سمو محافظ الخرج يستقبل مدير مكتب وزارة البيئة والمياه والزراعة بالمحافظة    «التجارة»: استطلاع آراء المهتمين بمشروع لائحة نظام السجل    كاسيو سيزار على أعتاب الهلال.. صحيفة برتغالية توضح تفاصيل الصفقة المُرتقبة    تنظيم الملتقى السنوي العاشر للجمعيات العلمية بجامعة الملك سعود    بوتين: مستعدون للحوار مع إدارة ترمب    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته لمراكز " قيا شقصان كلاخ والسديرة"    جيسوس يحدد موقف تمبكتي من الانتقال إلى ألافيس    إدارة التحريات والبحث الجنائي بشرطة الرياض تقبض على 9 أشخاص ارتكبوا 33 حادثة احتيال مالي    يواجه تساؤلات الأعضاء حيال أداء الوزارة.. وزير النقل يستعرض الرؤية المستقبلية والاستراتيجية الوطنية أمام «الشورى»    عبدالعزيز بن سعد يستقبل رئيس جامعة حائل المكلف    من ينزع فتيل الحرب شمال شرق سورية ؟    نائب أمير منطقة مكة يرأس اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    مجمع الملك عبدالله الطبي بجدة ينجح في إنهاء معاناه مريضتين مع السلس البولي الإلحاحي المزمن    ضبط عمالة مخالفة تغش في المواد الغذائية ومستحضرات التجميل بالرياض    50 طبيب ومختص يتدربون على التعامل مع حوادث الإصابات الجماعية بجامعي الخبر    نائب أمير تبوك يستقبل قائد حرس الحدود بالمنطقة    أمين القصيم يلتقي وكيل الوزارة المساعد للتخصيص    281 شاحنة مساعدات إنسانية تدخل قطاع غزة    مستشفى قوى الأمن بالدمام يحصل على شهادة اعتماد "حياك" كأول مستشفى حكومي في المملكة    عملة «ترمب» تمحو مكاسبها.. تراجعت 98% خلال ساعات    إصابة أربعة أطفال في إطلاق نار وانفجار جسم من مخلفات الاحتلال في مدينة رفح    تسريبات من خطاب التنصيب.. ترمب: موجة التغيير ستجتاح أمريكا    من القيد حتى الإغلاق.. المحاكم العمالية تختصر عمر القضية إلى 20 يوماً    الذهب يقلّص خسائره.. الأوقية عند 2697 دولاراً    المنتدي الاقتصادي العالمي يبدأ فعالياته اليوم    أمير تبوك ونائبه يواسيان أسرة السحيباني في وفاة والدتهم    مركز الملك سلمان للإغاثة يوزّع قسائم شرائية للكسوة الشتوية على اللاجئين السوريين في الأردن    الموارد البشرية تُكمل إطلاق خدمة "التحقق المهني" للعمالة الوافدة في 160 دولة    ارتفاع مبيعات NHC وشركائها أكثر من 253 % بقيمة تتجاوز 26.7 مليار ريال    استخدام "الجوال" يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بنجران    رئيس الهيئة العامة لشؤون الحج والعمرة الليبي يزور حي حراء بمكة    الأمير سعود بن نهار يطلق اعمال الورش التدريبية لمشروع معاذ بالهلال الأحمر    وفد من الشورى يطلع على خدمات منطقة الحدود الشمالية    الاتفاق يتربص بالأهلي.. والفيحاء والخلود «صراع الهبوط»    يايسله يبحث عن انتصاره ال 34 مع «الراقي»    أمير الرياض يعزي في وفاة المباركي    نيمار يرفض الرحيل عن الهلال    "العُلا" و"الابتسام" إلى نهائي كرة الطائرة الشاطئية    حصة بنت سلمان: مدارس الرياض الحلم السابق لعصره    جمعية أصدقاء ذوي الإعاقة تنظّم بطولة رياضية    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية في وفاة الشيخ عبدالله الصباح    "إسناد" تعزز الشفافية المالية في قطاع التعدين    نواف سلاّم القاضي النزيه رئيسا لوزراء لبنان    نورة الفيصل ل«عكاظ»: «فنون التراث» تبرز الهوية السعودية برؤية عصرية    نصائح للكاتب الهازئ في إرباك القارئ    الصداقة بين القيمة والسموم، متى يكون التخلص من الأصدقاء ضرورة وليست أنانية؟    قصة «جريش العقيلي» (1)    ميزة من واتساب لمشاركة الموسيقى في الحالة    أمير الرياض يستقبل السفير العماني.. ويعزي المباركي    الجار    البرازيلي «ريتشارليسون» يقترب من دوري روشن    سان جيرمان ينافس الهلال للتعاقد مع محمد صلاح    التدخين والمعسل وارتباطهما بالوعي والأخلاق    شرب ماء أكثر لا يعني صحة أفضل    النجدي مديرًا لمستشفى الملك فهد في جازان    محمد سعيد حارب.. صانع أشهر مسلسل كرتوني خليجي    الحب لا يشيخ    السديس: لحظة تاريخية استثنائية.. إطلاق أكبر هيكلة تنظيمية برئاسة الشؤون الدينية في الحرمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن كتاب "العروبة والاسلام والمسألة الفلسطينية" . اتصالات النخبة العربية بدول المحور نتاج فشل التفاهم مع بريطانيا 2 من 2
نشر في الحياة يوم 04 - 12 - 1998

أثارت اقتراحات لجنة "بيل" ردة فعل فلسطينية قوية واشعلت انتفاضة عارمة استمرت لمدة سنتين، واندفعت النخبة العربية الى البحث عن حليف دولي يخفف من الضغوط البريطانية.
