ثمة ملاحظة اكيدة وواضحة، ينتبه إليها المرء خلال مشاهدة الممثلة المصرية نادية الجندي في افلامها التي تعرضها القنوات العربية من وقت الى آخر. هذه الملاحظة هي ان نادية تشكل مثالاً للأنثى "المسترجلة" بعفوية في السينما العربية، وفاعلة على نحو مضاد لأنثى السينما العربية المعتادة والمألوفة. أنثى ضد الأنوثة، هكذا يمكننا ان نختصر نادية الجندي، فهي لا تقترب من اناقة يسرا، ولا تمتلك حُسن فاتن حمامة، وليس في تمثيلها فتنة هند رستم الداخلية، ولا مراهقة سعاد حسني الساحرة والغاوية. تؤدي دور المرأة المسترجلة دوراً واحداً لا يتغير، ندركه مسبقاً مثلما ندرك ما سيؤول إليه الفيلم الهندي الطويل القائم على الحزن واليتم وانتصار الأخيار اليتامى على الأشرار العصابات أو أفلام فريد شوقي التي يكون سندها الشر من الثأر ونحوه. على رغم ما نقوله، فنادية نجمة جماهيرية وإن خفت حضورها في السنوات الأخيرة، بدأت مشوارها السينمائي بأدوار ثانوية في افلام عدة مثل "صغيرة على الحب" و"ميرامار" و"جميلة" و"الثعلب والجهاد" وهناك ارتبطت بأدوار الفتاة اللعوب العالمة، ولم تحقق في بداياتها اي نجاح يذكر سوى لقبها بصفتها زوجة فتى الشاشة العربية الأول عماد حمدي، الممثل الذي تزوجها وكان في نهايات حياته الفنية الحافلة بالعطاء، العابقة بالنجومية، وهي الصبية الصارخة الطامحة لأن تكون فنانة محترفة في عالم السينما. لكن فتى الشاشة العربية يموت قبل ان تنال نادية الجندي الشهرة التي تريدها وتسعى للوصول إليها، ولم تخرج من هذه المرحلة التكوينية إلا ببضعة ادوار ثانوية كان افضلها الذي جسدته في شخصية "بمبة كشّر"، ثم جاء زواج نادية الجندي من المنتج السينمائي محمد مختار الذي أنتج لها فيلم "الباطنية" وكرت الأفلام من "وكالة البلح" و"جبروت امرأة" و"الخادمة الضائعة"، وهذه الأفلام جعلت نادية تحمل لقب نجمة الجماهير الأولى، وصارت تستخدمه كتعبير عن النجومية عند جمهور السينما العربية. وبقدر ما فرض النجاح حولها من نرجسية، جعلها ترفض ان يضع اي فنان اسمه قبل اسمها على ملصق الفيلم افيش. وهذا كان السبب في الدخول في خلافات مباشرة مع النجم الكوميدي عادل امام "إذ اصرت نادية على وضع اسمها قبل اسمه في فيلم "خمسة باب"، كذلك مع وحش الشاشة فريد شوقي، ولم تحضر احد المهرجانات لأن إلهام شاهين اخذت جائزة. هكذا هي نادية في حياتها امرأة تريد ان يكون لها "اخلاق الأسياد" لا "أخلاق العبيد"، ترفض ان تكون في مستوى احد، بل اكثر ما تبحث عن التفوق، على رغم ان افلامها تصنف ضمن اللائحة السوقية الشعبوية. نقول اخيراً، ان نادية في افلامها توحي ملامحها "بوحشية اكيدة"، وحشية البدو او الغجر لا جمالهم، وهي انثى قوية تقاوم كل اشكال الرجولة، تحمل السلاح وتقود ابناء الحي، بل تتحدى الآخرين بالسباب والشتائم والقوة والتصميم والمؤامرات، تفرض وجودها وسط عالم الرجال. ولكن اين نادية الجندي الآن، اين حضورها؟! هل تقاعدت كممثلة ام ان دورها المعروف شاخ في أذهان الجماهير التي تقول انها نجمتهم؟!