هل نحتاج الى الروائيين والكتّاب المسرحيين، كما نحتاج الى الصحافيين أو السياسيين أو المحللين، لتوصيف الأزمة العالمية الحالية التي فجّرتها حوادث نيويورك وواشنطن في 11 أيلول سبتمبر، ولتقصي المعاني الأعمق للأزمة؟ بعض المحررين في بريطانيا مقتنع بذلك، ودعا روائيين وكتّاباً مسرحيين كثيرين الى الكتابة عن هذه الحقبة الجديدة والخطيرة، ويعكس هذا الى حد ما المكانة المتعاظمة التي أصبح روائيون ناجحون يتمتعون بها في السنوات الأخيرة، نتيجة للجوائز الأدبية القيمة والمبالغ الكبيرة التي يحصلون عليها من الناشرين. لكن، اضافة الى ذلك، كما قال روبرت ماكرم المحرر الأدبي في صحيفة "ذي أوبزرفر"، "لا شك في ان الروائيين يشغلون، في أوقات كهذه، موقعاً متميزاً يتيح لهم الوصول الى حقائق في شأن الأوضاع الإنسانية التي يُحرم منها آخرون. ويرجع هذا جزئياً الى انهم يتصفون بتجرد لا يمكن ان يباريه المراسلون المنغمرون في هيجان الحوادث". وأضاف ماكرم انه "في هذا السيل الهائل لواقع لا يطاق تماماً، فإن كتّاب الرواية - مبدعين معاصرين مثل إيان ماكيوان في بريطانيا وبول أوستر في الولاياتالمتحدة - هم الذي أطلقوا كلمات مشجعة وواضحة نتوق اليها وسط الصدمة والدمار". وفي عمود عنوانه "الحاجة الى الروائيين" قال ماكرم. وهو ذاته روائي، ان "الاعتداءات في أميركا اعادتنا من نواحٍ كثيرة الى أسس الوجود، الوفاة والموت، الفقدان، تقلبات القدر المفاجئة، أو إذا شئت، الحظ. فالأمر يبدو كما لو ان الارهابيين احدثوا جرحاً بليغاً في السطح الأملس والصقيل للرأسمالية المعولمة وأخرجوا، في ما يشبه استعارة من أيام القرون الوسطى، عفاريت الكره والتنافر واليأس الشيطانية. وكتبت الروائية جانيت ونترسون ان البشر في حاجة الى نص روائي، وانه "عندما انهار البرجان التوأمان، أدى ذلك الى انهيار فنتازيا. كنا قد روينا لأنفسنا حكاية عن الأمان، عن اليقين، عن الرفاه وعن المستقبل. كانت حكاية جيدة وقد انتهت الآن. ويرجع جزء من الهلع النفسي الذي ينتابنا الى انه ليس لدينا حكاية اطلاقاً، بل مجرد نتف وتخمينات. وأفضل خياراتنا هي حكاية أخرى، مستوحاة من حطام ما فقدناه. لكن، يتعيّن علينا هذه المرة أن نرويها بطريقة أفضل". وعبّرت عن أملها بأن يكون الرد على الاعتداءات مزيداً من الانفتاح ومزيداً من الحوار: "ان معركتنا هي ضد الارهاب. لا يجب ان تصبح معركة ضد الاختلاف. نحن جميعاً خائفون ولسبب وجيه. ما لا يمكن أن نفعله هو ان نجعل العالم مكاناً أكثر أماناً بإغلاق حدودنا وزيادة اجراءاتنا الأمنية حتى نتحول دولة بوليسية، ونعارض بقوة أي نمط سوى ما نألفه". وعلى رغم ان الروائيين حضوا في شكل عام على توخي الحذر في شأن استخدام القوة العسكرية، خصوصاً الأعمال التي ستفاقم الأذى الذي يلحق بالمدنيين الأفغان، فإنهم منقسمون في موقفهم تجاه الولاياتالمتحدة: يبدي الروائي البريطاني مارتن أيمس اعجابه الكبير بالروائيين الأميركيين وتدور حوادث الكثير من رواياته في أميركا، لكنه كتب يقول ان "الارهاب هو تبادل رسائل سياسي بوسائل أخرى. الرسالة التي بعثت بها حوادث 11 أيلول كان محتواها كما يلي: يا أميركا، حان الوقت كي تعلمي كم أنت مكروهة... سيكون في غاية الصعوبة والألم بالنسبة الى الأميركيين ان يستوعبوا حقيقة انهم مكروهون، ومكروهون على نحو يمكن فهمه". وتساءل أيمس: "كم من الاميركيين يعرفون ان حكومتهم دمرت ما لا يقل عن خمسة في المئة من سكان العراق؟ كم منهم يحوّل عندئذ هذا الرقم الى ما يماثله من سكان اميركا ويتوصل الى الرقم 14 مليون شخص؟". واعتبر أيمس ان السمات الوطنية لأميركا - الاعتماد على النفس ونزعة وطنية اقوى من مثيلتها في اي بلد في اوروبا الغربية، وغياب الفضول بشأن البلدان الاخرى - "خلقت عجزاً في التعاطف مع معاناة شعب بعيد جداً". ويفترض الاميركيون انهم أخيار وعلى صواب لمجرد انهم اميركيون. وانتقدت الروائية الهندية ارونداتي روي الولاياتالمتحدة بتفصيل تام في مقالة في صحيفة "ذي غارديان"، وكتبت ان الانذار الذي وجهه الرئيس جورج بوش الى شعوب العالم "اذا لم تكونوا معنا فأنتم ضدنا"، هو نموذج على غطرسة وقحة. "انه ليس خياراً يريده الناس او ينبغي ان يحددوا موقفهم منه". وبالمقارنة مع ذلك، كتب سلمان رشدي "ان مهاجمة اميركا بعنف من جانب اوساط اليسار كانت بين النتائج الاكثر ازعاجاً لاعتداءات الارهابيين على الولاياتالمتحدة. ليكن واضحاً لماذا يمثل هذا الهجوم المناهض لأميركا هراء مثيراً للاشمئزاز. فالارهاب هو قتل الابرياء، وكان هذه المرة قتلاً جماعياً. ان تبرير مذبحة كهذه بإلقاء المسؤولية على سياسات الحكومة الاميركية يعني انكار الفكرة الاساسية لكل مبادئ الاخلاق، وهي ان الافراد مسؤولون عن افعالهم". لكن رشدي دعا الى شن هجوم شعبي وسياسي وديبلوماسي من اجل تسوية سريعة لبعض المشكلات الاكثر تعقيداً في العالم: قبل كل شيء المعركة بين اسرائيل والشعب الفلسطيني من اجل الارض والكرامة والاعتراف والبقاء. وقال: "ان الوقت حان لأن تكف اميركا عن صنع الأعداء وتبدأ بصنع اصدقاء، وانتقد سياستها تجاه شعب العراق المفقر والمضطهد". وانتقدت الروائية ايفا هوفمان، وهي من اصل بولندي - يهودي، في مقال نشرته صحيفة "ذي اندبندنت" المشاعر المناهضة لأميركا المنتشرة على نطاق واسع في اوروبا. وقالت: "ان الشعور الانعكاسي المناهض لأميركا قد يحوّل انتباهنا من السعي الى فهم الظروف المعقّدة حقاً التي تواجهنا في الوقت الحاضر". وتكتسب اصوات الروائيين من الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية اهمية خاصة في هذه الفترة مع تجدد الحديث عن "صراع حضارات" ووقوع اعتداءات خطيرة بالفعل على المسلمين في الغرب. وقال الروائي التركي اورهان باموك في صحيفة "ذي غارديان" انه "لا الاسلام او الفقر هو ذاته الذي يغذي في شكل مباشر الارهابيين الذين لا مثيل في تاريخ الانسانية لضراوتهم وقدرتهم على الابتكار، بل انه الاذلال الساحق الذي اصاب بلدان العالم الثالث كالسرطان". وحذر باموك من ان "اولئك الذين يعطون دعماً غير مشروط للاعتداءات العسكرية لاظهار القوة العسكرية لأميركا وتلقين الارهابيين درساً ينبغي ان يعلموا ان القرارات المتهورة بخوض الحرب ستفاقم العداء تجاه الغرب الذي يشعر به ملايين البشر في البلدان الاسلامية والمناطق المبتلاة بالفقر". وكانت الروائية المصرية اهداف سويف، التي تعيش في لندن منذ سنوات، من بين 11 كاتباً عرضوا ردودهم وتقديراتهم لحوادث 11 أيلول في امسية خاصة نظمتها في مسرح "كوينز" وسط لندن جمعية "بين انترناشونال" ومهرجان "غارديان هاي" لجمع تبرعات لدعم النشاطات العالمية للصليب الاحمر. وقالت سويف انه كان سيكون صائباً ومناسباً اثر الاعتداءات في الولاياتالمتحدة ان يهدأ كل شيء بعض الوقت كي يُفسح للأفراد ان يمارسوا الحداد، لكن كلا الجانبين لم يسمح بذلك. فقد نظمت الولاياتالمتحدة فوراً رداً عسكرياً، "حرباً لا مثيل لها"، ورداً امنياً سيستمر لسنوات، انطلاقاً من ان الولاياتالمتحدة تعرف من نفّذ الاعتداءات وأنهم فعلوا ذلك لأنهم يكرهون اميركا لكونها ارض الحرية والديموقراطية. واستهجنت سويف تعابير كتلك التي استخدمها مسؤولون اميركيون بالكلام عن "أفاع في المستنقع وتجفيف المستنقع"، وما قاله رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو، رداً على سؤال عما اذا كان اخراج اسامة بن لادن من افغانستان اشبه باخراج ابرة من كومة قش، بأن "هذا ليس صعباً على الاطلاق. لا