جاءت علاقات بعض النخب العربية مع دول المحور كنتيجة لفشل التفاهم مع الغرب في تلبية الرغبات السياسية وطموحات الاستقلال والوحدة وفلسطين. فهي لم تكن اساساً نتاج رغبة داخلية تعكس نظرة مسبقة للعلاقات الدولية ص357.
حتى مطلع الثلاثينات كانت النخبة في تصوراتها السياسية لبناء دولة عصرية اقرب الى الثقافة البريطانية - الفرنسية. وباستثناء بعض الضباط أو السياسيين العرب العثمانيين الذين أسسوا علاقات مع المانيا في الحرب الأولى كان التأثير الالماني شبه محدود. حتى شكيب ارسلان الذي أقام اتصالات باكرة مع الخارجية الالمانية قاد حملة عنيفة ضد الاحتلال الايطالي لليبيا خصوصاً بعد اعتقالها عمر المختار وإعدامه. فالمانيا قبل النازية كانت أقل اهتماماً من ايطاليا وطموحاتها في منطقة المتوسط. مع ذلك حصلت تحولات في رؤية ارسلان ورفيقه احسان الجابري حين التقيا موسوليني في شباط فبراير 1934 ولاقى الاجتماع ردة فعل سلبية من الحركة الوطنية الليبية والدوائر العربية المؤيدة لبريطانيا ص 359.
وكانت حصلت اتصالات بين المفتي والقنصل الالماني في القدس في 1933 تبعها اتصالات بالقنصل الايطالي في القدس في العام 1937 وقبل ترحيله عن فلسطين الى لبنان. الا ان تلك الاتصالات لم تحصل في اطار التحالف السياسي أو الاتفاق على وجهات النظر. فالمانيا لم تكن قوة عظمى ولا خصماً لبريطانيا. فالمفتي حتى 1936 كانت علاقاته افضل مع بريطانيا واتصالاته مع القنصل الالماني حصلت في محاولة منه لمساعدته على وقف نمو هجرة اليهود الألمان الى فلسطين. ففي تلك الفترة كان اهتمام المانيا النازية ينصب على أوروبا الشرقية والتنافس مع الاتحاد السوفياتي، بل كانت علاقات الالمان مع الحركة الصهيونية اقوى بكثير من الاتصالات مع بعض الوجهاء العرب. ففي العام 1933 وقعت المانيا اتفاقية مع الحركة الصهيونية اتفاقية هافارا لترحيل اليهود الألمان الى فلسطين مقابل احتكار التجارة الالمانية - الفلسطينية. الى ذلك تم توقيع مذكرة تفاهم بين موسوليني وهتلر في العام 1936 اطلقت المانيا بموجبها يد ايطاليا في البحر المتوسط. بعد ذلك حصل اتصال ضم عزت دروزه وعوني عبدالهادي مع الديبلوماسي الألماني في بغداد فرتز غروبا في كانون الثاني يناير 1937 وبحثا معه امكانية وقف الهجرة اليهودية الالمانية الى فلسطين. وطلبا دعم برلين للنضال الوطني الهادف الى اقامة دولة عربية في فلسطين ص 360 - 361.
