أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم بالمنطقة    الخريف: الصندوق الصناعي اعتمد مشاريع بقيمة 12 مليار ريال في 2024    الجاسر: قطاع النقل حقق نسبة نمو 17% منذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    وزير الرياضة : 80 فعالية عالمية زارها أكثر من 2.5 مليون سائح    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    البنيان: رصدنا أكثر من 166 مشروعا تعليميا في 2025    "أنا المدينة".. تجربة واقع افتراضي تنقل الزوار إلى العهد النبوي    وزير الطاقة يعقد اجتماعًا ثلاثيًا مع نائب رئيس الوزراء الروسي ووزير الطاقة الكازاخستاني    الكهموس: المملكة جعلت مكافحة الفساد ركيزة أساسية لتحقيق رؤية 2030    المملكة ضيف شرف لمنطقة الشرق الأوسط في معرض «أرتيجانو إن فييرا» بإيطاليا    نائب وزير الصحة يستعرض إنجازات "مستشفى صحة الافتراضي" ضمن ملتقى ميزانية 2025    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    "سلمان للإغاثة" يوقع اتفاقية لتشغيل مركز الأطراف الصناعية في مأرب    شراكة تعاونية بين جمعية البر بأبها والجمعية السعودية للفصام (احتواء)    المملكة تشارك في اجتماعات الدورة ال29 لمؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي    توقيع مذكرة لجامعة الملك خالد ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    السفير الجميع يقدم أوراق اعتماده لرئيس إيرلندا    هدنة لبنان.. انسحابات وإعادة انتشار    انتقادات من جيسوس للتحكيم بعد مواجهة السد    الأونروا تحذّر من وصول الجوع إلى مستويات حرجة في غزة    "الطيران المدني" تُعلن التصريح ببدء تشغيل الخطوط الجوية الفرنسية Transavia France برحلات منتظمة بين المملكة وفرنسا    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    استقرار الدولار الأمريكي قبيل صدور بيانات التضخم    الأمم المتحدة تدعو إلى تحرك دولي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني    عامان للتجربة.. 8 شروط للتعيين في وظائف «معلم ممارس» و«مساعد معلم»    الشتاء يحل أرصادياً بعد 3 أيام    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء    وصول الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    هؤلاء هم المرجفون    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    «هاتف» للتخلص من إدمان مواقع التواصل    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن كتاب "العروبة والاسلام والمسألة الفلسطينية" . اتصالات النخبة العربية بدول المحور نتاج فشل التفاهم مع بريطانيا 2 من 2
نشر في الحياة يوم 04 - 12 - 1998

أثارت اقتراحات لجنة "بيل" ردة فعل فلسطينية قوية واشعلت انتفاضة عارمة استمرت لمدة سنتين، واندفعت النخبة العربية الى البحث عن حليف دولي يخفف من الضغوط البريطانية.
جاءت علاقات بعض النخب العربية مع دول المحور كنتيجة لفشل التفاهم مع الغرب في تلبية الرغبات السياسية وطموحات الاستقلال والوحدة وفلسطين. فهي لم تكن اساساً نتاج رغبة داخلية تعكس نظرة مسبقة للعلاقات الدولية ص357.
حتى مطلع الثلاثينات كانت النخبة في تصوراتها السياسية لبناء دولة عصرية اقرب الى الثقافة البريطانية - الفرنسية. وباستثناء بعض الضباط أو السياسيين العرب العثمانيين الذين أسسوا علاقات مع المانيا في الحرب الأولى كان التأثير الالماني شبه محدود. حتى شكيب ارسلان الذي أقام اتصالات باكرة مع الخارجية الالمانية قاد حملة عنيفة ضد الاحتلال الايطالي لليبيا خصوصاً بعد اعتقالها عمر المختار وإعدامه. فالمانيا قبل النازية كانت أقل اهتماماً من ايطاليا وطموحاتها في منطقة المتوسط. مع ذلك حصلت تحولات في رؤية ارسلان ورفيقه احسان الجابري حين التقيا موسوليني في شباط فبراير 1934 ولاقى الاجتماع ردة فعل سلبية من الحركة الوطنية الليبية والدوائر العربية المؤيدة لبريطانيا ص 359.
