من جديد الجرائم الاقتصادية في العالم أنها تستخدم الوسائل والتقنيات الحديثة، ليس فقط للاتصال في ما بين المجرمين أو شبكات الفساد والعصابات، وإنما كأداة للجريمة ووسيلة لتنفيذها في شكل مباشر. فظهر أخيرًا ما يعرف ب"جرائم الإنترنت"، أي تلك الجرائم التي تستخدم فيها الشبكة الالكترونية الدولية وسيلة لتنفيذها عن بُعد من دون انتقال الجاني إلى مكان الجريمة، ومن دون استخدام أوراق أو مستندات أو أسلحة أو أي أداة مادية ملموسة. وعلى رغم جِدة هذا النمط من الجرائم، إلا أن الانتشار بسرعة في أنحاء العالم، بخاصة في المناطق التي تتميز بوفرة مالية ومستوى دخل مرتفع، وكذلك في الدول التي تعتمد التكنولوجيا الحديثة في مجال الاتصالات والإدارة والأعمال المصرفية. وكلا الشرطان متوافران داخل المنطقة العربية، وخصوصاً في دول الخليج. ففي هذه الدول، ثمة سعي دؤوب الى تطبيق استخدامات الإنترنت في مختلف مجالات الحياة، وإنهاء التعاملات الرسمية والمالية من خلالها، في ما بات يُعرف ب"الحكومة الإلكترونية". ويترافق المستوى المعيشي المرتفع مع انتشار أجهزة الكومبيوتر وارتفاع عدد مشتركي الإنترنت، فضلاً عن ضخامة عدد مالكي بطاقات الائتمان المالي مثل "فيزا" و"ماستر كارد" وغيرهما. للجريمة وجوه كثيرة وشرعت الجريمة الإلكترونية في الدخول إلى المجتمعات الخليجية، وإن كانت لا تمثل ظاهرة خطيرة راهناً. وتتخذالجريمة الإلكترونية أشكالاً عدة منها: 1- النصب الإلكتروني: ويقصد به استخدام الإنترنت في عمليات نصب واحتيال على المستخدمين. ويشكل البريد الإلكتروني الساحة الفعلية لهذه الجريمة. فقد انتشر في الآونة الأخيرة ورود رسائل إلى صناديق البريد الإلكتروني تُغري أصحاب تلك الصناديق بجوائز مالية كبيرة إذا اشتركوا في مسابقة معينة عبر الإنترنت أو يانصيب لا يستلزم سوى بعض البيانات الشخصية. ولا تطلب هذه الرسائل سوى بضعة دولارات رسوم اشتراك أو رسوماً إدارية في مقابل توصيل تلك "الجوائز". وبالطبع لا يتلقى المشترك أي أموال ولا جوائز ويخسر الرسوم التي دفعها. 2- سرقة بطاقات الائتمان: وتعتبر "الاب الروحي" للظاهرة السابقة. وتتم عبر طلب رقم بطاقة الائتمان الخاصة بالمشترك. وكثيراً ما تُسرق أموال من حسابات أصحاب هذه البطاقات من تلك الشركات الوهمية، فتتحول الجريمة من عملية نصب لا تتجاوز قيمتها دولارات عدة يدفعها المجنى عليه بإرادته، إلى جريمة سرقة يتعرض فيها حساب المجنى عليه لسحب مبالغ طائلة منه من دون علمه. لكن السرقة باستخدام بطاقات الائتمان سابقة على عمليات النصب تلك، بل كانت أول أشكال الجريمة الإلكترونية وبدأت مع تطبيق التجارة الإلكترونية وعمليات البيع والشراء عبر الإنترنت. وتتطلب أشخاصاً يخترقون أجهزة الكومبيوتر الخاصة بأصحاب البطاقات أثناء عمليات البيع والشراء بالإنترنت. 