آنذاك لاحظ الديبلوماسيون الالمان ارتفاع مشاعر العداء للسياسة البريطانية في مصر وفلسطين والعراق، فاستغلت برلين تلك الثغرة وأعلنت رفضها قيام دولة يهودية في فلسطين، وهو أمر شجع المفتي على الاتصال مجدداً بالقنصل الالماني وتواصلت الاتصالات بعد ترحيله الى لبنان في العام 1937 في ظرف وصلت العلاقات العربية - البريطانية الى أدنى مستوياتها بسبب إصرار لندن على خطة التقسيم وتهويد الجزء الأكبر من فلسطين. واستخدم المفتي في اتصالاته سعيد عبدالفتاح الامام، وهو محسوب على الحركة السورية الوطنية وسبق ان درس في المانيا وتأثر بأفكار الحركة القومية.
إلا ان إصرار هتلر حتى كانون الثاني 1938 على تشجيع الهجرة اليهودية الالمانية الى فلسطين كما نصت اتفاقية هافارا عطل حركة الديبلوماسيين الالمان في الشرق الأدنى. بينما كان التنسيق حتى نهاية 1938 على أفضل وجه بين النازية الصهيونية في تشجيع هجرة اليهود الألمان الى فلسطين. ولم تحرك برلين ساكناً إلا حين اخذت بريطانيا تعرقل طموحات المانيا في أوروبا الشرقية وخصوصاً في النمسا وتشيكوسلوفاكيا الأمر الذي دفع برلين للتفكير في إرباك الاستقرار السياسي في الامبراطورية البريطانية وخصوصاً في المشرق ص263.
آنذاك تحولت "الايديولوجية الفلسطينية" بحسب تعبير المؤلف الى منطقة لقاء بين التيارين الاسلامي والعربي وباتت مقياس العلاقة مع الغرب، والمعيار السياسي لصحة الموقف سواء على مستوى الداخل العربي من الخليج الى المحيط أو على مستوى العلاقات الخارجية خصوصاً مع بريطانيا ص293.
تابعت الحكومة البريطانية من خلال تقارير السفراء والقناصل في القاهرة ودمشق وبغداد ردود الفعل العربية الرافضة لخطة تقسيم فلسطين. وانقسمت الحكومة بين تيارين، الأول يؤيد وجهة نظر الحركة الصهيونية، والثاني، يتخوف من انعكاسات الموقف على المصالح البريطانية، وهو أمر جعل الحكومة تفكر بإعادة النظر بخطة التقسيم "واحتواء الحركة العربية" بعد ان أخذت المسألة الفلسطينية ترسم الرؤية العربية للوحدة وتجمع القوى على اختلافها السياسي والايديولوجي في موقع واحد ص295. وبسبب التغييرات التي حصلت في الحكومة البريطانية وارهاصات الحرب العالمية ومخاوفها من المانيا وطموحاتها دعت بريطانيا الوكالة اليهودية والدول العربية الى لقاء في لندن لبحث المسألة الفلسطينية ص300.
تفاوتت ردود الفعل على الدعوة البريطانية بسبب غموض جدول الاعمال وعدم وضوح الموقف من الهجرة اليهودية اضافة الى استبعاد المفتي من الحضور، وعدم توجيه الدعوة للبنانيين والسوريين. وانقسمت المواقف العربية بين مؤيد بتحفظ ومؤيد من دون تحفظ ورافض للمؤتمر بسبب استبعاده للمفتي ومساواة الفلسطينيين بالمهاجرين اليهود ص 302.
ويتحدث المؤلف عن الاتصالات التي سبقت تشكيل الوفود العربية وخصوصاً الوفد الفلسطيني وطلب بعض الدول العربية توضيحات عن بعض بنود الدعوة، الى ان تم الاتفاق على عقد لقاء بين الوفود في القاهرة قبل التوجه الى لندن. واتفقت الوفود على عدم الضغط على الوفد الفلسطيني واكدت ان مايوافق عليه الوفد الفلسطيني يوافقون عليه وما يرفضه يرفضونه ص 306.
افتتح تشامبرلين مؤتمر لندن في 7 شباط فبراير واستمر الى 17 آذار مارس 1939 وانتهى من دون اتفاق على رغم محاولات البريطانيين التوفيق بين الطرفين اللذين التقيا للمرة الأولى على قدم المساواة لبحث مصير فلسطين. وعادت الحكومة البريطانية وطرحت في 17 ايار مايو 1939 تصورها للحل وكان البيان أقرب للمرة الأولى لوجهة النظر العربية وعرف ب "الكتاب الأبيض".
