نشرت "الحياة" في عددها الصادر في 29 تموز يوليو الماضي موضوعاً لا بد من أن يصل الى كل مسؤول ومواطن مصري تحت عنوان "مقاه في القاهرة تعرض أفلاماً إباحية"، والتفاصيل تحمل كماً مفزعاً من الحقائق، إذ يشير الى انتشار المقاهي التي تعرض أفلاماً إباحية في شكل يومي في قلب القاهرة، وتتساوى في ذلك المناطق الشعبية والأماكن الراقية وبأسعار رخيصة جداً تبدأ بجنيهين فقط. والكارثة أن الجمهور المشاهد لا يقتصر على الشباب من الذكور فحسب بل ان بعض المقاهي عمدت تخصيص ركن، وفي أحيان أدوار كاملة، للفتيات ليشاهدن من دون إزعاج. مع الاشارة الى أن هذه المقاهي اتخذت أساليب عدة - لم يشر إليها التحقيق - لتجعل المكان نظيفاً عفيفاً طاهراً في ثوان في حال حصول عملية دهم في أي وقت. وعندما التقى الصحافي بعض زوار المقاهي من البنات والشباب أشاروا الى أن هذه الأفلام تحقق لهم قدراً من الإشباع الجنسي وفي الوقت نفسه لا تصل في نظرهم الى درجة الكبائر أو الإثم خصوصاً في ظل ما يعانونه من فراغ وبطالة وإخفاقات متعددة إضافة الى صعوبة الزواج والاستقرار إلا في سن متأخرة. إن ما يحدث في قلب القاهرة وحتماً ما يحدث في غيرها من المدن والقرى المصرية الأخرى من مشاهدة جماعية علنية للأفلام الإباحية يدين الجميع: المؤسسات الدينية التي اهتمت بقضايا فرعية وتركت الشباب وحيداً يواجه اليأس والإحباطات والشهوات من دون أساس ديني صحيح، والمؤسسات الأمنية التي غفلت عن هذه المقاهي حتى كبرت وتعاظمت وتوحشت الى أن صارت شبه علنية، والموسسات التعليمية التي تخرج فيها الشباب بلا أدنى إضافة حقيقية الى عقله تساعده في توجيه طاقاته في ما يفيده ويصلح من أحواله، والمؤسسات الإعلامية التي عمدت الى عرض الأفلام الهابطة والأغاني الخليعة والأخبار المثيرة التي أججت الشهوات والرغبات، والأسرة التي اهتم أربابها باللهاث وراء لقمة العيش فاندثر مفهوم العلاقات الأسرية وصار الأبناء والآباء جزراً منعزلة لا يرى أحدهم الآخر إلا في المناسبات، والأحزاب السياسية الهشة التي فشلت في احتواء الشباب واستغلال طاقاتهم وقدراتهم الاجتماعية والسياسية واكتفت بالصحف المملة والمقار الهزيلة، والأندية الرياضية ومراكز الشباب عندما اقتصرت الأولى على الأثرياء فحسب وتحولت الثانية الى مقاه للعب الطاولة والكوتشينة، والحكومة التي صدعت رؤوسنا بتوفير فرص العمل وارتفاع مستوى المعيشة فيما الحقيقة ان البطالة في ازدياد مطرد ومستوى المعيشة في انخفاض مضاعف. عندما انتشرت الاسطوانة التي جمعت بين رجل الأعمال والراقصة الشهيرة اهتم الجميع بما حدث، على رغم الاعتراف بقسوته، للراقصة من إهانة وتشويه وفضيحة من دون أن يهتم أحد بأن يتساءل: ما الذي يمكن أن يتسبب فيه انتشار فيلم فاضح كهذا بين الشباب؟! وما الذي يمكن أن يحدث عندما تصبح أكثر العلاقات الإنسانية خصوصية علنية ومتاحة وبسهولة شديدة؟! وما الذي يمكن أن يفعله ذلك الأمر من تغيرات في المجتمع... في علاقاته وطبائعه وعاداته وتقاليده. ويبدو أن انتشار المقاهي التي تعرض الأفلام الإباحية علانية للبنات والشباب على السواء جاء رداً مفزعاً على سؤال قاس لم يجرؤ أحد على طرحه. الدقهلية مصر - محمد هشام عبيه