وكانت حصلت اتصالات بين المفتي والقنصل الالماني في القدس في 1933 تبعها اتصالات بالقنصل الايطالي في القدس في العام 1937 وقبل ترحيله عن فلسطين الى لبنان. الا ان تلك الاتصالات لم تحصل في اطار التحالف السياسي أو الاتفاق على وجهات النظر. فالمانيا لم تكن قوة عظمى ولا خصماً لبريطانيا. فالمفتي حتى 1936 كانت علاقاته افضل مع بريطانيا واتصالاته مع القنصل الالماني حصلت في محاولة منه لمساعدته على وقف نمو هجرة اليهود الألمان الى فلسطين. ففي تلك الفترة كان اهتمام المانيا النازية ينصب على أوروبا الشرقية والتنافس مع الاتحاد السوفياتي، بل كانت علاقات الالمان مع الحركة الصهيونية اقوى بكثير من الاتصالات مع بعض الوجهاء العرب. ففي العام 1933 وقعت المانيا اتفاقية مع الحركة الصهيونية اتفاقية هافارا لترحيل اليهود الألمان الى فلسطين مقابل احتكار التجارة الالمانية - الفلسطينية. الى ذلك تم توقيع مذكرة تفاهم بين موسوليني وهتلر في العام 1936 اطلقت المانيا بموجبها يد ايطاليا في البحر المتوسط. بعد ذلك حصل اتصال ضم عزت دروزه وعوني عبدالهادي مع الديبلوماسي الألماني في بغداد فرتز غروبا في كانون الثاني يناير 1937 وبحثا معه امكانية وقف الهجرة اليهودية الالمانية الى فلسطين. وطلبا دعم برلين للنضال الوطني الهادف الى اقامة دولة عربية في فلسطين ص 360 - 361.
آنذاك لاحظ الديبلوماسيون الالمان ارتفاع مشاعر العداء للسياسة البريطانية في مصر وفلسطين والعراق، فاستغلت برلين تلك الثغرة وأعلنت رفضها قيام دولة يهودية في فلسطين، وهو أمر شجع المفتي على الاتصال مجدداً بالقنصل الالماني وتواصلت الاتصالات بعد ترحيله الى لبنان في العام 1937 في ظرف وصلت العلاقات العربية - البريطانية الى أدنى مستوياتها بسبب إصرار لندن على خطة التقسيم وتهويد الجزء الأكبر من فلسطين. واستخدم المفتي في اتصالاته سعيد عبدالفتاح الامام، وهو محسوب على الحركة السورية الوطنية وسبق ان درس في المانيا وتأثر بأفكار الحركة القومية.
إلا ان إصرار هتلر حتى كانون الثاني 1938 على تشجيع الهجرة اليهودية الالمانية الى فلسطين كما نصت اتفاقية هافارا عطل حركة الديبلوماسيين الالمان في الشرق الأدنى. بينما كان التنسيق حتى نهاية 1938 على أفضل وجه بين النازية الصهيونية في تشجيع هجرة اليهود الألمان الى فلسطين. ولم تحرك برلين ساكناً إلا حين اخذت بريطانيا تعرقل طموحات المانيا في أوروبا الشرقية وخصوصاً في النمسا وتشيكوسلوفاكيا الأمر الذي دفع برلين للتفكير في إرباك الاستقرار السياسي في الامبراطورية البريطانية وخصوصاً في المشرق ص263.
آنذاك تحولت "الايديولوجية الفلسطينية" بحسب تعبير المؤلف الى منطقة لقاء بين التيارين الاسلامي والعربي وباتت مقياس العلاقة مع الغرب، والمعيار السياسي لصحة الموقف سواء على مستوى الداخل العربي من الخليج الى المحيط أو على مستوى العلاقات الخارجية خصوصاً مع بريطانيا ص293.