أوضح الكتاب ان استراتيجية بريطانيا لم تهدف الى انشاء دولة صهيونية، وحددت الهجرة اليهودية ب 75 ألفاً لمدة 5 سنوات تبدأ من نيسان 1939، بعدها لن تعطى تأشيرات جديدة من دون موافقة العرب، وتعهدت بإمكان الانسحاب واعطاء الاستقلال لفلسطين خلال فترة عشر سنوات ص 307.
لم تكن الاقتراحات البريطانية في قوة المعاهدة، بل مجرد وعود مشروطة بالتفاهم بين الطرفين وبالعودة الى عصبة الأمم. وارفقت لندن تعهداتها بتحديد كمية المهاجرين ومنع المفتي من العودة. وبسبب ذلك الغموض رفضت الهيئة العربية الاقتراحات البريطانية واحتجت عليها الوكالة اليهودية. وعلى رغم تأييد الدول العربية للموقف الفلسطيني المفتي برزت وجهات نظر فلسطينية وعربية مختلفة حول التعاطي مع المسألة، بينما لم تجد الحكومة البريطانية من ضرورة لتعديل "الكتاب الأبيض" في فترة اخذت تقترب فيها من فرنسا لمواجهة عواصف الحرب العالمية الثانية.
مضى على المفتي في لبنان اكثر من سنتين قرر على أثرها الرحيل الى بغداد في 13 تشرين الأول اكتوبر 1939 بعد ان رفضت حكومة الانتداب عودته الى فلسطين ص 310.
وبانتقاله الى العراق توقفت الانتفاضة في فلسطين التي دخلت في تناقضات محلية فوضوية أدت الى تعثرها السياسي بسبب استخدام الانتداب البريطاني أقسى أساليب القمع العسكري الذي أدى بحسب احصاءات الضباط والمراسلين لفترة 1936 و1938 الى قتل اكثر من 1791 وجرح 3388 من المدنيين بينما قتل أكثر من 2150 مقاوماً ص 317.
رحب بالمفتي في بغداد على مختلف المستويات من المسؤولين والهيئات الشعبية والصحافة العراقية، فالمفتي أصبح خلال الشهور الپ17 الأخيرة رمزاً من رموز الحركة العربية وقضيتها الفلسطينية. وتم الاتفاق معه على عدم التدخل في شؤون العراق الداخلية وعدم احراج الحكومة في موقفه السلبي من بريطانيا. الى ذلك كانت بريطانيا تنظر بحذر من تحركات المفتي وتتخوف من تأثيراته في وقت انقسمت الآراء بين القوى العربية من التطورات الدولية بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية وتوزعت الآراء على موقفين، الأول يرى ضرورة التفاهم مع القوى الغربية والمراهنة على دورها في تعزيز المطالب العربية والثاني يدفع باتجاه تحدي القوى الغربية خصوصاً بريطانيا. وتسمرّت الأنظار على العراق لكونه المكان الأخير الذي يشهد تجربة مهزوزة في العلاقات مع بريطانيا ص331.
حتى مطلع العام 1939 لم تكن المانيا حسمت سياستها العربية بسبب مخاوف برلين من ردود فعل لندن أو استفزاز حليفها الايطالي. وقبل شهور من اندلاع الحرب ألقى هتلر كلمة امام الريخستاغ في 28 نيسان ابريل 1939 هاجم فيها السياسة البريطانية في العالم العربي وفلسطين. وكان لكلمته التي هي اصلاً موجهة الى البريطانيين مفعولها السحري في المنطقة العربية ص 365. مع ذلك استمر تردد الطرفين النخبة العربية والمانيا بسبب المخاوف من انجرار العرب الى حرب ليس لهم مصلحة فيها وبقي التردد الى فترة ما بعد اندلاع الحرب وسقوط فرنسا وانضمام ايطاليا الى جانب المانيا.
