غداة اعتداءات 11 أيلول سبتمبر تحدث الروائي الأميركي دان ديليلو عن الكاتب "الذي يحاول معرفة ما فعله هذا اليوم بنا... فجوة في السماء. يحاول الكاتب أن يمنح تلك الفجوة بعض الذاكرة وحنان ومعنى". لا شك في أن أحداث 11 أيلول لم تقلب المسرح السياسي رأساً على عقب فحسب، بل صنعت خضة ثقافية وأدبية فعلية. ومنذ ذلك الحين صدرت مقتطفات كثيرة متعلقة ب11 أيلول لعل أكثرها قوة كتاب "110 قصص: نيويورك تكتب بعد 11 أيلول" الصادر عن دار جامعة نيويورك. وفي المقدمة البليغة التي كتبها الناشر أولريش بير، اقتباس لكلام دان ديليلو. ويقول بير ان مئة وعشرة أدباء بينهم شعراء وروائيون وكتّاب قصة قصيرة، وكتاب سيناريو، عبروا في كتباتهم عن حاجتهم الماسة الى النمط السردي بعد الكارثة وهم "يبحثون في قدرة اللغة على ملء الفراغ واليقين ان الكلمات قد تكون كل ما تبقى في عملية البحث في معنى الصمت والفراغ وما هو أعمق منهما". ويشير بير الى ان كل طابق من الطوابق ال110 في برجي مركز التجارة العالمية كان مزدحماً بأشخاص مختلفين، لذلك جاءت المشارك في المقتطفات لتبين النسيج المتشعب والمتنوع لمدينة نيويورك، اضافة الى كيانها المركب وطاقاتها المتعددة وروح التحدي والتعاضد التي تحركها. ويشبه شكل الكتاب الطويل والنحيل ناطحة سحاب. ووضع مقدم المسلسلات الهزلية السياسية آرت سبيغلمان الصورة الصاعقة على الغلاف، شارحاً محاولاته "لإظهار التناقض الرهيب بين سواد الحادث المميت وزرقة السماء الصافية كالبلور التي تبين عبثية ذلك اليوم الحزين". والمشاركات متنوعة ومقتضبة لا تتعدى الواحدة منها الصفحتين أو الثلاث، وهي تتضمن أشعاراً، وشهادات حية، ومذكرات. لطالما جذبت نيويورك الكتّاب من العالم كله، والمشاركون المئة والعشرة خير دليل. ناتالي هاندال الوجه المعروف في معترك الأدب الأميركي - العربي، شاركت بشعر مؤثر وآسر بعنوان "حيوات المطر". وتروي هوميرة افريدي قصة امرأة مسلمة تركت زوجها لتسكن بالقرب من مركز التجارة العالمي. أمضت أربعة أيام بعد الحادث في منزلها وعندما خرجت للمرة الأولى استقلت سيارة الى المسجد فقيل لها ان النساء غير مسموح لهن بالدخول. أما الصحافي الأفغاني مسعود فريفار فزار مانهاتن بعد يوم واحد من الحادثة، وإذا به يبتاع علماً أميركياً صغيراً. كان يريد ان يعرف معنى ان تحمل بكل فخر علماً وان تلوح به، فوجد انها طريقة مثالية لإظهار تضامنه مع الشعب الأميركي وحماية نفسه من النظرات العدائية. وفي اليوم التالي رأى رجلاً ذا لحية طويلة يقرأ بهدوء وسكينة القرآن الكريم في القطار. ويقول "صعقت! ماذا كان يظن نفسه فاعلاً؟ ألم يكن خائفاً؟ أعتقد ان تصرفه كان انتحارياً!". وعندما يجوب الروائي الاسترالي بيتر كاري شوارع نيويورك، مع ابنه بعد أحداث 11 أيلول، يفاجأ بالطريقة المتعددة الأوجه التي يتحدث بها ابنه عن المدينة وعن مخاوفه من أن يضطهد المسلمون فيها، وهو يوافقه الرأي حين يقول له "أحب هذه المدينة يا أبي! أحبها اليوم أكثر من أي وقت مضى". ويعطي الروائي الهندي اميتاف غوش ملخصاً شخصياً ومألوفاً عن صديقيه المهندسين فرانك ونيكول دي مارتيني. كان فرانك مدير المهندسين المعماريين في مركز التجارة العالمي وكان يشرب القهوة مع زوجته في مكتبه الكائن في الطابق ال88 من البرج الشمالي عندما اصطدمت الطائرة. تأكد فرانك من خروج نيكول سليمة، وبقي هو لانقاذ الآخرين، فقتل. ويساهم الكاتب والشاعر برايتن برايتنباخ من جنوب أفريقيا، بشعر يلتقط مشهد الاعتداءات ومعناها، فيما يتمنى مواطنه عمران كوديفا لابنه البالغ من العمر أربعة عشر شهراً وهو مزيج من مسلم وهندي وجنوب أفريقي ويهودي وروسي، ان "يكبر في عالم ولت فيه الحروب الدينية والصراعات الثقافية الى غير رجعة". ويكتب الزوجان الأميركيان الروائيان بول اوستر وسيري هوستفيد شهادة حية عن الاعتداءات. فيكتب أوستر "وبذلك بدأ أخيراً القرن الحادي والعشرون". ويقول كاتب أميركي معروف هو أ.أ.هومس "أخذت الى زمن غير زمني، الى نيويورك مختلفة وأميركا مختلفة. اليوم نحن جميعاً مراسلو حرب". وغيرت أحداث أيلول مشاعر الناس ودفعت بعضهم الى اعادة التفكير بحياتهم. وتكتب جانيس ايدوس عن امرأة أرادت ان تنجب طفلاً الا ان زوجه كان متردداً. بعد ما عاشه الزوجان في 11 أيلول، زادت رغبة السيدة في الانجاب وكانت واثقة من أن زوجها سيبادلها الشعور نفسه. واهدى بعض الكتّاب مشاركاتهم الى أشخاص معينين قتلوا في الحادث. فتكتب كارولاين فيريل قصتها احياء لذكرى موظف شاب وحيد اسمه بول بول، أبلغت مصففة شعره عن فقدانه. وتتخيل فيريل الدقائق الأخيرة من حياة ليسون. وكان طابقان من البرج مخصصين ليكونا مشغلاً للفنانين، وهناك قتل النحاث الجاميكي الأصل مايكل ريتشاردز. ويكتب جيمس جيبونز عن فنانة تسكن في مركز التجارة العالمي. وتعكس بعض القصص روح الدعابة. فتدور قصة جينيفير بيل بعنوان "المثلجات هي المثلجات" عن مجموعة ممن يراقبون وزنهم بدقة ويتبعون حميات غذائية ويلتقي أعضاؤها أسبوعياً. وفي الأسبوع الذي تلا أحداث 11 أيلول سمح قائد المجموعة للأعضاء بأكل ما يحلو لهم، قائلاً: "إذا كان ذلك يشعركم بتحسن، فكلوا!". ويتخيل ليف غروسمان في قطعة هجائية سيناريوات لأفلام عن 11 أيلول. لا شك في أن أحداث 11 أيلول ما زالت تقدم مادة دمسة لمخيلة الكتّاب في الولاياتالمتحدةوبريطانيا. وأعلن الروائي مارتن اميس لمجلة "تايم آوت" في مقابلة أجريت معه في وقت سابق من الشهر الجاري، ان ثمة أسباباً حقيقية جعلت كتابة "كلب أصفر" Yellow Dog تستغرق أربع سنوات. أما بعد 11 أيلول، "فككل الكتّاب ابتعدت عن الواقع ولوهلة بدأت أفكر في تغيير مهنتي. شعرت ان صوتي يأتي من البعيد ضعيفاً هزيلاً. وإذا بروح التحدي تستيقظ من جديد، وفكرت: ستكون قصة هزلية، فلتكن قصة عن المشاعر المتقطعة