تحتاج سوى الى تدمير كومة القش". وقالت سويف انها لن تتفحص لائحة الاخطاء التي ارتكبتها الولاياتالمتحدة في العالم خلال العقود الماضية، وأحالت الجمهور، بدلاً من ذلك، الى كتابات ناعوم تشومسكي او المنشق الاسرائيلي اسرائيل شامير. واثر اعتداءات 11 أيلول، لم تبعث سويف برسائل عبر البريد الالكتروني الى اصدقاء اميركيين للتأكد من انهم بخير فحسب بل تحدثت ايضاً هاتفياً مع اصدقاء في اماكن مثل رام الله وبغداد. وعبّر هؤلاء عن صدمتهم لما حدث، وكان وراء هذا الشعور بالصدمة احساس بالخوف. وقالت سويف انهم جزء مما سمّاه بول وولفويتز نائب وزير الدفاع الاميركي "العالم غير المتحضر"، يشعرون بأنهم سيحمّلون المسؤولية الجماعية عما حدث في اميركا وسيتعرضون الى عقاب جماعي. وعبّرت سويف عن مخاوفها من التأثير المحتمل ل"الحرب ضد الارهاب" على حقوق الانسان والخطوات في اتجاه الديموقراطية في الشرق الأوسط. ولاحظت ان هذه الحرب أدّت في مصر بالفعل الى قيام رجال الأمن في 20 أيلول الماضي بخطف فريد زهران، وهو ناشر وأحد الناشطين في اللجنة الشعبية للتضامن مع الانتفاضة الفلسطينية. كما عبّر الروائي التركي اورهان باموك عن مخاوف مماثلة. وقال "فيما يتردد في ارجاء العالم صدى صرخات تدعو الى حرب بين الشرق والغرب، اخشى ان يتحول العالم الى مكان مثل تركيا، يخضع بشكل دائم تقريباً للأحكام العرفية". وقالت الروائية الباكستانية كميلة شمسي في مداخلتها في مسرح "كوينز" ان المعادلات الرياضية لا تصح احياناً في اوقات كهذه. "لقد سمعنا جميعاً: اكثر من ستة آلاف قتيل في مدينة نيويورك، في مقابل موت مئات الآلاف نتيجة للعقوبات في العراق والمجاعة التي تهدد مئات الآلاف في افغانستان اذا لم تصل الأغذية والامدادات". وأضافت شمسي: "نحن نعرف، او أن كثيرين منا على الأقل يعرفون، انه يجب ألاّ ننسى تلك الارقام او نعتبر انها ليست ذات صلة، لكن على رغم اننا قد نحاول بمعنى ما تجريدي ان نتعامل مع هذه المعادلات، فإن حقيقة الأمر هي ان منظر هذين البرجين وهما ينهاران اثار رد فعل اقوى مما اثارته اي معاناة في العالم. ويرجع بعض هذه الاحساس الى التغطية المستمرة من جانب وسائل الاعلام التي تقدم لنا روايات الناجين ووجوه الضحايا. ويرجع جانب منه الى التكثيف الزمني للحدث، اذ قتل ستة آلاف شخص او اكثر في غضون ساعة ونصف ساعة. ما حدث في نيويورك يجعل المرء يتحسسه شخصياً". وقالت شمسي انها، اضافة الى كونها امرأة ذات تربية اميركية ولها اصدقاء في نيويورك اكثر من اي مدينة اخرى، باكستانية ومسلمة ايضاً: "تلك الارقام عن الموت والمجاعة التي تصل الى مئات آلاف قريبة الى مشاعرنا بمعنى يتجاوز ما هو جغرافي فحسب". ولاحظت شمسي "ان باكستان أعلنت نفسها حليفة لأميركا على رغم الخطر التي تجد نفسها فيه. وقد يجعل هذا بلادي تواجه وضعاً بالغ الصعوبة، لكنه كان القرار المعقول الوحيد الذي يمكن ان نتخذه". وقالت انه سيكون شيئاً جيداً، في الحد الأدنى، ان يُعامل الباكستانيون في اميركا كأشخاص "على الجانب الذي هو على صواب". لكنها تلقت رسائل الكترونية كثيرة من اصدقاء اميركيين عبّروا فيها عن مخاوفهم على سلامة اصدقائهم الباكستانيين والهنود والشرق الأوسطيين في الولاياتالمتحدة. وفي ما يشبه المزاح قالت انها كانت نصحت صديقاً باكستانياً يستعد لمغادرة لندن متوجهاً الى نيويورك في مهمة عمل ان يبقى جالساً في مقعده في الطائرة طوال رحلته لئلا يظن الركاب الآخرون انه ارهابي ويهاجمونه. ملاحظة: وعدت صحيفة الغارديان البريطانية قراءها بأنها ستطبع تعليقات الروائيين على الوضع العالمي الراهن والتي نشرتها بعد 11 أيلول، في كتاب يباع على حدة ويخصص ريعه للصليب الأحمر الدولي. * كاتبة بريطانية.