أبو عمار اغتال حكومة أبو مازن، وأبو اومري اغتال الهدنة، وسواء شكل أبو العلاء حكومة فلسطينية جديدة أو لم يشكلها فإن المشروع السياسي انتهى الى حين، وقد وقعت العمليتان المعروفتان ونحن الآن بانتظار العملية المقبلة للمقاومة الإسلامية في فلسطين. كنت هاتفت أبو مازن عشية اجتماع المجلس التشريعي، وقال انه إذا سحبت الثقة من حكومته فسيكون ممنوناً وسيرتاح، واتفقنا ان أذهب للاجتماع مع الأخ خالد مشعل والأخ رمضان شلح في محاولة لاحياء الهدنة. وقال لي أبو مازن ان الأخوان هم أعلنوا نهاية وقف العمليات العسكرية، وعليهم أن يقدموا الخطوة التالية، أما هو فليس عنده شيء يقدمه لهم. الجانب الشخصي لي في هذه الاتصالات هو وقف العمليات الانتحارية، فقد عارضتها دائماً وطلبت من الاخوان في حماس والجهاد الاسلامي وقفها. وكنت بدأت هذه المطالبة باسمي قبل نحو ثلاث سنوات، ثم دخلت في المفاوضات بين بعض فتح وحماس قبل سنة، وكررت المطالبة بوقف العمليات ولا أزال. بين حديثي مع أبو مازن ومقابلتي الاخوان في حماس والجهاد، مضى أسبوع، فقد وجدت صعوبة في الاتصال بهم، بعد تجميد نشاط الفصيلين في سورية، واغلاق المكاتب هناك. غير انني في يوم رتبت اجتماعاً مع الدكتور رمضان في النهار، والأخ خالد في المساء كانت اسرائيل ترتكب جريمة محاولة اغتيال الشيخ أحمد ياسين، وهو زعيم ديني قبل أن يكون زعيماً سياسياً، وقلت للاخوان ان أبو مازن يطلب وقف العمليات العسكرية من جديد، قبل أي حديث آخر، وانني أرجوهم مرة أخرى وقف العمليات الانتحارية. وهم ردوا بأن شارون اغتال الهدنة باغتيال المهندس اسماعيل أبو شنب، وانه أغلق الباب في وجه أي حديث لاحق بمحاولة اغتيال الشيخ أحمد ياسين. حماس والجهاد تقولان انهما التزمتا بالهدنة التزاماً صادقاً، وأبو مازن يعترف بذلك ويقدره، وقد ردت حكومة شارون على مدى 50 يوماً بانتهاكات متواصلة هدفها استفزاز المقاومة للرد رداً يبرر نقض الهدنة. غير ان قرار وقف العمليات استمر حتى كان اغتيال محمد سدر، المسؤول العسكري للجهاد في الخليل، ولم تستطع القيادة السياسية ضبط الوضع على الأرض، والنشطاء في الأراضي الفلسطينية تحت الضرب اليومي، ويشعرون بأن الهدنة استحقاق من طرف واحد استفادت منه اسرائيل ولم يستفد منه الفلسطينيون بشيء. سمعت من قادة حماس والجهاد ان رائد مسك، منفذ عملية القدس، كان خطط لعملية انتحارية رداً على اغتيال عبدالله القواسمة، قبل أيام من اعلان الهدنة في 29 حزيران يونيو. إلا ان المفاوضات لوقف العمليات العسكرية كانت دخلت مرحلة متقدمة، وأُقنِع رائد مسك بالتزام أوامر القيادة. غير ان اغتيال محمد سدر، وهو من أقرب الناس الى مسك، كان القشة التي قصمت ظهر البعير، ولم يعد مسك يسمع من أحد، فنفذ عمليته وتبنتها المقاومة. حماس أعدت تقريراً كبيراً مفصلاً عن خروقات اسرائيل للهدنة على مدى 50 يوماً، وهي تتراوح بين قلع أشجار ومصادرة