاج 8.6 مليون برميل في اليوم. وحتى لو هبطت الأسعار إلى متوسط يبلغ 25 دولاراً للبرميل في النصف الثاني مع خفض الإنتاج إلى 8.25 مليون برميل في اليوم، فإن المتوسط المرجح للسعر للسنة سيكون 25.46 دولاراً للبرميل، بينما سيكون متوسط الإنتاج 8.6 مليون برميل في اليوم للسنة. لقد اعتبرنا هذا السيناريو أكثر السيناريوات احتمالاً للحدوث وبناءً عليه قمنا بعمل تقديرات المتغيرات الاقتصادية الآتية: عرض النقود لقد كان عاما 2002 و 2003 عامين تاريخيين للمملكة العربية السعودية من حيث مستوى عرض النقود. فقد شهد عرض النقود بتعريفه الشاملBroad Money معدل نمو لم تشهده المملكة من قبل بلغ 15.2 في المئة في عام 2002 و16 في المئة في نهاية حزيران يونيو 2003 عما كان عليه في الفترة نفسها من العام السابق. وفي نهاية حزيران 2003 نما عرض النقود بتعريفه الضيق M1 بنسبة 13 في المئة ونما عرض النقود بتعريفه الشاملM2 بنسبة 14.9 في المئة، بينما أظهر شبه النقد الذي يتكون من ودائع المقيمين بالعملة الأجنبية وهوامش الربح لخطابات الضمان والضمانات والتحويلات الثابتة معدل نمو مذهلاً بنسبة 21.2 في المئة. ويشير ذلك إلى زيادة معدل عودة الأموال التي كانت مودعة بالخارج. وشهدت الودائع تحت الطلب التي تشكل نسبة 41 في المئة من عرض النقود بتعريفه الشامل أعلى معدل نمو على أساس النمو المطلق، إذ تم إضافة 19.4 بليون ريال في الفترة من حزيران 2002 إلى حزيران 2003 وقد نمت الودائع بفوائد أيضاً نمواً جيداً إذ أضافت 16.9 بليون ريال إلى عرض النقود رغماً عن خفض أسعار الفائدة. وبينما نجد أن آثار ما بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر كان لها دورها الكبير في أوضاع السيولة المحلية، فقد تسببت أسعار النفط المرتفعة، وليس بيئة السوق العالمية غير الجيدة جداً، في أن تظل الأموال في إطار النظام المصرفي. علاوة على ذلك، فقد ظلت قروض البنوك التجارية للقطاع الخاص مخفوضة، إذ ان متوسط النمو للسنة مقارنة بسابقتها بلغ 2 في المئة فقط. وعقب الذروة التي بلغتها في كانون الثاني يناير 212 بليون ريال فقد تدنت هذه القروض تدنياً حاداً بسبب أوضاع الحرب على العراق. ولم يعد مستوى الثقة مرة أخرى إلا في شهر حزيران. لقد بلغ صافي القروض المقدمة للقطاع الخاص في نهاية حزيران 2003 حوالى 209 بلايين ريال، بيد أن مؤسسات القطاع العام والحكومة استأثرت بأعلى معدلات اقتراض بسبب توقع إيرادات نفطية أعلى والتي ارتفعت بنسبة 29.7 في المئة للنصف الأول من عام 2003. إن ذلك يعكس المستويات العالية للإنفاق الحكومي في الاقتصاد المحلي. وبالنسبة الى صافي الأصول الأجنبية للنظام المصرفي وخلال النصف الأول من عام 2003 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق فقد تحسنت بما يقرب من نسبة 15 في المئة لتصل إلى 49.83 بليون ريال. وقد كان ذلك نتيجة لخفض بنسبة 39.4 في المئة في المطلوبات لتصل إلى 36 بليون ريال، وهي الأدنى منذ عام 1992، وبنسبة 16.73 في المئة في الأصول حتى وصلت إلى 86 بليون ريال وهو أدنى معدل لها منذ عام 1998. الناتج المحلي الإجمالي وفقاً لما أعلنته وزارة المالية، بلغ الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية لعام 2002 حوالى 705.85 بليون ريال مما نتج عنه معدل نمو بلغ 2.85 في المئة وأدى ذلك بالتالي إلى محو أثر الخفض الذي حدث في عام 2001 2.88 في المئة. لقد أسهم في دعم هذا