3- سرقة الحسابات المصرفية: في هذه الطريقة يقوم السارق الإلكتروني باختراق الشبكات الإلكترونية الخاصة بالمصرف أو المؤسسة المالية، وإما أن تحوّل أموال من حسابات المصرف ذاته إلى حسابات أخرى تابعة للمُخترق. واحياناً يُتعرف الى الحسابات المصرفية للعملاء وتُجرى عمليات مصرفية تُحول بموجبها الأموال من حساب العميل وليس المصرف، لتجنب اكتشاف التلاعب في الحسابات الرئيسة الخاصة بالمصرف. من أشهر الأمثلة على هذا النوع من الجريمة الإلكترونية خليجياً، اكتشاف السلطات الأمنية في الإمارات مع نهاية العام الماضي حدوث اختلاسات وسرقات لحسابات شخصية من بعض المصارف من خلال الأعمال المصرفية التي تجرى عبر الإنترنت. وحينها، اكتشفت أجهزة الشرطة في دبي للمرة الأولى تعرض بعض المصارف الوطنية والأجنبية للاختراق الإلكتروني، وحدوث سرقات لأموال من حسابات شخصية لعملاء هذه المصارف. ومن العوامل التي تساعد على انتشار هذا الشكل رغبة المصارف الخليجية في تقديم تسهيلات للعملاء لإغرائهم على إنجاز معاملاتهم المصرفية من خلال الإنترنت وبأقل خطوات ممكنة. واحياناً يتم هذا الامر على حساب أمن المعلومات المتداولة، خصوصًا أن المصارف التي توفر الحماية لشبكاتها وأنظمتها الإلكترونية قد لا تأخذ في اعتبارها أن عملاءها أنفسهم معرضون لعمليات القرصنة، وأنهم غالباً ما لا يتمكنون من توفير القدر ذاته من الحماية ووسائل الأمن الإلكتروني ضد الاختراق والقرصنة. إضافة إلى أن بعض الهيئات ذاتها لا تهتم بهذه الإجراءات لديها أو توكلها إلى أشخاص غير مؤهلين بدرجة كافية. 4- تعطيل الشبكات: نعني بهذه الجريمة ما تتعرض له بعض المؤسسات من ضربات إلكترونية تستهدف تعطيل أعمالها وتكبيدها خسائر نتيجة وقف العمل بأجهزة الكومبيوتر والشبكات الخاصة بها. وثمة وسيلتان رئيسيتان: 1- إغراق الجهة المستهدفة بسيل رسائل إلكترونية لا يتحمله الحاسب الرئيس للشبكة فيتعطل وتتوقف أعمال الشركة. 2- استخدام الفيروسات، إذ يتم يوجّه فيروس إلى الكومبيوتر المركزي أو أحد أجهزة الكومبيوتر الطرفية التابعة له، فيباشر تخريب الشبكة كلها. وتتعرض المؤسسات الخاصة لهذه الطريقة نتيجة أغراض شخصية، أو للمنافسة في ما بين الشركات الكبرى. وتُحدث خسائر طائلة تصل إلى ملايين، وأحيانًا بلايين الدولارات، خصوصًا إذا انتقلت الفيروسات إلى عدد كبير من الشركات والهيئات. ويظهر هذا الامر في الهجمات الإلكترونية الكبيرة التي تستهدف مختلف مناطق العالم في وقت واحد. لكن هذا الشكل من الجريمة الإلكترونية أقل انتشارًا في المنطقة العربية، خصوصاً في الخليج، نتيجة المنافسة المفتوحة وندرة الاحتكارات. وإن كانت المنطقة تتعرض لهذا الشكل الأخير من الهجمات الإلكترونية لكنها غالباً ما تكون جزءًا من هجمة عالمية لا تستهدف المنطقة خصوصًا. بالطبع ليست هذه جميع أشكال الجرائم الإلكترونية، فهناك على سبيل المثال وليس الحصر عمليات ابتزاز تتم عبر الإنترنت بعد توريط المشترك في محادثات أو مراسلات غير أخلاقية، وغالباً ما تتعرض النساء لهذا الابتزاز أكثر من الرجال... وهناك أشكال أخرى من الجرائم الإلكترونية لكنها تخرج عن النطاق الاقتصادي والمالي.