تابعت الحكومة البريطانية من خلال تقارير السفراء والقناصل في القاهرة ودمشق وبغداد ردود الفعل العربية الرافضة لخطة تقسيم فلسطين. وانقسمت الحكومة بين تيارين، الأول يؤيد وجهة نظر الحركة الصهيونية، والثاني، يتخوف من انعكاسات الموقف على المصالح البريطانية، وهو أمر جعل الحكومة تفكر بإعادة النظر بخطة التقسيم "واحتواء الحركة العربية" بعد ان أخذت المسألة الفلسطينية ترسم الرؤية العربية للوحدة وتجمع القوى على اختلافها السياسي والايديولوجي في موقع واحد ص295. وبسبب التغييرات التي حصلت في الحكومة البريطانية وارهاصات الحرب العالمية ومخاوفها من المانيا وطموحاتها دعت بريطانيا الوكالة اليهودية والدول العربية الى لقاء في لندن لبحث المسألة الفلسطينية ص300.
تفاوتت ردود الفعل على الدعوة البريطانية بسبب غموض جدول الاعمال وعدم وضوح الموقف من الهجرة اليهودية اضافة الى استبعاد المفتي من الحضور، وعدم توجيه الدعوة للبنانيين والسوريين. وانقسمت المواقف العربية بين مؤيد بتحفظ ومؤيد من دون تحفظ ورافض للمؤتمر بسبب استبعاده للمفتي ومساواة الفلسطينيين بالمهاجرين اليهود ص 302.
ويتحدث المؤلف عن الاتصالات التي سبقت تشكيل الوفود العربية وخصوصاً الوفد الفلسطيني وطلب بعض الدول العربية توضيحات عن بعض بنود الدعوة، الى ان تم الاتفاق على عقد لقاء بين الوفود في القاهرة قبل التوجه الى لندن. واتفقت الوفود على عدم الضغط على الوفد الفلسطيني واكدت ان مايوافق عليه الوفد الفلسطيني يوافقون عليه وما يرفضه يرفضونه ص 306.
افتتح تشامبرلين مؤتمر لندن في 7 شباط فبراير واستمر الى 17 آذار مارس 1939 وانتهى من دون اتفاق على رغم محاولات البريطانيين التوفيق بين الطرفين اللذين التقيا للمرة الأولى على قدم المساواة لبحث مصير فلسطين. وعادت الحكومة البريطانية وطرحت في 17 ايار مايو 1939 تصورها للحل وكان البيان أقرب للمرة الأولى لوجهة النظر العربية وعرف ب "الكتاب الأبيض".
أوضح الكتاب ان استراتيجية بريطانيا لم تهدف الى انشاء دولة صهيونية، وحددت الهجرة اليهودية ب 75 ألفاً لمدة 5 سنوات تبدأ من نيسان 1939، بعدها لن تعطى تأشيرات جديدة من دون موافقة العرب، وتعهدت بإمكان الانسحاب واعطاء الاستقلال لفلسطين خلال فترة عشر سنوات ص 307.
لم تكن الاقتراحات البريطانية في قوة المعاهدة، بل مجرد وعود مشروطة بالتفاهم بين الطرفين وبالعودة الى عصبة الأمم. وارفقت لندن تعهداتها بتحديد كمية المهاجرين ومنع المفتي من العودة. وبسبب ذلك الغموض رفضت الهيئة العربية الاقتراحات البريطانية واحتجت عليها الوكالة اليهودية. وعلى رغم تأييد الدول العربية للموقف الفلسطيني المفتي برزت وجهات نظر فلسطينية وعربية مختلفة حول التعاطي مع المسألة، بينما لم تجد الحكومة البريطانية من ضرورة لتعديل "الكتاب الأبيض" في فترة اخذت تقترب فيها من فرنسا لمواجهة عواصف الحرب العالمية الثانية.