النمو القطاع الخاص غير النفطي الذي نما بنسبة 4 في المئة، في حين أدى إنتاج النفط المخفوض إلى إيقاف نمو القطاع النفطي والذي يقدر بنسبة 2.5 في المئة. لقد ارتفعت مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي من 37.5 في المئة في عام 2000 إلى 40.5 في المئة في عام 2002. وقد قاد القطاع الخاص قطاع التصنيع غير النفطي الذي ارتفع بنسبة 5.7 في المئة ليصل إلى 52.70 بليون ريال تلته قطاعات تجارة الإجمالي والتجزئة والمطاعم والفنادق الفرعية مسجلة نمواً بنسبة 4.3 في المئة لتصل إلى 51.93 بليون ريال. وقد ارتفع قطاع التمويل والتأمين والعقارات الفرعي بنسبة 3.9 في المئة ليبلغ 81.92 بليون ريال. وفي الوقت ذاته ظل قطاع الإنشاءات نشيطاً خلال السنتين الأخيرتين، إذ ارتفع بنسبة 3.5 في المئة و3.9 في المئة في عامي 2001 و2002 على التوالي. وفي نهاية 2002 بلغت مساهمة هذا القطاع 44.89 بليون ريال أو بنسبة 6.3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي. وكما ذكرنا آنفاً فقد شهد سوق النفط فترة من أخصب فتراته حيث ارتفعت الأسعار بنسبة تجاوزت 13 في المئة وأدت آثار الحرب مقرونة بالاضطرابات التي نشبت في بعض الدول المنتجة للنفط إلى الإبقاء على الأسعار عالية. وقد ساعد هذا الوضع الدول الأخرى المنتجة للنفط وبخاصة المملكة العربية السعودية على أن تحقق عائدات جيدة هذا العام. وحتى نهاية النصف الأول من عام 2003 بلغ متوسط سعر خام النفط العربي الخفيف 25.89 دولاراً للبرميل مع متوسط إنتاج بلغ 8.95 مليون برميل/ اليوم. وإذا أخذنا في الاعتبار سيناريو خفض أسعار النفط سواءً في السوق الفورية أو في سوق التسليمات الآجلة وكذلك مستويات الإنتاج الحالية فإنه يمكن تقدير المتوسط المرجّح لسعر النفط للسنة الحالية ب 25.46 دولاراً للبرميل مع متوسط للإنتاج يبلغ 8.6 مليون برميل/ اليوم. وإذا أدخلنا هذه التقديرات في نموذج تقديرات المركز الاستشاري للاستثمار والتمويل الذي يعمل على تحليل أسعار النفط وإنتاج النفط والناتج المحلي الإجمالي النفطي تحليلاً تراجعياً منذ عام 1995 فإنه يمكن تقدير الناتج المحلي الإجمالي النفطي لعام 2003 ب304.5 بليون ريال أو بنسبة نمو تبلغ 16.3 في المئة. وإذا افترضنا أن معدل نمو القطاع غير النفطي الخاص هو في مستوى متوسط نموه بمتوالية هندسية للسنوات الخمس السابقة، فإن الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للقطاع الخاص سيبلغ 296.54 بليون ريال نمو بمعدل 3.7 في المئة. ويترتب على ذلك أن إجمالي الناتج المحلي بالأسعار الإسمية سيسجل نمواً بنسبة 8.16 في المئة للسنة الحالية. لقد أخذ تحليلنا في الاعتبار أيضاً سيناريوين آخرين أحدهما سيناريو متشائم والآخر متفائل، ووفقاً لهما فقد ظل الإنتاج ثابتاً عند مستوى 8.6 مليون برميل في اليوم في حين تم تغيير السعر ارتفاعاً أو تديناً بحسب الافتراضات المختلفة. وقد افترض السيناريو المتفائل متوسط سعر يبلغ 26.60 دولاراً للبرميل للنصف الثاني من عام 2003 في حين افترض السيناريو المتشائم متوسطاً للسعر يبلغ 23 دولاراً للبرميل للنصف الثاني. وقد افترض أن معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي للقطاع النفطي لكلا السيناريوين هو 19.6 و11.9 في المئة على التوالي. وبذلك يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي الإسمي الكلي بمعدل 9.7 و 6.52 في المئة على التوالي. يضاف إلى