كل ذلك شجع وزير العدل ناجي شوكت على فتح قنوات اتصال مع الألمان في صيف 1940 بدأت في انقرة بمعرفة من المفتي ومن دون علم نوري السعيد ص 366. بعد ذلك قرر المفتي وبعلم من الكيلاني ارسال مبعوث خاص الى برلين. واختار للمهمة لبنانياً من طرابلس يدعى عثمان كمال حداد. وامتدت مهمة حداد من آب الى منتصف تشرين الأول والتقى هناك غروبا واطلعه على رسالة أدعى انها تمثل معظم قادة الحركة العربية وبحث معه امكان دعم المانيا مطالب العرب في الاستقلال والوحدة وفلسطين، الا ان الوعود الالمانية - الايطالية لم تتجاوز حدود التمنيات والتأييد العام ص 369.
انتظر الكيلاني وصول المساعدات العسكرية الالمانية والايطالية لحكومته، إلا ان برلين استمرت مترددة. فآنذاك ايدت سلطات الانتداب الفرنسي في سورية حكومة فيشي بعد سقوط فرنسا واختلفت التوجهات الالمانية عن السابق ولم تعد مصالحها متوافقة مع امنيات العرب في استقلال سورية ولبنان وشمال افريقيا نظراً لخضوع تلك المناطق للنفوذ الفرنسي الذي بات تحت الاحتلال الالماني ص 371.
وبسبب التقاعس الالماني أرسل المفتي مبعوثه حداد مرة ثانية الى برلين في كانون الثاني 1941 مع رسالة يراعي فيها حساسيات المانيا من جهة مصالح فرنسا وايطاليا في شمال افريقيا وسورية ولبنان. وعاد حداد في نيسان 1941 حاملاً رسالة باردة من وزير الخارجية الالماني لا يشير فيها الى استقلال مصر والسودان وشمال افريقيا أو الى تأييد العرب في طموحهم الوحدوي. النقطة الايجابية الوحيدة كانت وعد المانيا بإرسال معونات عسكرية لحكومة الكيلاني. ص 371.
قبل وصول رسالة وزير الخارجية الالماني بدأ المفتي تحركاته، فعقد في منزله في بغداد في شباط 1941 لقاء ضم العقداء صلاح الدين الصباغ، فهمي سعيد، محمود سلمان، كامل شبيب، اضافة الى يونس السبعاوي وناجي شوكت ورشيد الكيلاني، وأعلنوا تأسيس الهيئة العربية العليا وانتخبوا المفتي رئيساً لها ووضعت في طليعة أهدافها انقاذ البلدان العربية وتأسيس منظمة عربية. ومنذ تلك اللحظة لم يعد المفتي يتحرك ضمن منظور فلسطيني أو عراقي وتحولت اتصالاته مع دول المحور وتحديه للسياسة البريطانية الى مظلة عربية اوسع للمواجهة. ص 372.
جاء انقلاب 2 نيسان 1941 مفاجأة لمختلف القوى لأنه رفع تحدي السياسة البريطانية الى أقصى حدها من دون غطاء دولي. وكانت طموحات الانقلابيين اكبر من امكاناتهم، فحاولوا اعطاء شرعية دستورية للانقلاب بعد هرب عبدالإله ونوري السعيد مع العمل على تحديث معدات الجيش في وقت لم تكن المساعدات الالمانية وصلت ص 373.
تدارك السفير البريطاني الوقت فاقترح على حكومته في لندن اسقاط الكيلاني بالقوة العسكرية ورفض أي اقتراحات لاستيعابه سياسياً بعد ان وصلته أخبار انقسامات حكومة الكيلاني. وعلى هذا قررت حكومة الحرب البريطانية سحب قوات لها من الهند الى البصرة وأعلمت سفيرها بالأمر في 12 نيسان.
كانت النقاشات دائرة حول الموقف عندما جاءت تعزيزات بريطانية من الأردن. وقبل ان تصل حكومة الكيلاني الى خيار حاسم باشرت القوات البريطانية بقصف الحبانية في 2 ايار 1941 لفك الحصار عن القاعدة فاندلعت الحرب في فترة لم تنفذ فيها المانيا وعودها. واكتفت برلين بإرسال اشارات تعاطف ولم تسارع الى ارسال معوناتها العسكرية والدفاعية. فالمانيا آنذاك كانت منشغلة بمعارك اليونان وكريت والبلقان وتخطط لشن هجوم على الاتحاد السوفياتي. والعراق ليس من أولوياتها ص378.
