شهدت الولاياتالمتحدة والعالم أمس مراسم إحياء الذكرى الثانية لهجمات 11 أيلول سبتمبر عام 2001، والتي خيم عليها شبح زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن الذي ظهر متنزهاً مساء أول من أمس مع مساعده أيمن الظواهري في شريط مصور، وذلك من دون وقوع هجمات إرهابية جديدة وسط شعور بالذعر عكسته الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذتها السلطات المعنية. ووقف أقارب 2792 شخصاً قتلوا في انهيار برجي مركز التجارة العالمي دقيقة صمت في موقع البرجين في الساعة .468 صباحاً بالتوقيت المحلي، وهو الوقت الذي ارتطمت فيه الطائرة المخطوفة الأولى بالبرج الشمالي من المبنى. وقرأت مجموعة من الأطفال أسماء الضحايا وسط أجواء من الحزن خيمت على المكان. ووقف بوش كذلك دقيقة صمت في الوقت نفسه في حديقة البيت الأبيض. وجرت مراسم إحياء ذكرى الهجمات في مبنى وزارة الدفاع الأميركية حيث قتل 189 شخصاً في اليوم نفسه وكذلك في حقل شانكسفيل في بنسلفانيا حيث سقطت الطائرة المخطوفة الرابعة. وكانت المراسم هذا العام أقل زخماً من تلك التي جرت العام الماضي في إطار سعي السلطات إلى التخفيف من "الأثر العاطفي" للهجمات. دفاعات أميركية ضخمة لمواجهة الهجمات الإرهابية ومن جهة أخرى، أعلن وزير الأمن الداخلي الأميركي توم ريدج في ذكرى الهجمات أن بلاده أنشأت "دفاعات ضخمة" في مواجهة الهجمات الإرهابية منذ 11 أيلول، ما أدى إلى إحداث تغيرات في إدارة الأمن. وأشار إلى مراقبة 50 ألف من حراس الأمن الحكوميين المسافرين في المطارات الأميركية، كما أكد تكثيف عمليات التفتيش على الشحنات المتوجهة إلى الولاياتالمتحدة في الموانئ الأجنبية وكذلك تخزين مليون جرعة من المضادات الحيوية واللقاحات بما فيها لقاحات كافية لكل شخص في البلاد لمكافحة الجدري. على صعيد آخر، اعتبر رئيس وزراء أستراليا جون هوارد أن "الولاياتالمتحدة ليست قوة إمبريالية ولكنها قوة خيّرة وهو ما يجعلها أصلح من يقود العالم الحر". وتحدى هوارد "الذين ينتابهم شعور بالحنق إزاء الولاياتالمتحدة بسب سطوتها وقوتها" أن يقدموا بديلاً. وانتقد هوارد في صحيفة "ذي أوستراليان" في الذكرى الثانية للهجمات الأفكار التي أدت إلى 11 أيلول قائلاً: "إنهم يريدون خلق مجتمعات مغلقة. ويريدون دولة يحكمها تفسير للإسلام يشوه جوهر ذلك الدين". من جهة أخرى، ألقى بوش خطاباً أمام أكاديمية مكتب التحقيقات الفيديرالي أف بي آي في منطقة كوانتيكو أول من أمس، اعتبر فيه أن "الإدارة الأميركية اتخذت قرارات فاعلة وغير مسبوقة لحماية هذه الأرض". وأكد أن "ذكريات 11 أيلول لن تمحى من ذاكرتنا. لن ننسى البرجين المحترقين". وقال: "لن ننتظر مزيداً من الهجمات على الأميركيين الأبرياء. أفضل طريقة لحماية الشعب الأميركي هي أن نبقى في موقف الهجوم داخل الوطن وخارجه". وتابع بوش إن "الهجمات على هذه الأمة أظهرت نيات عدو مصمم ولا يعرف الرحمة لا يزال يحيك المؤامرات ضد شعبنا". وعشية الذكرى الثانية للهجمات، أصدر البيت الأبيض تقريراً مفصلاً عن منجزات إدارة بوش في الحرب على