ذلك النمو الحقيقي، ولكن لا بد من الإشارة هنا إلى أن أرقام النمو هذه للناتج المحلي، إنما تعكس وفي شكل كبير الأثر المباشر وغير المباشر لنمو القطاع البترولي الذي يعتبر من وجهة نظرنا قطاعاً منفصلاً ومنعزلاً في شكل عام عن الاقتصاد الوطني. إن المملكة العربية السعودية، كما رأينا آنفاً، من المحتمل أن تشهد نمواً بنسبة 8.16 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي الإسمي لسنة 2003. والمحرك الأساس لهذا النمو هو القطاع النفطي 16.3 في المئة. أما نمو القطاع غير النفطي الخاص فيتوقع أن يصل إلى 3.7 في المئة فقط. وإذا ما استبعدنا من ذلك مساهمة المنتجات البتروكيماوية والصناعات المرتبطة بها، فإن نمو القطاع الاقتصادي غير النفطي والذي يعكس في شكل أفضل نمو الناتج المحلي سيكون ضئيلاً. وتوضح هذه المؤشرات كيف أن الإحصاءات الخاصة بالاقتصاد الكلي للاقتصاد النفطي تؤدي بطريقة ما إلى صورة لا تعكس الصورة الحقيقية للنمو الاقتصادي. ميزان المدفوعات في جانب ميزان المدفوعات، توضح أحدث الأرقام الحكومية لعام 2002 أن المملكة حققت مبلغ 43.8 بليون ريال تقريباً كفائض في الحساب الجاري وكان ذلك نتيجة لحدوث نمو بنسبة 5 في المئة في الصادرات النفطية. فقد بلغت قيمة الصادرات النفطية 235.8 بليون ريال وهي أقل من أعلى مستوى بلغته أخيراً وهو 265 بليون ريال في عام 2000، وكان ذلك ممكناً بسبب الأسعار العالية وإن كانت في ظل أوضاع إنتاج مقيدة. وشهدت الصادرات غير النفطية أيضاً نمواً كبيراً بنسبة 6 في المئة خلال عام 2002 عما كانت عليه في عام 2001، وقد حققت الواردات زيادة إسمية بنسبة 3.7 في المئة وأسهمت بذلك في تحسين الميزان التجاري بنسبة 7 في المئة. كذلك كان النمو في الخدمات والتمويلات إسمياً بنسبة 1 في المئة، ما أدى إلى التوسع في الحساب الجاري الذي بلغت نسبته 6.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وهي ثاني أعلى نسبة منذ عام 1982 بعد النسبة التي سجلت في عام 2000 7.6 في المئة. في السنة الحالية، ارتفع مستوى واردات القطاع الخاص بخطابات اعتماد التي تم تمويلها من طريق البنوك التجارية، بنسبة 10 في المئة لتصل إلى ما يقرب من 40.57 بليون ريال في النصف الأول من عام 2003 في مقابل واردات عام 2002، وقد نما تمويل واردات فئة السيارات التي تشكل نسبة 16 في المئة، بمعدل 4.1 في المئة لتصل إلى 6.07 بليون ريال مقارنة بالفترة نفسها من عام 2002، إن تمويل الواردات من الماكينات الذي تدنى بدرجة كبيرة بنسبة 34 في المئة ليصل إلى 3.5 بليون ريال في عام 2002 بكاملها، شهد ارتفاعاً بنسبة 4.5 في المئة ليصل إلى 1.6 بليون ريال في النصف الأول من عام 2003، أما مواد البناء التي تشكل نسبة 4.1 في المئة من جميع خطابات الاعتماد، فقد خفضت خفضاً حاداً بنسبة 16.4 في المئة بسبب الأسعار العالية السائدة في الأسواق العالمية ومشكلات الحرب. لقد ارتفعت قيمة خطابات الاعتماد الجديدة التي تم فتحها خلال السنة الحالية بنسبة 9 في المئة وكان سبب ذلك نمو بنسبة 12 في المئة في واردات المواد الغذائية وبنسبة 40 في المئة في واردات الماكينات. ويشير ذلك إلى أن الواردات للسنة الحالية من المتوقع أن تنمو. ولكن إذا أخذنا في الاعتبار الأسعار الفعلية الحالية للنفط واتجاهات الإنتاج، فإنه من المحتمل أن يكون وضع الميزان التجاري مريحاً. وإذا أخذنا متوسط سعر النفط والإنتاج كما ورد في نموذج تقديرات