أبو مازن يحارب على جبهتين: فهو يواجه تخريب حكومة آرييل شارون "خريطة الطريق"، وتململ فصائل المقاومة الإسلامية بسبب الخروقات الاسرائيلية للهدنة. وقد مرت أيام في الأسبوعين الأخيرين واعتقدت فيها بأن الهدنة ستنهار، ثم جاءت أيام تحسن الوضع. وشعرت بأن الهدنة انهارت الأسبوع الماضي بعد اغتيال اسرائيل أحد قادة الجهاد الإسلامي، وتهديد الفصيل بالرد، وحاول أبو مازن جهده احتواء غضب الجهاد، وهو سألني هل هناك بديل من الهدنة؟ طبعاً لا بديل، ومع ذلك فإسرائيل تحاول جهدها تخريب أي خطوة الى الأمام بممارسة ما يؤدي الى خطوة أو اثنتين الى خلف. وكنت أحدث الصديق عمرو موسى عن موضوع آخر، وانتقلنا الى فلسطين، فأبدى قلقه من موضوع الجدار الأمني، وقال انه يشعر بأن "خريطة الطريق" لن تسير الى الأمام، لأن السياسة الإسرائيلية تهدف الى اضاعة الوقت في الأشهر القليلة المقبلة ريثما تبدأ حملة الانتخابات الأميركية ويرتفع الضغط عن اسرائيل. أبو مازن باقٍ مع "خريطة الطريق" لعدم وجود بديل، الا انه يدرك جيداً الصعوبات، وفي حين انه يلتزم الحذر في تصريحاته، فإن الواضح انه غير متفائل كثيراً، وان كان مصمماً على بذل كل جهد ممكن، وهو على اتصال بالمقاومة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية، وكان يرتب لاجتماع مع قادة الجهاد في غزة، ويتصل بقيادات الخارج. ومع ان حماس والجهاد تركتا سورية، وأغلقت المكاتب الإعلامية التي كانت موجودة هناك، فإن قادتها في الخارج يقولون انه قد يأتي يوم ترفض فيه المقاومة السكوت عن خرق اسرائيلي خطير، كاغتيال قيادي آخر. ولعل كلام أحد قادة المقاومة لي على الهاتف يلخص الوضع كله، فهو قال لي: "يا أخي نحن لسنا مسيحيين، وليس من تقاليدنا ان ندير الخد الآخر. من الأفضل أن نموت في سيارات متفجرة على أن نُقتل في بيوتنا مع أطفالنا، واحداً بعد الآخر". أبو مازن ومحمد دحلان يعرفان موقف المقاومة الإسلامية جيداً، ويحاولان استباق الانفجار، وكان الوضع جيداً بعد اجتماع وزير الدفاع الاسرائيلي مع دحلان الخميس الماضي، فلم يأتِ الأحد حتى تأزم الوضع من جديد، وعجز الرجلان عن الاتفاق على تفاصيل الانسحاب من قلقيلية وأريحا. هذا الانسحاب يمثل مدى الكذب الاسرائيلي والمراوغة وعدم الرغبة في السير الى الأمام، فقلقيلية محاصرة من كل جوانبها بالجدار الأمني، وهناك مخرج واحد يسيطر عليه الاسرائيليون، ما يجعل البلدة سجناً كبيراً. أما أريحا فلم تكن محتلة أصلاً، واحتلها الاسرائيليون لينسحبوا منها، وهي أيضاً محاطة بحواجز اسرائيلية تمنع الدخول أو الخروج إلا تحت سيطرتهم الكاملة. مع ذلك عرض الجانب الاسرائيلي الانسحاب من هاتين البلدتين كأنه انجاز، وقبل الفلسطينيون لأن الاتفاق كان على أن يتبع الانسحاب منهما انسحاب اسرائيلي من رام الله وطولكرم. والاسرائيليون يريدون مقابل انسحاب زائف ان تتولى الحكومة الفلسطينية اعتقال المطلوبين، وتجريدهم من السلاح، ومنع قيامهم بعمليات "ارهابية". وما تطلب في الواقع هو حرب أهلية فلسطينية يرفضها أبو مازن ومحمد دحلان وكل وزير آخر. في غضون ذلك يغطي الاسرائيليون عدم سيرهم في عملية السلام باتهام أبو عمار، وموفاز زعم في اجتماع الوزارة الاسرائيلية ان الرئيس الفلسطيني يبعث بإشارات الى رجال فتح لتشجيعهم على الارهاب، ووزير الخارجية سيلفان شالوم قال ان أبو عمار يحاول زعزعة مركز أبو مازن وقد ندم على تعيينه رئيساً للوزراء، ومدير المخابرات العسكرية أهارون زئيفي قال ان "الارهابيين" المطلوبين من فتح يواصلون الاستعداد للعمليات بتشجيع من عرفات. وزعم ضباط في الجيش الاسرائيلي ان كمال غانم، زعيم تنظيم فتح في رام الله، الموجود مع الرئيس في المقاطعة، يقود الارهاب في نابلس وطولكرم. أبو عمار له موقف معروف، الا ان ما تحاول اسرائيل عمله هو تحويل الأنظار عن عرقلتها العملية السلمية بالتركيز على الرئيس الفلسطيني. ولعل أسوأ ما في الأمر أن الأميركيين باتوا يؤيدون الموقف الاسرائيلي فهم يريدون من حكومة أبو مازن جمع السلاح من أيدي "الارهابيين"، وتفكيك البنية التحتية "للارهاب"، قبل السير في الخطوة التالية من "خريطة السلام". الواقع ان الخطوة الأولى لم تنفذ بعد، والسبب اسرائيل، ولكن الاخوان في المقاومة الإسلامية يفهمون الموقف الاسرائيلي ويرفضون الرد على الخروقات الاسرائيلية كما تريد اسرائيل لتحميلهم مسؤولية الفشل، وأبو مازن يقول ان سيطرة الأمن الفلسطيني على المدن سيحمي محازبي الفصائل المختلفة من اسرائيل، لأنهم سيوضعون تحت سيطرة الأمن الفلسطيني فلا تستطيع اسرائيل اعتقالهم. ربما شهد الوضع انفراجاً اليوم، بعد نكسة ليل الأحد/ الاثنين، ولكن كل انفراج تتبعه نكسة سببها خرق اسرائيلي للهدنة أو خروق، وكل ما أرجو هو أن تدرس المقاومة الإسلامية الوضع بهدوء شديد وان تقرر، بعيداً من الاستفزاز الاسرائيلي، ما تمليه عليها المصلحة الفلسطينية العليا، فهي مشتركة بين جميع الفلسطينيين.