أراض، وبين اجتياح وقتل رجال أو أطفال. والتقرير ينتهي في اليوم التالي لاغتيال اسماعيل أبو شنب، وآخر خروقات مسجلة تحمل تاريخ 23 من الشهر الماضي. الأخ خالد مشعل يقول: "لن نلتزم وقف العمليات وشارون في حل من الالتزام، ونحن لا نستطيع أن نتحكم بكل الناس في الميدان وهم يتعرضون للاستفزاز اليومي، وانما هم يحكمون على الوضع". وذكرني الأخ خالد بأن الهدنة "طبخت بحوارات مسبقة عمرها نحو تسعة أشهر، وأنت شاركت فيها وتعرف التفاصيل، ولكن شارون دمر في 50 يوماً كل ما حاولنا بناءه، فالعقلية الصهيونية تريد أن تستأثر بكل شيء". وهو قال ان حكومة شارون حاولت ان تضع المقاومة في زاوية وان تفرض عليها هزيمة، وتجربة الهدنة أظهرت ان "شارون يريد فرض هزيمة عسكرية على حماس والجهاد، وهزيمة سياسية على أبو مازن، أو أبو عمار. إلا اننا لم نهزم، ولن نهزم". الأخ رمضان شلح يقول: "مع استمرار الخروقات كان واجباً علينا أن نرد أو نعلن اننا استسلمنا. وقناعتنا هي انه لن يحصل أي اتفاق وشارون في الحكم، فقد حاولنا جهدنا، وأبو مازن يشهد لنا... اغتيال محمد سدر ترك بيننا وبينهم فاتورة حساب مفتوحة، فدمه لن يذهب هدراً". غير ان الدكتور رمضان يقول أيضاً ان لغة الثأر غير مقبولة، فالمقاومة الإسلامية لا تخوض معركة ثأرية، وبما انه لا يوجد خيار سوى المقاومة، فإن مستوى العمليات والحجم والتوقيت يتعلق بالظروف الميدانية، وشارون هو المسؤول لأنه دمر كل شيء. ماذا أزيد؟ خرجت من عند الأخوان في حماس والجهاد يتملكني يأسان، أحدهما شخصي، والآخر وطني. منذ بدء العمليات الانتحارية، وأنا مقتنع بضرورة وقفها، وقد زادت قناعتي مع مضي الوقت. وأطالب اليوم كما طالبت في كل مناسبة سابقة بأن يفكر الاخوان في الموضوع، وأن يرفضوا الاستفزاز ويوقفوا هذه العمليات، أقول هذا وأعترف بأنني يئست من الموضوع. غير ان اليأس الوطني يظل أكبر، فقد كنت تأملت خيراً عندما دخلت فتح وحماس مفاوضات ثنائية على اتفاق رجوت أن ينتهي باستئناف العملية السياسية. ورد السفاح شارون بعمل ارهابي في كل مرة بدت بوادر اتفاق، وجاءت الهدنة فبقي يعمل حتى دمرها، وضاعت جهودنا جميعاً. شارون مجرم حرب نازي، ولكن لن أحمله كل المسؤولية، وأسجل في ختام هذه السطور أن أبو عمار لم يساعد في شيء، وانما لعب دوراً معطلاً منذ البداية. ولن أزيد في انتقاد الرئيس الفلسطيني هنا، مع كثرة المنتقدين، ولكن أسجل أنني على المسافة نفسها، بعداً وقرباً، من أبو عمار وأبو مازن، وأعرف يقيناً ان أبو مازن ظلم واعتدي عليه، وأسيئت معاملته، وهو زعيم وطني فلسطيني، وأكثر وطنية من متهميه الذين جمعوا بين الجهل والغرض. وقناعاته السلمية معروفة وقديمة، فهو لا يميل مع الريح كغيره، والثورة التي تأكل أبناءها تأكل نفسها في النهاية، لذلك أطلب من كل من اتهم أبو مازن بشيء الاعتذار وتقبيل يده ورأسه، لأنه لا يجوز بعد نضاله 40 عاماً أن يكافأ بهذا الأسلوب.