المركز الاستشاري لصادرات النفط، الذي يعمل على تحليل الأسعار والإنتاج والصادرات تحليلاً تراجعياً، منذ عام 1995، فإنه يمكننا تقدير قيمة الصادرات بمبلغ 273.3 بليون ريال، وهو معدل نمو يبلغ 16.2 في المئة. وإذا ضمنّا النموذج المذكور متوسط معدل النمو لعشر سنوات للواردات والصادرات الأخرى غير النفطية، فإنه من المحتمل أن يصل الميزان التجاري إلى 196.2 بليون ريال مما ينتج منه معدل نمو يبلغ 25.2 في المئة. وبالنسبة الى الخدمات والمدفوعات، فإذا أخذنا في الاعتبار معدلات متوسط النمو لمكوناتها، فإنه يمكن تقدير حجم الحساب الجاري بمبلغ 83.7 بليون ريال أو بنسبة 11.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي. لقد تم تطبيق منهجية تحليل السيناريوات لتحليل الصادرات النفطية نفسها ووجد أنها توفر فائضاً بقيمة 91.9 بليون ريال وبقيمة 72.8 بليون ريال للسيناريوين المتفائل والمتشائم على التوالي. إن وضع احتياطيات النقد الأجنبي جيد أيضاً إذا أخذنا في الاعتبار أنه كما في نهاية الربع الأول الذي تتوافر بيانات عنه تتوافر مبالغ تكفي لتغطية قيمة واردات 10 أشهر تقريباً. المالية العامة بالنسبة الى عام 2002 وجدت التمويلات الحكومية منقذاً لها تمثل في أسعار النفط الأفضل خام العربي الخفيف التي سادت على مدار العام بلغ متوسطها 22.57 دولار للبرميل. لقد ساعد ذلك الحكومة على إعلان رقم أفضل للعجز بلغ 21 بليون ريال مقارنة بالأرقام التقديرية للعجز البالغة 45 بليون ريال. وبالنسبة الى السنة الحالية أظهرت الموازنة الحكومية عجزاً تقديرياً بلغت أرقامه 39 بليون ريال مع إيرادات مقدرة بمبلغ 170 بليون ريال ومصروفات تبلغ 209 بلايين ريال. وإذا أخذنا في الاعتبار الوضع الراهن لسوق النفط - الأسعار والإنتاج للمملكة العربية السعودية، فإن متوسط الإنتاج للمملكة العربية السعودية من المحتمل أن يبلغ 8.6 مليون برميل/ اليوم، كما أن متوسط الأسعار من المرجّح أن يبلغ 25.46 دولاراً للبرميل. وبتطبيق الافتراضات وأرقام الإيرادات النفطية منذ عام 1990 على نموذج تقديرات المركز الاستشاري، فإن تقديرات الإيرادات النفطية تبلغ 215 بليون ريال وبالتالي يتوقع أن تبلغ الإيرادات الكلية 260 بليون ريال. واستناداً إلى الأرقام السابقة والإيرادات النفطية السائدة، فإن ذلك سيغري الحكومة على زيادة إنفاقها الذي أشرنا إليه في القسم السابق من هذا التقرير عرض النقود. ونتوقع أن تزيد الحكومة مصروفاتها الجارية بنسبة 10 في المئة. وسيتم توجيه مخصصات الإنفاق في المقام الأول إلى الدفاع وذلك نظراً للوضع الجيوسياسي السائد حالياً. وإذا أخذنا ذلك في الاعتبار فإنه يتوقع أن تعلن الحكومة عن فائض ضخم يقدر بحوالى 32.3 بليون ريال ويعادل ذلك نسبة 4.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وبحسب تحليل السيناريوات لأوضاع النفط، فإن الإيرادات النفطية يتوقع أن تبلغ 222.6 بليون ريال و 204.8 بليون ريال للسيناريوين المتفائل والمتشائم على التوالي. ويتوقع أن يترتب على ذلك حدوث فائض يقدر بحوالى 39.9 بليون ريال و22 بليون ريال على التوالي. إن الفائض المقدر بحوالى 32.3 بليون ريال مقروناً بالمبلغ المتحقق من بيع أسهم شركة الاتصالات السعودية 15 بليون ريال ربما يؤدي إلى خفض الدين المتراكم البالغ 675 بليون ريال على رغم أنه أعلى من ناحية النسبة من توقعات الناتج المحلي الإجمالي لعام 2003 88 في المئة. ثانياً: القضايا البنيوية التي تواجه الاقتصاد السعودي: يواجه الاقتصاد السعودي ولمدة طويلة، عدداً من المشكلات والقضايا ذات الطبيعة البنيوية، أي الأساسية. وعلى رغم أن الإنتاج البترولي الذي لا يعتبر، لا من حيث مصدره خلقه ولا من حيث سوقه، عاكساً لقدرة الاقتصاد السعودي على الإنتاج، يسهم في تخفيف الآثار السلبية الناجمة عن المشكلات البنيوية التي يواجهها الاقتصاد السعودي. إلا أن الاعتماد على هذا الأمر يحمل الكثير من المخاطر: أولاً لتفاقم حجم كل مشكلة مع مرور الزمن، ما يجعلها قد تستعصي على الحلول المالية، وثانياً، أن الإنتاج والدخل البترولي متقلباً بحسب ظروف السوق العالمية. وفي ما يأتي تعريف مقتضب بهذه المشكلات البنيوية. حجم الجهاز الحكومي خلال موازنتها لعام 2003 بلغت تقديرات الحكومة للمصروفات 209 بلايين ريال، منها 90 في المئة لمقابلة المصروفات الجارية التي تشمل فاتورة الرواتب، الإمدادات والخدمات، الإعانات، العون الخارجي، دفعات الفوائد والتشغيل والصيانة. ووفقاً للمادة الرابعة من نظام صندوق النقد الدولي، فإن تقديرات الإنفاق لمقابلة فاتورة الرواتب والأجور تبلغ 60 في المئة. إن هذه النسبة العالية للمصروفات الجارية في المملكة تترك مجالاً ضيقاً للإنفاق الرأسمالي الذي يعتبر رئيساً للأغراض التنموية. إن الحكومة ينبغي أن تتسم بالحصافة في توزيعها مواردها لضمان حدوث نمو مستدام. الدين العام إن ترهل الجهاز الحكومي وخفض إنتاجية موارده كما ورد آنفاً أديا إلى اختلالات في موازنات الدولة المالية، ما أسفر عن دين تراكمي بلغ حجمه 675 بليون ريال التقديرات الحكومية أثناء إعلان الموازنة. ويقترب هذا الرقم من نسبة 88.4 في المئة من تقديرات الناتج المحلي الإجمالي الاسمي. وتعتبر هذه النسبة كبيرة جداً بالمعايير الدولية في حين تغض الدولة طرفها عن هذه المشكلة. ويستهلك الدين العام أيضاً نسبة 13 في المئة تقريباً من إجمالي الإنفاق الحكومي. ويبدو أنه لا توجد سياسة لإدارة الدين العام وإطفائه تدريجاً ولو على زمن طويل. وغياب هذه السياسة الواضحة لا يساعد على وضوح المستقبل الاقتصادي للبلاد. وعدم وضوح الرؤية من الأسباب العامة المعوقة للاستثمارات الطويلة الأجل المحلية والأجنبية. توظيف العمالة الوطنية وفقاً للإحصاءات الحكومية التي أعلنت في نهاية 2002، فقدر معدل البطالة في نهاية 1999 بنسبة 8.1 في المئة. ونظراً لغياب المعلومات الصحيحة والدقيقة عن حجم البطالة، إضافة إلى الاختلاف على تحديد مفهوم البطالة، فإن الأرقام تتغير بحسب مصادرها وبالتالي تقل الثقة بها. وعلى رغم أهمية موضوع السعودية أو توظيف العمالة السعودية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، إلا أن السياسة الحكومية لم تتعامل مع هذه القضية بما تتطلبه من استعداد مالي ومنهجي وإداري. لقد قفزت الحكومة بالمشكلة إلى ملعب القطاع الخاص مطالبةً إياه بتوظيف العمالة السعودية من خلال قرارات وعقوبات تُفرض عليه. إن حجم المشكلة وأهميتها للمستقبل أكبر من أن تترك للقطاع الخاص. إن دور الحكومة في بناء مؤسسات التدريب المهني ضمن خطة كبيرة لإعادة تأهيل خريجي الجامعات ونظام التعليم المرسوم ببعده من حاجات السوق لأمر جوهري وأساس. إن على الدولة رصد الأموال اللازمة لهذه المهمة وتشكيل هيئة ملكية عليا تُعنى ببناء رأس المال البشري الوطني، كما بنت المجمعات الصناعية في الجبيل وينبع، والإنسان أهم من المصنع وكلما تأخرت