الى الآن لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد المهاجرين العرب المصابين بداء فقدان المناعة المكتسبة "ايدز"، لكن دراسات صادرة عن جمعيات فرنسية ناشطة في مساعدة المصابين بالإيدز تؤكد أن عدد المصابين بين العرب والمسلمين المقيمين في فرنسا في تزايد مستمر. وأظهرت الدراسات معاناة مزدوجة بالنسبة الى هؤلاء المرضى مقارنة بالفرنسيين مثلاً. وذلك للتباين الكبير في مواقف عائلات المرضى من هذا المرض المذكور. ومن الجمعيات التي تهتم كثيراً بالمهاجرين المصابين بالايدز تحتل "أركات سيدا" موقعاً متميزاً نظراً الى وجود عدد من العرب والمسلمين ضمن هياكلها يقومون باستقبال عناصر هذه الجالية ، بالاعتماد على معرفتهم واطلاعهم على المحيط الذي ينتمون إليه. ويقول الدكتور كمال ش.، وهو من أصل جزائري أن ما يميز المرضى العرب والمسلمين عموماً عن غيرهم من المصابين أنهم يعانون من عدم تضامن عائلاتهم وأقاربهم معهم في مواجهتهم للمرض، وعادة ما يخفي هؤلاء إصابتهم ولا يخبرون ذويهم أو زوجاتهم بذلك، كونهم يعرفون مسبقاً أن ردود الفعل ستكون سلبية. وائل من مدينة "كليشي" شمال غربي العاصمة باريس وهو افضل مثال للتعرض الى تلك المواقف العدائية التي تصدر عن العائلات العربية كلما بلغها أن الفيروس سكن جسد أحد أفرادها. يقول وائل أنه اكتشف صدفة أنه حامل للفيروس وكان ذلك في شهر آب أغسطس 1994 واعترف أنه أقام علاقات جنسية متعددة ولا يعرف المرأة التي تسببت في إصابته، ولم يخبر والده بالأمر، لكن أمه أصرت على معرفة الحقيقة، بعدما لاحظت تقلبات في تصرفاته وتدهوراً في حاله الصحية. وعندما صارحها وضعت جانباً كل مظاهر الأمومة وطلبت منه مغادرة البيت قبل عودة الأب من العمل تفادياً، بحسب قولها ل"جريان الدم"، اذ كان الأب هدد ابنه وائل بالقتل في حال كانت "السيدا" ايدز وراء متاعبه الصحية المستمرة. ويواصل وائل روايته الحزينة بقوله أنه بحث عن ملجأ ومأوى عند شقيقته المتزوجة، لكنها قلدت والدته بعد ضغوط من هذه الأخيرة وطلبت منه المغادرة من دون أن تعطيه فرنكاً واحداً كما يقول، وهكذا وجد نفسه وحيداً في فندق متواضع. وما زاد في تعقيد وضعيته ان القوانين الفرنسية لا تصرف معونة مادية للشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة، ويقول أنه انقطع نهائياً عن زيارة بقية العائلة كالأعمام والأخوال بعدما صرحوا له بعدم استعدادهم للترحيب به في بيوتهم. ويقول أنه فكر مرات عدة في الانتحار والى الآن لم يتخلص من حاجته الدائمة الى بعض المسكنات والمهدئات. ويتدخل الطبيب كمال ليقول ان مثال وائل يمكن اعتباره نموذجاً ينطبق على عدد كبير من المرضى العرب. ويقول أن الفهم الخاطئ للدين الإسلامي وراء المواقف العدائية التي تواجه المرضى المسلمين، بالإضافة إلى انتشار بعض الشائعات عن المرض وطرق العدوى. وبحسبه فإن جهل المهاجرين العرب بطرق انتقال الفيروس جعلهم يعتقدون أن العدوى ممكنة لمجرد مصافحة شخص حامل للفيروس القاتل. ومن جهته أوضح فاروق الطرابلسي الطبيب في مستشفى "لا سالبيتريير" وسط باريس أنه أشرف على دراسة ميدانية عن معرفة المهاجرين لطبيعة مرض فقدان المناعة كشفت عن كمية لا تصدق من المواقف المغلوطة، اذ يعتقد البعض ان تناول الأكل على طاولة واحدة أو النوم في غرفة واحدة مع مصاب بالايدز قد يتسبب في إصابتهم!!! ولم يستبعد هذا الطبيب استمرار تفشي هذه المواقف والآراء غير الصحيحة ما دامت حملات التوعية الحكومية والجمعوية لا تأخذ في الاعتبار الاختلافات الجوهرية بين الفرنسيين والمهاجرين العرب في نظرتهم للمرض، وبالتالي تجهيز حملات خاصة للجاليات العربية والمسلمة. وفي هذا الصدد تمكن الإشادة بمبادرة غير مسبوقة قام بتنظيمها مسجد في محلة "ستالينغراد" وسط باريس اذ احتضن غير مرة ندوة عن الايدز بمشاركة خبراء وأطباء متخصصين في هذا الداء وممثلين عن الجمعيات التي تهتم