الإرهاب. وجاء في التقرير أن الولاياتالمتحدة وحلفاءها "فككوا نظام طالبان القمعي وحرموا القاعدة ملاذاً آمناً في أفغانستان وهزموا نظام صدام حسين". وقال التقرير إن "الإدارة الأميركية فككت خلايا إرهابية مشتبهاً بها في بافالو وسياتل وبورتلاند وديترويت ونورث كارولينا وتامبا". وأكد أن "الشبكات الإرهابية خسرت نحو 200 مليون دولار"، مشيراً أيضاً إلى اعتقال وقتل نحو ثلثي كوادر "القاعدة" المعروفين. وأعلنت السلطات الأميركية أن آخر حصيلة لضحايا هجمات 11 أيلول هي 3021 قتيلاً، من دون الخاطفين ال19 الذين نفذوها. وأعلنت سلطات نيويورك أن عدد ضحايا الهجمات على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وصل إلى 2792، فيما قتل 10 من خاطفي الطائرات من القاعدة في هذه الهجمات. وكانت حصيلة هجمات نيويورك التي قدمها رئيس البلدية مايكل بلومبرغ وصلت قبل سنة إلى 2801، وذلك من دون خاطفي الطائرات. وأسفر الهجوم على وزارة الدفاع الاميركية البنتاغون عن سقوط 189 قتيلاً، وهو رقم لا يشمل الخاطفين. وتم التعرف على جثث نحو 1520 من الضحايا بفضل تحاليل الحمض النووي الريبي دي أن آيه، واعتبر 1230 آخرين في عداد القتلى بقرار من القضاء بعدما قدمت عائلاتهم أدلة على أنهم كانوا في برجي مركز التجارة العالمي عند وقوع الهجمات. عائلات ضحايا 11 أيلول تلوم دوائر الهجرة واعتبرت عائلات بعض ضحايا هجمات 11 أيلول أن المسؤولين الفيديراليين أسهموا في قتل ضحايا الهجمات بسبب "فشلهم في تشديد قوانين الهجرة". ونقلت صحيفة "واشنطن تايمز" أمس، عن بيتر غادييل والد إحدى ضحايا الهجمات أن "كل عائلات ضحايا هجمات 11 أيلول يعلمون أن أقاربهم قتلوا بسبب فشل الإدارة الأميركية في إتمام أحد واجباتها الرئيسة وهو: حمايتهم من هجوم أجنبي". وقال غادييل: "باسمي وباسم عائلات ضحايا الهجمات أعلن أن ليس فقط أن الكونغرس أسهم في الهجمات ولكنه بعدم نيته إقرار إصلاحات ستُلطخ أيدي أعضائه بدماء ضحايا 11 أيلول المقبلة". ومن جهة أخرى، كشفت شبكة التلفزيون الأميركية "أي بي سي" نجاح صحافيين يعملون فيها في تهريب حاوية تضم يورانيوم مستنفد إلى داخل الولاياتالمتحدة للعام الثاني على التوالي. وقالت الشبكة إنها شحنت اليورانيوم من أندونيسيا على متن سفينة لاختبار إجراءات الأمن في الموانئ الأميركية في أعقاب هجمات 11 أيلول. وعلى الصعيد المالي، أكدت الخزانة الأميركية أنها تحرز تقدماً في قطع سبل تمويل التنظيمات الإرهابية. وأضافت في تقرير مفصل: "بفضل جهودنا والتركيز العالمي بات من الأصعب على الإرهابيين إنجاح هجماتهم. الحرب على تمويل الإرهاب كفاح طويل مثلها مثل الحرب على الإرهاب ككل". واعتبرت أن منذ الهجمات جمدت أصول تزيد قيمتها على .7136 مليون دولار في 1439 حساباً في مختلف أنحاء العالم مقارنة ب112 مليون دولار في أكثر من 500 العام الماضي. وقال التقرير إن لائحة تجميد الأصول التي وضعتها الخزانة الأميركية منذ الهجمات تضم 315 فرداً ومنظمة. وأكد وزير الخزانة جون سنو في مذكرة إلى العاملين في الوزارة: "ذقنا طعم النجاح في الحرب