في هذه المهمة كلما تفاقمت المشكلة. البنية التحتية تواجه المملكة أيضاً مشكلات ضخمة في ما يتعلق بالبنى التحتية. ومع نمو أعداد السكان وتغير نمط الحياة، توسعت البنى التحتية في المملكة إلى أقصى حدٍ لها. ونظراً لأن المصروفات الجارية في موازنة الدولة من رواتب وغيرها تستحوذ على الجزء الأكبر من الموازنة العامة، ما يقارب 90 في المئة فإن المبالغ الحكومية الباقية للصرف على تكوين رأس المال من البنى التحتية وغيرها، مثل الطرق والمواصلات والكباري والمياه والكهرباء والمستشفيات والمدارس إلخ... أصبحت محدودةً إن لم تكن معدومةً. على سبيل المثال لا الحصر، فإن المملكة لديها 27 محطة تحلية مياه أكمل أكثر من نصفها عمره الافتراضي. وبما أن المملكة تتميز بمعدل من أعلى معدلات الاستهلاك، فإن الحاجة إلى المياه ستكون أعلى بكثير من المتوافر منها. التخصيص ثمة مشكلة أخرى يواجهها الاقتصاد السعودي وهي بطء وعدم شفافية الطريقة التي تقوم عليها عملية التخصيص. إن عملية الإصلاحات التي سعت لها المملكة كثيراً تعاني بسبب البيروقراطية وغياب السياسة الواضحة تجاه التخصيص. وإزاء هذا الوضع الذي يتمثل في معاناة الحكومة من الإنتاجية والدين المتراكم من جانب، ووجود سيولة عالية من جانب آخر، فقد آن الأوان لتضع الحكومة سياسة واضحة وتواريخ محددة لعملية التخصيص. إن تعثر تخصيص شركة الاتصالات في بداياتها وفشل مبادرة الغاز الجديدة التي ثار الجدل حولها كثيراً يعتبر أحد الأمثلة للمحاولات الضعيفة للحكومة تجاه رسم وتنفيذ سياسة محددة وواضحة المعالم للتخصيص. إن على الدولة أن تحزم أمرها في هذا الموضوع وتنتقل من مرحلة إعلان المبادئ، وترديد شعارات التخصيص إلى البرمجة الفعلية، لفعاليات اقتصادية قابلة للتحول من الإدارة والملكية الحكومية إلى الإدارة والملكية الأهلية. سوق المال لا تزال الأجهزة والإدارة الحكومية جاثمة على صدور المؤسسات البنكية والمالية، على رغم نمو القطاع البنكي وسوق المال والأسهم في شكل عام سواءً من ناحية المؤسسات المقدمة للخدمات البنكية والمالية أو من ناحية تطور احتياجات السوق. تنتهج الدولة وحتى الآن سياسة عمودية في بناء المؤسسات البنكية الاستثمارية والمالية وسوق الأسهم والسندات، مركزها البنوك التجارية. ولا يتسع المكان هنا لإيضاح عقم هذه السياسة التي لا تفرق بين البنك التجاري والبنك الاستثماري وبين القطاع البنكي وسوق الأسهم والسندات والتي قد تكون ملائمة للوضع الاقتصادي أو المحلي في زمن ما، لكن الزمن تغير وتغيرت معه أشياء كثيرة، إلا أن سياسة الدولة في بناء المؤسسات المتعلقة بهذا القطاع لم تتغير. إن نظام سوق الأسهم الذي صدر أخيراً يعتبر بادرة أمل في هذا الاتجاه ولكنها بادرة تنتظر التطبيق للحكم عليها. قطاع النفط الاقتصاد السعودي اقتصاد نفطي وسيظل كذلك لفترة من الزمن، والقطاع الخاص هو مصدر العمل الإنتاجي والكفاية الإنتاجية في الاقتصاد الوطني بعد القطاع البترولي. مع أهمية أو تلازم هذين القطاعين في بنية الاقتصاد السعودي، إلا أنهما معزولان بل منفصلان عن بعضهما بعضاً. فالقطاع النفطي مرتبط سواءً في مؤسساته وسياسته وإنتاجيته وخدماته وتسويقه إلى حدٍ كبير بالعالم الخارجي أكثر من ارتباطه بالقطاع الخاص السعودي وبالمواطن السعودي في شكل عام. المواطن السعودي كمساهم في الشركات لا يملك شيئاً في المؤسسات النفطية التي تملكها الدولة، ومؤسسات القطاع الخاص السعودي لا