التي انتابتنا جميعاً بعد ذلك". ويصف ناشر كتاب اميس جوناثان كايب القصة بأنها "كوميديا ما بعد 11 أيلول". وعلى رغم انها تعرضت لانتقادات سلبية، أدرجت قصة "كلب أصفر" على لائحة تضم 20 كتاباً رشحت لجائزة بووكر، أهم جائزة أدبية بريطانية. ستعلن اللائحة رسمياً في 16 أيلول والفائز في أواسط تشرين الأول أكتوبر المقبل. وتتضمن اللائحة كتاب "زقاق الآجر" الرواية الأولى للكاتبة البريطانية من أصل بنغالي مونيكا علي. وتؤثر أحداث 11 أيلول تأثيراً مباشراً في الشخصيات وهي أفراد جالية بنغالية فقيرة في لندن. فبعد الاعتداءات شبت حملة ضد المسلمين في بريطانيا. وتعرضت الفتيات البنغاليات لمضايقات كأن يشد رجال بيض حجابهن، ونشطت المجموعات العنصرية، وتم تهميش البنغاليين فانضم بعضهم الى التنظيمات الإسلامية المتطرفة. ويبدو ان وصف كتاب ما ب"رواية ما بعد 11 أيلول" أصبح وسيلة تسويق ناجحة للناشرين. وتدور أحداث "رؤيا مزدوجة" لرائدة الروائيات البريطانيات بات باركر جزئياً في نيويورك بالتزامن مع أحداث أيلول. ويقول مارك آنتوني جارمان بعد مراجعة للكتاب نشرت في الصحفية الكندية "غلوب اند مايل" ان هذا الكتاب هو "ما بعد البوسنة"، وما بعد أفغانستان، وما بعد 11 أيلول، وما بعد الطلاق، وما بعد السجن وما بعد مرض جنون البقر". وظهر تأثير 11 أيلول واضحاً في كتب التشويق والجاسوسية. وقال اورايون ناشر كتاب الصحافي والكاتب البريطاني هنري بورتر ان "الكتاب هو من نوع التشويق بامتياز، يسبر اغوار مخاوفنا في عالم بعد 11 أيلول. انه عالم يوحي بالارتياب لأقصى الدرجات". أما الكاتب البريطاني جو لو كاريه الذي طالما بحث عن مواضيع جديدة منذ انتهاء الحرب الباردة. فانتقل من 11 أيلول الى الحرب على الارهاب، وهو يبني جزءاً كبيراً من روايته المقبلة "أصدقاء مطلقون" على الحرب على العراق. وتصدر الرواية في مطلع عام 2004. ونتيجة لأحداث 11 أيلول، تخلى عدد كبير من الكتاب عن الكتب التي بدأوا في كتابتها. فالكاتبة الأميركية س.ج. روزان مثلاً كانت بدأت في كتابة رواية عن الاحتيال في قطاع العقارات في هارلم. الا ان الوضع اختلف بعد 11 أيلول: لقد تغيرت هي وتغير سوق العقارات في هارلم. فقررت الشروع بكتاب جديد "أصدقاء غائبون" يروي قصة اطفائي قتل في البرج الشمالي لمركز التجارة العالمي، وسينشر بانتام الكتاب في تموز يوليو 2004. وبعد 11 أيلول غيرت الكاتبة الأميركية الاسترالية المولد جانيت ترنر هوسبيتال روايتها "التحضيرات اللازمة للطاعون" التي كانت انتهت منها. تتضمن القصة خطف طائرة على يد ارهابيين. وخلال الكتابة افترضت هوسبيتال ان ركاب الطائرة المخطوفة انتابهم الذعر والغضب والهيجان. الا انها عندما سمعت المكالمات الهاتفية الأخيرة للركاب يوم 11 أيلول فوجئت "بهدوئهم المشع" ورسائل الحب التي بثوها، فغيرت اللحظات الأخيرة لحياة أبطالها. * كاتبة بريطانية.