قرأت في صفحة آداب وفنون في "الحياة"، 26 آب/ أغسطس استعراضاً للرواية السودانية "المترجمة" لليلى أبو العلا، كتبته الأستاذة مودي بيطار. والرواية محورها قصة حب بطلتها فتاة تشبعت بثقافتها الأم، ولغتها الأم، وقيمها وعقيدتها الثابتة، ووجدت نفسها، لظروف وملابسات معقدة، تقيم في مجتمع غربي لا تنتمي اليه انتماءً عضوياً. ولكن صعب عليها الانفصال عنه كذلك وتعرض الرواية لتفاصيل حياة أناس ينتمون لمجتمعات من الشرق الأوسط أو أفريقيا، ويعيشون في مجتمعات الغرب بتعقيدات ثقافاته وقيمه وتقاليده. وليس الصدام هو الصدام القديم التقليدي بين غرب وشرق، كما ورد في الأعمال العربية الأدبية السابقة: توفيق الحكيم وطه حسين وسهيل ادريس ويحيى حقي والطيب صالح... فالأوضاع الوجودية جديدة كل الجدة، ويدخل في ثناياها امكان تعايش أقليات في مجتمع الغرب. فهي لا تتناول شخصاً، أو فرداً بعينه كبطل الطيب صالح في "موسم الهجرة"، بل ان "المترجمة" متجذرة في اطارها الاجتماعي، تعبيراً عن هموم أقليات وجد المنتمون اليها أنفسهم غرباء في المجتمعات الغربية. ثم تواترت تعقيدات المصادمة والمواجهة، مقابل التحاور والتعايش، بين ثقافات تنتمي الى عوالم مختلفة. فالقضية الفلسطينية ظلالها في الرواية، والشكوك في الإسلام، والإسلام الأصولي، والضبابية المتصلة بإرهاب قادم من الشرق. والرواية لم تخرج عن كونها تلامس قضايا التعايش والتسامح بين جماعات بشرية تنتمي لفضاءات مختلفة. فمن الظلم دمغ الرواية بأنها دعائية فجة. لو كان الأمر كذلك ما احتفى الغرب - الذي يقال ان الرواية ظلمته - كل هذا الاحتفاء بالرواية، وهو تجلى في بثها في حلقات اذاعية مطولة عبر الإذاعة الرابعة في هيئة الإذاعة البريطانية، في أيار مايو 2002. وما كان يسارع الناشرون في الغرب الى ترجمة الرواية الى الفرنسية والاسبانية والألمانية، وذلك حتى قبل أن تصدر مترجمة الى العربية عن دار الساقي هذا العام. والروائية السودانية، ليلى أبو العلا، لا يعرف عنها أهلها كبير شيء، لا أهلنا في السودان، ولا أهلنا في العالم العربي. وليس أقل من أن نلفت الأنظار العربية الى كاتبة شقت طريقها، واحتفى بصوتها العالم الغربي ونالت جوائزه الأدبية قبل أن يقرأها أهلها بلسانهم العربي. لقد كان عرض الأستاذة مودي بيطار للترجمة العربية لرواية ليلى أبو العلا ظالما سالباً. والترجمة الراقية الذكية التي أنجزها الأستاذ الأديب والسياسي الخاتم عدلان، لم تجد حقها من الإنصاف من الناقدة. فاختصر النقد في اشارة الى هنة أو هنتين لغويتين أو طباعيتين. واللغة العربية في السودان قوية وناصعة. والترجمات العربية لا تأتينا من أهلنا في الشام وحدهم. وان لسامي الدروبي عمادة الترجمة العربية الحديثة، ولكن لا ينكر قارئ منصف، على سبيل المثال، سمو ترجمة الأديب السوداني الكبير جمال محمد أحمد لسفر بازل دافيدسون "أفريقيا تحت أضواء جديدة"، طبعة بيروت. جمال محمد ابراهيم ديبلوماسي وكاتب سوداني [email protected]