يروج الحديث كثيراً، في اوساط المهتمين بالانترنت وشؤونها، عن الجريمة الالكترونية. ويقصد بها استخدام الكومبيوتر والانترنت كأداة لجرائم من نوع جديد. ومن اشكال هذه الجريمة الترويج لمسابقات ذات جوائز وهمية بهدف جمع المال احتيالياً، او الحصول على ارقام بطاقات ائتمان مستخدمي الانترنت وسحب الاموال منها، او الدخول الى حسابات المصارف ونهب اموال بعض المودعين وما الى ذلك. ويعتبر اغلاق مواقع الشركات الكبرى، بهدف احداث اذى مالي، من اشكال الجريمة الالكترونية. وهناك من يستخدم المعلومات عن بعض الاشخاص، خصوصاً النساء، بهدف ابتزازهم. اما عن الجرائم الجنسية عبر الانترنت، فحدث ولا حرج. ضرورة الامن الالكتروني مع حداثة هذا الشكل من الجرائم، فإن سبل مواجهته أيضاً تستلزم أشكالاً جديدة من العمل الأمني فكراً وتنفيذاً. وللجرائم الإلكترونية ثلاثة أركان رئيسة، مثل الجرائم العادية، هي الجاني والاداة والمجني عليه. ويعرف الجاني بأنه الشخص أو الجهة التي تقوم بالتلاعب أو الاختراق، واما المجني عليه فهو اما ان يكون عميلاً لمصرف أو مؤسسة مالية، أو المؤسسة ذاتها، أو أي جهة تستخدم الإنترنت في إنجاز معاملاتها المالية والإدارية. وتتميز الجريمة الالكترونية بالركن الثالث فيها، اي اداة الجريمة. التي تتمثل في الإنترنت وحسابات البريد الإلكتروني وما اليها. وتُستخدم هذه الأدوات في نطاق الشبكة المعلوماتية التي تمثل بدورها ساحة أو موقع الجريمة. وتتطلب مواجهة الجريمة الإلكترونية التعامل مع كل من هذه الأركان بما يمنعها أو على الأقل يساعد على ضبط مرتكبيها. وفي هذا السياق يمثل تعقب الجاني أصعب هذه المراحل، بخاصة في ما يسبق ارتكابه الجريمة الإلكترونية. فببساطة كل مستخدم للإنترنت في العالم يمكن ان يكون جانياً محتملاً! وبالتالي لا يمكن التعرف الى الجاني في مرحلة الوقاية. وتواجه أجهزة الأمن والخبراء صعوبات في اقتفاء آثار القراصنة حتى بعد قيامهم بعمليات الاختراق والقرصنة. ولربما تمثلت افضل الاختيارات المتاحة راهناً في تحسين المقومات الأمنية للأفراد والهيئات القابلة دائماً للوقوع في شرك الجريمة الإلكترونية. والحال ان بعض الهيئات والمصارف توفر فعلاً نظم أمان إلكترونية، لكنها قد تتعرض للاختراق. ومن ناحية ثانية فإن المؤسسات لا تشكل سوى احد طرفي المعادلة الامنية. ويظل الطرف الآخر وهو الشخص العميل أو الفرد الذي يتعامل مع هذه المؤسسة هو الحلقة الاضعف في سلسلة الامن الالكتروني. والحال ان كل فرد لديه كومبيوتر متصل بالانترنت معرض للاختراق، وبالتالي تصبح وسائل الأمان التي تقيمها تلك الهيئات غير ذات جدوى، على الأقل بالنسبة لعملائها. ولذا يقترح بعض الخبراء أن تقوم الهيئات المالية والمصارف وكذلك الشركات والأجهزة الحكومية التي تتعامل مع أفراد وعملاء لها في معاملات مالية، بالاتصال المستمر بهؤلاء الأفراد، وان تقف على نظم التأمين الموجودة على حواسبهم. ومن الواضح ان هذا الشرط يتنافى مع مبدأ حرية الافراد والحق في حماية المعلومات الشخصية. انها مسألة معقدة لأنها تهدد خصوصية كل شخص، ومن حق الجمهور ان يرفض مثل هذا التطفل الصريح على حياته. وينصح البعض الآخر بضرورة أن تضطلع هذه الجهات بمهمة تطوير حصانة الحواسب الفردية وتقويتها، بعد موافقة العميل، على أن تكون الكلفة بالمشاركة بين الطرفين ليطمئن العميل الى انه يستفيد فعلياً من هذه الإجراءات الاحترازية. وغالباً ما لا يُقْبِل الناس على اجراءات الامان الالكتروني بالنظر الى تعقيدها تقنياً، او ربما لعدم معرفتهم بقواعدها ومتطلباتها الفنية. أما في نطاق الوسيلة أو الساحة التي تتم الجريمة من خلالها وهي الإنترنت ذاتها، فإن تدفق المعلومات من شأنه أن يجعلها عرضة للسرقة وسوء الاستخدام. والحال ان الانترنت أصبحت جزءاً من الحياة اليومية لملايين المواطنين في مختلف أنحاء العالم. حلول عملية للانترنت ليس من المقبول أن يكون الحل بالحد من استخدام الإنترنت أو تقييد وظائفها. ويتمثل النهج الأكثر فاعلية للحد من سوء استخدامها في مسارين أساسيين: 1- فرض رقابة صارمة على المسارات والشبكات والحواسب الخاصة بالعاملين في الشركات والهيئات، إذ أثبتت الإحصاءات أن نحو 80 في المئة من عمليات الاختراق تكون من العاملين في الهيئات والجهات المخترَقة ذاتها، أو من أفراد كانت لهم صلة سابقة معها. 2- الاهتمام بأمن المعلومات المتنقلة بين الأجهزة والحواسب سواء عبر الإنترنت أم عبر الشبكات الداخلية، وتبرز أهمية هذه الوسيلة في التعامل مع أرقام الحسابات وكلمات السر الخاصة بالحسابات المصرفية، وكذلك أرقام بطاقات الائتمان، والطريقة المقترحة في هذا الخصوص أن يتم تشفير هذه المعلومات في شكل تلقائي لدى إرسالها أو تبادلها بين أجهزة الكومبيوتر العاملة على الإنترنت أو حتى داخل المصارف والهيئات المالية والحكومية التي تتعامل بتلك البيانات. فحيث تكون شبكة المعلوماتية ساحة مفتوحة لكل من يريد الاطلاع على تلك المعلومات والحصول عليها، فإن تحويل هذه المعلومات إلى رموز مُشفرة يجعل قرصنتها أمراً غير ذي جدوى. وتنبغي الإشارة إلى أن مكافحة الجريمة الإلكترونية حديثة حداثة الجريمة ذاتها، وذلك على المستوى العالمي وليس المحلي فقط، فقد دخلت الدول الأوروبية في مفاوضات استمرت أربع سنوات كاملة حتى تتوصل إلى معاهدة دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية عبر الإنترنت، إلى أن تم الاتفاق عليها لتوقع في 23 تشرين الثاني نوفمبر 2001 في العاصمة الهنغارية بودابست. أي أن الجهود الدولية لمكافحة الجريمة الإلكترونية تشير إلى أن حجم الظاهرة في المنطقة الخليجية ليس مقلقاً وأن الإجراءات والخطط الأمنية الوقائية المتبعة في الخليج حتى الآن، وتلك التي لا تزال تحت التجربة، أو تلك التي تفرضها التطورات والجرائم التي يتم اكتشافها، كلها مؤشرات الى أن الأمن الإلكتروني في منطقة الخليج هو أمن فاعل.