تملك ولا تساهم في فعاليات القطاع النفطي إلا بالنذر اليسير. إن الارتباط الاقتصادي سواءً من حيث الملكية أو الأنشطة الإنتاجية والفعاليات الإدارية بين القطاع الأهلي السعودي في شكل عام، مواطنين ومؤسسات، وبين قطاع النفط والغاز مهم جداً، لتعظيم المردود الاقتصادي للقطاع النفطي على الاقتصاد الوطني. وهذا يتطلب سياسة فاعلة وإرادة قوية من الدولة المالكة لموارد النفط والغاز سواء المعروف منها أو الذي لم يكتشف في إشراك القطاع الأهلي السعودي في القطاع النفطي من خلال إنشاء الشركات المساهمة الوطنية وإعطاء دور في امتلاك وتشغيل وإدارة بعض المرافق النفطية ومرافق الغاز، وإن كان بمشاركة شركات مهنية أجنبية. النمو السكاني تواجه المملكة العربية السعودية نمواً سكانياً يعادل 3.4 في المئة ويعتبر بالمقاييس الدولية من أعلى المستويات العالمية في نمو السكان. وقد يرى بعض رجال السياسة ورجال الدين أن ليس في الأمر ما يقلق أو أنه مستحب. وهذا لا شك يتقاطع في شكل كبير مع العواقب الاقتصادية لنمو السكان، الذي يضغط في شدة على الموارد الاقتصادية، خصوصاً إذا كانت محدودة كما هي حال المملكة العربية السعودية التي، وإن كانت لديها ثروة بترولية كبيرة، إلا أن هذا كل ما تملكه من الموارد الطبيعية، إضافة إلى أن البترول سلعة ناضبة، وتواجه خطر الإحلال والاستبدال إذا توافرت التقنية السليمة والرخيصة لبديل أفضل. وعلى رغم أن مثل هذا الأمر لا يلوح في الأفق القريب، إلا أن النمو السكاني يسير بمتوالية هندسية مع الزمن تؤدي إلى حجم كبير من السكان في الزمن المقبل، بينما تتناقص الثروة البترولية. وقد سجل النمو السكاني معدلاً أعلى من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، ما أدى إلى خفض دخل الفرد في المملكة إلى 8375 دولاراً مقارنة بمبلغ 14000 دولار في عام 1980. لذا، فإنه ما لم تقم الدولة باعتماد سياسة سكانية واضحة، توازن بين الموارد والسكان في المستقبل، فإن المستقبل يبقى غير واضح ومقلق. فانخفاض الدخل في شكل كبير من أهم أسباب المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تتعرض لها الدول النامية. المياه الحديث عن شح المياه وأهميته للحياة في المملكة العربية السعودية في شكل خاص وفي منطقة الشرق الأوسط في شكل عام، أصبح من المقولات المكررة. لكن المهم في الأمر، وحتى تاريخه، انه لا توجد سياسة حكومية واضحة المعالم والبرامج تتعامل في شكل جاد لوقف الهدر المتزايد للثروة المائية الناضبة، ما يجعل مستقبل الحياة الاقتصادية والحياة المستقبلية للمواطنين في شكل عام محفوفاً بالمخاطر الناجمة عن قلة المياه أو انقطاعها، أو زيادة أسعارها في شكل لا طاقة للاقتصاد أو الفرد على تحمله. خاتمة إن الاقتصاد لم يعد فقط قضية إنتاج أو استهلاك للسلع والخدمات، فالاقتصاد يتعامل مباشرة مع حياة الناس، وعليه فإن الاقتصاد المستقر والموجه نحو تحقيق النمو ورفاهية المواطن يعتبر من المرتكزات الأساسية لتحقيق الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي. أما إذا شاع الفساد الإداري والمالي وأُهدرت أموال الأمة ومواردها الاقتصادية وكثرت البطالة وعم الفقر وزاد الاحتكار، فإن الشعوب تفقد الأمل في العمل المخلص الجاد سبيلاً لتأمين حياة كريمة وتنقلب المعايير والموازين، فيختل الاستقرار السياسي ويتوقف النمو الاقتصادي ويتخلف التطور الاجتماعي. * رئيس المركز الاستشاري للاستثمار والتمويل