مضى على المفتي في لبنان اكثر من سنتين قرر على أثرها الرحيل الى بغداد في 13 تشرين الأول اكتوبر 1939 بعد ان رفضت حكومة الانتداب عودته الى فلسطين ص 310.
وبانتقاله الى العراق توقفت الانتفاضة في فلسطين التي دخلت في تناقضات محلية فوضوية أدت الى تعثرها السياسي بسبب استخدام الانتداب البريطاني أقسى أساليب القمع العسكري الذي أدى بحسب احصاءات الضباط والمراسلين لفترة 1936 و1938 الى قتل اكثر من 1791 وجرح 3388 من المدنيين بينما قتل أكثر من 2150 مقاوماً ص 317.
رحب بالمفتي في بغداد على مختلف المستويات من المسؤولين والهيئات الشعبية والصحافة العراقية، فالمفتي أصبح خلال الشهور الپ17 الأخيرة رمزاً من رموز الحركة العربية وقضيتها الفلسطينية. وتم الاتفاق معه على عدم التدخل في شؤون العراق الداخلية وعدم احراج الحكومة في موقفه السلبي من بريطانيا. الى ذلك كانت بريطانيا تنظر بحذر من تحركات المفتي وتتخوف من تأثيراته في وقت انقسمت الآراء بين القوى العربية من التطورات الدولية بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية وتوزعت الآراء على موقفين، الأول يرى ضرورة التفاهم مع القوى الغربية والمراهنة على دورها في تعزيز المطالب العربية والثاني يدفع باتجاه تحدي القوى الغربية خصوصاً بريطانيا. وتسمرّت الأنظار على العراق لكونه المكان الأخير الذي يشهد تجربة مهزوزة في العلاقات مع بريطانيا ص331.
حتى مطلع العام 1939 لم تكن المانيا حسمت سياستها العربية بسبب مخاوف برلين من ردود فعل لندن أو استفزاز حليفها الايطالي. وقبل شهور من اندلاع الحرب ألقى هتلر كلمة امام الريخستاغ في 28 نيسان ابريل 1939 هاجم فيها السياسة البريطانية في العالم العربي وفلسطين. وكان لكلمته التي هي اصلاً موجهة الى البريطانيين مفعولها السحري في المنطقة العربية ص 365. مع ذلك استمر تردد الطرفين النخبة العربية والمانيا بسبب المخاوف من انجرار العرب الى حرب ليس لهم مصلحة فيها وبقي التردد الى فترة ما بعد اندلاع الحرب وسقوط فرنسا وانضمام ايطاليا الى جانب المانيا.
كل ذلك شجع وزير العدل ناجي شوكت على فتح قنوات اتصال مع الألمان في صيف 1940 بدأت في انقرة بمعرفة من المفتي ومن دون علم نوري السعيد ص 366. بعد ذلك قرر المفتي وبعلم من الكيلاني ارسال مبعوث خاص الى برلين. واختار للمهمة لبنانياً من طرابلس يدعى عثمان كمال حداد. وامتدت مهمة حداد من آب الى منتصف تشرين الأول والتقى هناك غروبا واطلعه على رسالة أدعى انها تمثل معظم قادة الحركة العربية وبحث معه امكان دعم المانيا مطالب العرب في الاستقلال والوحدة وفلسطين، الا ان الوعود الالمانية - الايطالية لم تتجاوز حدود التمنيات والتأييد العام ص 369.
انتظر الكيلاني وصول المساعدات العسكرية الالمانية والايطالية لحكومته، إلا ان برلين استمرت مترددة. فآنذاك ايدت سلطات الانتداب الفرنسي في سورية حكومة فيشي بعد سقوط فرنسا واختلفت التوجهات الالمانية عن السابق ولم تعد مصالحها متوافقة مع امنيات العرب في استقلال سورية ولبنان وشمال افريقيا نظراً لخضوع تلك المناطق للنفوذ الفرنسي الذي بات تحت الاحتلال الالماني ص 371.