عاد هتلر وتحرك متأخراً وقبل أيام من انهيار حركة الكيلاني فضغط على حكومة فيشي الفرنسية لإرسال مساعدات من احتياط قواتها في سورية، وتم تهريب معدات عن طريق حلب وصلت الى الموصل في 13 ايار مايو وطلبت حكومة الكيلاني دعماً جوياً لكن الطائرات الالمانية اصيبت بإتلاف بسبب سوء القواعد الجوية في سورية وعدم وجود احتياطات نفطية كافية. وطال انتظار حكومة الكيلاني الدعم الالماني من دون جدوى في وقت اخذت القوات البريطانية بدعم كثيف من سلاحها الجوي تطبق شيئاً فشيئاً على بغداد. ومنذ 21 ايار بدأ اعضاء حكومة الكيلاني، ثم الكيلاني والمفتي، بمغادرة بغداد على دفعات الى تركيا وايران.
انتهت حركة الكيلاني في 23 ايار مايو الى فشل كامل ومعها انتهت فترة مهمة من نهوض الحركة العربية التي عرفت أوجها منذ الثلاثينات الى مطلع الاربعينات.
اجمالاً يرى بشير نافع ان نمو حركة الاصلاح العربية - الاسلامية في نهاية القرن التاسع عشر جرى تحت تأثير أفكار الاسلاميين والتحديات الغربية وبرامج التحديث وكلها رسمت معالم فترة في التاريخ الاسلامي والعربي. وترافق الأمر مع تفكك الثقافة الاسلامية الخاصة ونمو وعي لعالم مختلف ساهم في تغيير الحدود بين الأنا والآخر. وظهرت نخبة عربية - اسلامية أسست نظرة واقعية للعالم. كانت العروبة محاولة سياسية للصراع من أجل الشرعية في وقت كان الاصلاحيون يمثلون صوت الأقلية. وخلال الحرب العالمية الأولى وتفكك المظلة العثمانية جاء انتصار العروبة في اطار نمو هوية عربية من دون دولة وأمة غير موحدة. وتشكلت جبهة من الاصلاحيين تكونت من العلماء والأعيان تخرجوا من المدارس العثمانية المعاصرة أو المعاهد الأوروبية اضافة الى رجال ادارات دولة وضباط جيش وكلهم مثلوا استمرارية للماضي وروحية جديدة للحاضر في وقت واحد. وعموماً كانوا نخبة غير متصلة بالحركة الشعبية ولا تملك قنوات تواصل باستثناء مواقف تتوازن بين التقليدية وطموحات الناس. على ان العصر لم يكن بعد عصر الجماهير علي أية حال.
وفي سياق دعم الفلسطينيين ومواجهة المشروع الصهيوني وتحديه الوحدة العربية بدأت الدول العربية تتورط في فلسطين في اطار طموحها الوحدوي. وفي نهاية الثلاثينات انخرطت العروبة سياسياً وايديولوجياً في اطار المسألة الفلسطينية ومن دونها لم يكن بامكانها صوغ برنامجها.
جاء صعود العروبة في اطارها الاسلامي كمرجع للثقافة العربية والسياسية، في محاولة لانتاج قواعد بديلة وجديدة للحلول مكان الدولة العثمانية السلطانية.
إلا أن هذه المحاولات لم تنجح لأسباب مختلفة تتعلق بالتكوين الاجتماعي للفئات السياسية من أعيان وغيرهم، الى فئات من الممثلين المحليين اضافة الى خلافات سياسية بين القوى سواء بين الحسيني والنشاشيبي في فلسطين، والشهبندر والقوتلي في سورية، والقصر والوفد في مصر. وأساس الخلافات هو غياب المظلة الشرعية وعدم نمو وعي عربي بديل. وعزز الأمر نهوض الدول العربية القطرية في اطار الانقسام السياسي الذي يعكس المشاريع الامبريالية أكثر من الطموحات العربية.
ورسم الصراع مع الامبريالية في سياق عجز الدولة القطرية على المواجهة النظرة الايديولوجية والسياسية للحركة العربية عموماً، وتحت هذه المظلة بدأت الحركة العربية تستقل عن الحركة الاسلامية محاولة تكوين تصور خاص لمشروعها الا أنها اخطأت في حساباتها وتقدير حجمها الأمر الذي دفعها الى البحث عن حليف دولي فأدى بها الى هزيمة مبكرة في مطلع العام 1941.
* كاتب من أسرة "الحياة".
Arabism, Islamism, And The Palestine Question
1908-1941
A Political History
Basheer M. Nafi
ITHACA Press, First Edition,1998


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.