على الإرهاب ويتعين بذل المزيد". وفي غضون ذلك، أكدت فرنسا وألمانيا في الذكرى الثانية للهجمات أن "المتطرفين الإسلاميين" لا يزالون يمثلون تهديداً، ومن الممكن أن ينفذوا هجمات جديدة. وأعلن المستشار الألماني غيرهارد شرودر أن الحرب على الإرهاب لم تُربح بعد. وشدد في كلمة ألقاها لدى افتتاح معرض فرانكفورت الدولي للسيارات على ضرورة عدم قصر مكافحة الإرهاب بالوسائل العسكرية فقط، وإنما بالوسائل المدنية أيضاً. وأضاف أن الانتصار على الإرهاب لن يتم إلا إذا استمرت عمليات إعادة الإعمار في أفغانستان، معتبراً ذلك "الوجه الآخر من ميدالية محاربة الإرهاب الدولي". واعتبر وزير الداخلية الألماني أوتو شيلي في بيان له في برلين أن "خطر الإرهاب الإسلامي لم يتغير". وقال شيلي: "علينا ألا نتخلى عن حذرنا. ستكثف السلطات الأمنية الألمانية ضغوط الملاحقة وإذا لزم الأمر ستزيد منها. وسنعزز خطة الوقاية من خلال التعاون الدولي". وفي باريس، صرحت وزيرة الدفاع الفرنسية ميشيل إليو ماري إلى تلفزيون "أل سي إي" بأن خطر الإرهاب ما زال يخيم على كل بلد. وقالت إن "هناك دولاً مثل الولاياتالمتحدة وبريطانيا التي تعتبر أكثر استهدافاً نوعاً ما، ولكننا لسنا بعيدين من الخطر لأننا في طليعة الحرب على الإرهاب". وذكر بيير دي بوسكيه دي فلوريان رئيس جهاز الأمن الداخلي في فرنسا أن المشاعر المناهضة للولايات المتحدة والتي زادت بين المتشددين الإسلاميين بسبب الحرب على العراق لم تغير شيئاً من الخطر الذي يواجه فرنسا التي عارضت الحرب. وصرح لإذاعة "آر تي أل" بأن "الإرهاب خطر مستمر على بلادنا... وهو خطر يمكن أن أصفه بأنه مرتفع المستوى". وقال: "لم تغير أزمة العراق من طبيعة التهديد. لا شك في أنها عززت من بعدها الأميركي... صحيح أن فرنسا ليست مستهدفة على وجه الخصوص بالتطرف الإسلامي ولكنها بلد غربي". "القاعدة" تجند أعضاء عبر مواقع في الإنترنت بدأت "القاعدة" في الأشهر القليلة الماضية باستخدام الإنترنت وسيلة لتجنيد المزيد من الأعضاء. وأصدر التنظيم ثلاثة كتب إلكترونية على صفحته الجديدة على شبكة الإنترنت، اثنان منهم يفصلان تكتيكه ونياته في السعودية والعراق والثالث كتيب عنوانه "39 خطوة باتجاه الجهاد". وألف أحد الكتب الذي يتناول موضوع هجمات أيار مايو في السعودية أحد أصدقاء زعيم "القاعدة" أسامة بن لادن، الذي قتل أخيراً في اشتباك مع قوات الأمن السعودية. وجاء في الكتاب أن "على رغم قتال القاعدة للدفاع عن الأمة الإسلامية، لا تقاتل بالنيابة عن هذه الأمة، لذلك لا يعفى أحد من واجب الجهاد حتى يفعل ما في وسعه بحثاً عنه، وحتى يفشل في الانضمام إلى الجبهات". وقالت صحيفة "واشنطن تايمز" إن تنظيمات أخرى ترتبط ب"القاعدة" وتشاركها في طموحها الإرهابي تسعى إلى تجنيد عناصر جدد في أوروبا والولاياتالمتحدة، من خلال الترويج على شبكة الإنترنت. وأضافت أن أحد هذه التنظيمات هو "حزب التحرير" الذي يستخدم ست صفحات على الإنترنت تدار انطلاقاً من الولاياتالمتحدة وبريطانيا وهولندا وباكستان، من أجل استقطاب متطوعين للقتال في العراق.