وبسبب التقاعس الالماني أرسل المفتي مبعوثه حداد مرة ثانية الى برلين في كانون الثاني 1941 مع رسالة يراعي فيها حساسيات المانيا من جهة مصالح فرنسا وايطاليا في شمال افريقيا وسورية ولبنان. وعاد حداد في نيسان 1941 حاملاً رسالة باردة من وزير الخارجية الالماني لا يشير فيها الى استقلال مصر والسودان وشمال افريقيا أو الى تأييد العرب في طموحهم الوحدوي. النقطة الايجابية الوحيدة كانت وعد المانيا بإرسال معونات عسكرية لحكومة الكيلاني. ص 371.
قبل وصول رسالة وزير الخارجية الالماني بدأ المفتي تحركاته، فعقد في منزله في بغداد في شباط 1941 لقاء ضم العقداء صلاح الدين الصباغ، فهمي سعيد، محمود سلمان، كامل شبيب، اضافة الى يونس السبعاوي وناجي شوكت ورشيد الكيلاني، وأعلنوا تأسيس الهيئة العربية العليا وانتخبوا المفتي رئيساً لها ووضعت في طليعة أهدافها انقاذ البلدان العربية وتأسيس منظمة عربية. ومنذ تلك اللحظة لم يعد المفتي يتحرك ضمن منظور فلسطيني أو عراقي وتحولت اتصالاته مع دول المحور وتحديه للسياسة البريطانية الى مظلة عربية اوسع للمواجهة. ص 372.
جاء انقلاب 2 نيسان 1941 مفاجأة لمختلف القوى لأنه رفع تحدي السياسة البريطانية الى أقصى حدها من دون غطاء دولي. وكانت طموحات الانقلابيين اكبر من امكاناتهم، فحاولوا اعطاء شرعية دستورية للانقلاب بعد هرب عبدالإله ونوري السعيد مع العمل على تحديث معدات الجيش في وقت لم تكن المساعدات الالمانية وصلت ص 373.
تدارك السفير البريطاني الوقت فاقترح على حكومته في لندن اسقاط الكيلاني بالقوة العسكرية ورفض أي اقتراحات لاستيعابه سياسياً بعد ان وصلته أخبار انقسامات حكومة الكيلاني. وعلى هذا قررت حكومة الحرب البريطانية سحب قوات لها من الهند الى البصرة وأعلمت سفيرها بالأمر في 12 نيسان.
كانت النقاشات دائرة حول الموقف عندما جاءت تعزيزات بريطانية من الأردن. وقبل ان تصل حكومة الكيلاني الى خيار حاسم باشرت القوات البريطانية بقصف الحبانية في 2 ايار 1941 لفك الحصار عن القاعدة فاندلعت الحرب في فترة لم تنفذ فيها المانيا وعودها. واكتفت برلين بإرسال اشارات تعاطف ولم تسارع الى ارسال معوناتها العسكرية والدفاعية. فالمانيا آنذاك كانت منشغلة بمعارك اليونان وكريت والبلقان وتخطط لشن هجوم على الاتحاد السوفياتي. والعراق ليس من أولوياتها ص378.
عاد هتلر وتحرك متأخراً وقبل أيام من انهيار حركة الكيلاني فضغط على حكومة فيشي الفرنسية لإرسال مساعدات من احتياط قواتها في سورية، وتم تهريب معدات عن طريق حلب وصلت الى الموصل في 13 ايار مايو وطلبت حكومة الكيلاني دعماً جوياً لكن الطائرات الالمانية اصيبت بإتلاف بسبب سوء القواعد الجوية في سورية وعدم وجود احتياطات نفطية كافية. وطال انتظار حكومة الكيلاني الدعم الالماني من دون جدوى في وقت اخذت القوات البريطانية بدعم كثيف من سلاحها الجوي تطبق شيئاً فشيئاً على بغداد. ومنذ 21 ايار بدأ اعضاء حكومة الكيلاني، ثم الكيلاني والمفتي، بمغادرة بغداد على دفعات الى تركيا وايران.