بالمصابين وكذلك رجال الدين وهي المرة الاول التي يناقش موضوع مرض فقدان المناعة داخل مسجد. وتلبي هذه الملتقيات حاجات عدة منها التعريف بالمرض وطرق العدوى و وسائل الوقاية والأبحاث والاكتشافات الخاصة باللقاحات أو بعلاج بعض الأعراض والمساعدات التي توفرها مختلف الإدارات والمصالح الاجتماعية والطبية للمصابين. لكن القضية الحاسمة التي يحاول أصحاب المبادرة إيجاد منفذ لها في عقول المسلمين هي نفي مقولة ان الإصابة بمرض الايدز "عقوبة إلهية" وبالتالي يجب حرمان المصابين بها من الرفق والتضامن العائليين وشتى أشكال التعاضد بين المسلمين تطبيقاً للشريعة. ويتم التأكيد في هذه الندوات على تشجيع حملات التوعية وتحويرها حتى تتناسب مع طبيعة الجمهور الذي تتوجه إليه. وكشفت مصادر قريبة من المسجد ان هناك "اخوة وأخوات" في شكل مجموعات أسندت اليهم مهمة توعية العائلات والأسر المهملة من البرامج الرسمية الموجهة للجمهور الفرنسي. ولهذا الغرض صيغت برامج تأخذ في الاعتبار خصوصيات العرب والمسلمين الدينية والاجتماعية من دون أن تهمل جوانب أخرى مثل ضرورة مخاطبة المتلقي لهذه البرامج بلغته وبمصطلحات مقبولة منه. ويتم التركيز على بعض الأمثلة النموذجية لنهي أرباب الأسر والعائلات عن معاداة المصابين منهم بداء الايدز. السيدة الزهراء وهي أم لثلاثة أطفال حاملة للفيروس منذ تسعة اعوام، لكن سرد حكايتها مع المرض كشف أنها ليست مسؤولة لا من بعيد ولا من قريب عما حل بها. زوجها هو السبب في كل شيء، وتقول أنه صارحها بعدما بينت الفحوص إصابتها، وقال أنه كان متزوجاً من امرأة ثانية، والطامة الكبرى أنه هو شخصياً لم يكن يعلم أنه حامل للفيروس. أما زوجته فقد اكتشفت فاجعتها خلال تحاليل الدم التي تجرى عادة للنساء الحوامل، وكان حملها الثالث وراء تفجير محنتها، لكنها تلفت أن الجنين لم يتعرض للعدوى. وهذا النموذج يتم استخدامه من قبل أفواج التوعية لدعوة العرب والمسلمين للرأفة بمرضاهم بدل معاقبتهم بالطرد والإقصاء، إضافة إلى دعوة الناس إلى الإقبال على إجراء الفحوص والكشوفات بصفة دورية، لأن اكتشاف الفيروس في المراحل الأولى من الإصابة يزيد من فرص مواجهته. وينظم ناشطون من المسجد وجمعية "أركات سيدا" جولات في الأحياء التي تقطنها غالبية من الجاليات العربية والمسلمة لتنبيه الشباب من أخطار تعاطي المخدرات، بخاصة بعدما كشفت الدراسات الميدانية والبحوث التي أجريت على المرضى العرب والمسلمين أن تداول الحقن المستعملة من الذين يتعاطون بعض أنواع المخدرات يأتي في الصف الثاني في لائحة أسباب العدوى مباشرة بعد الممارسات الجنسية. وهناك مبادرة أخرى موجهة الى بعض المساكن الجماعية الخاصة التي يقطنها مهاجرون من مختلف الأعمار، وقد تم بناؤها في السبعينات من القرن الماضي لإيواء اليد العاملة التي تدفقت إلى فرنسا في ذلك الوقت، وهي عبارة عن عمارات مقسمة إلى غرف ضيقة للنوم تحتوي على مطابخ وحمامات ومراحيض جماعية، ويقطنها بشكل خاص هؤلاء الذين تركوا عائلاتهم في البلد وتوجهوا للعمل في فرنسا ومعظمهم على عتبة التقاعد أو تم تسريحهم من العمل ويعيشون من المعونات المخصصة للشيخوخة، وهناك عدد متزايد من المهاجرين الشباب الذين يقصدون هذه المساكن بخاصة في السنوات الأولى من الهجرة نظراً الى أثمان الكراء البسيطة. وكشفت أنيتا لورونجي وهي مساعدة اجتماعية في هذه المساكن أن الايدز منتشر بكثرة في هذه المساكن التي تطالب منظمات عدة بردمها. وتقول أن هذه المساكن التي يقطنها عرب ومسلمون غير متزوجين ويعيشون في فرنسا من دون عائلاتهم، تتحول في نهاية كل شهر إلى ما يشبه بيوت للدعارة، حيث تأتي "بائعات للهوى" لإشباع الرغبات الجنسية لهذه الفئات. وأضافت ان الحملات من أجل استعمال وسائل الوقاية لم تثمر، بخاصة مع كبار السن. وعبرت عن مخاوفها من تصدير هؤلاء للفيروس نحو بلدانهم الأصلية خلال العطل التي يقضونها فيها.