انتهت حركة الكيلاني في 23 ايار مايو الى فشل كامل ومعها انتهت فترة مهمة من نهوض الحركة العربية التي عرفت أوجها منذ الثلاثينات الى مطلع الاربعينات.
اجمالاً يرى بشير نافع ان نمو حركة الاصلاح العربية - الاسلامية في نهاية القرن التاسع عشر جرى تحت تأثير أفكار الاسلاميين والتحديات الغربية وبرامج التحديث وكلها رسمت معالم فترة في التاريخ الاسلامي والعربي. وترافق الأمر مع تفكك الثقافة الاسلامية الخاصة ونمو وعي لعالم مختلف ساهم في تغيير الحدود بين الأنا والآخر. وظهرت نخبة عربية - اسلامية أسست نظرة واقعية للعالم. كانت العروبة محاولة سياسية للصراع من أجل الشرعية في وقت كان الاصلاحيون يمثلون صوت الأقلية. وخلال الحرب العالمية الأولى وتفكك المظلة العثمانية جاء انتصار العروبة في اطار نمو هوية عربية من دون دولة وأمة غير موحدة. وتشكلت جبهة من الاصلاحيين تكونت من العلماء والأعيان تخرجوا من المدارس العثمانية المعاصرة أو المعاهد الأوروبية اضافة الى رجال ادارات دولة وضباط جيش وكلهم مثلوا استمرارية للماضي وروحية جديدة للحاضر في وقت واحد. وعموماً كانوا نخبة غير متصلة بالحركة الشعبية ولا تملك قنوات تواصل باستثناء مواقف تتوازن بين التقليدية وطموحات الناس. على ان العصر لم يكن بعد عصر الجماهير علي أية حال.
وفي سياق دعم الفلسطينيين ومواجهة المشروع الصهيوني وتحديه الوحدة العربية بدأت الدول العربية تتورط في فلسطين في اطار طموحها الوحدوي. وفي نهاية الثلاثينات انخرطت العروبة سياسياً وايديولوجياً في اطار المسألة الفلسطينية ومن دونها لم يكن بامكانها صوغ برنامجها.
جاء صعود العروبة في اطارها الاسلامي كمرجع للثقافة العربية والسياسية، في محاولة لانتاج قواعد بديلة وجديدة للحلول مكان الدولة العثمانية السلطانية.
إلا أن هذه المحاولات لم تنجح لأسباب مختلفة تتعلق بالتكوين الاجتماعي للفئات السياسية من أعيان وغيرهم، الى فئات من الممثلين المحليين اضافة الى خلافات سياسية بين القوى سواء بين الحسيني والنشاشيبي في فلسطين، والشهبندر والقوتلي في سورية، والقصر والوفد في مصر. وأساس الخلافات هو غياب المظلة الشرعية وعدم نمو وعي عربي بديل. وعزز الأمر نهوض الدول العربية القطرية في اطار الانقسام السياسي الذي يعكس المشاريع الامبريالية أكثر من الطموحات العربية.
ورسم الصراع مع الامبريالية في سياق عجز الدولة القطرية على المواجهة النظرة الايديولوجية والسياسية للحركة العربية عموماً، وتحت هذه المظلة بدأت الحركة العربية تستقل عن الحركة الاسلامية محاولة تكوين تصور خاص لمشروعها الا أنها اخطأت في حساباتها وتقدير حجمها الأمر الذي دفعها الى البحث عن حليف دولي فأدى بها الى هزيمة مبكرة في مطلع العام 1941.
* كاتب من أسرة "الحياة".
Arabism, Islamism, And The Palestine Question
1908-1941
A Political History
Basheer M. Nafi
ITHACA Press, First Edition,1998


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.