«الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    رئيسة (WAIPA): رؤية 2030 نموذج يحتذى لتحقيق التنمية    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    السد والهلال.. «تحدي الكبار»    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    أمطار على مكة وجدة.. «الأرصاد» ل«عكاظ»: تعليق الدراسة من اختصاص «التعليم»    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    إسماعيل رشيد: صوت أصيل يودّع الحياة    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    في الشباك    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    نائب أمير الشرقية يكرم الفائزين من القطاع الصحي الخاص بجائزة أميز    ألوان الطيف    ضاحية بيروت.. دمار شامل    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    حكايات تُروى لإرث يبقى    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    نقاط شائكة تعصف بهدنة إسرائيل وحزب الله    أهمية قواعد البيانات في البحث الأكاديمي والمعلومات المالية    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    تطوير الموظفين.. دور من ؟    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي    قصر بعظام الإبل في حوراء أملج    كلنا يا سيادة الرئيس!    القتال على عدة جبهات    معارك أم درمان تفضح صراع الجنرالات    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    صورة العام 2024!    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    وزير الخارجية يطالب المجتمع الدولي بالتحرك لوقف النار في غزة ولبنان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    الوداد لرعاية الأيتام توقع مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للإحصاء    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الأهل والأقارب أولاً    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"عبقرية الاخفاق" في معالجة قضية الشريعة الاسلامية . الإصرار على علمانية العاصمة الخرطوم يعتبر سوء فهم أو رغبة في إذلال المسلمين السودانيين 2 من 2

يتيح "إعلان القاهرة" الذي وقع أخيراً بين "الحركة الشعبية لتحرير السودان" والزعيمين السياسيين محمد عثمان الميرغني والصادق المهدي، ومذكرة التفاهم التي وقعت في لندن بين الحركة الشعبية والمؤتمر الشعبي مادة مثالية لإبراز بعض أوجه القصور المزمنة في تناول قضية الشريعة الاسلامية في السودان.
حمل "إعلان القاهرة" في افتتاحياته تقريرات طيبة وحسنة النوايا تجاه السلام والاتفاقات التي وقعت باتجاهه حتى الآن. لكنه انتقى فجأة قضية الشريعة وأقحمها في الموضوع بكل مضامينها الخلافية. صحيح أنه أوردها بصورة غير مباشرة لكنها واضحة جداً لمن خبر السياسة السودانية التي دارت حول هذه القضية حيثما دارت.
وعندما ثارت الثائرة على "إعلان القاهرة" أصدر الزعيمان بيانات تفيد أن تفسيرهما لتعبير العاصمة القومية الذي ورد في البيان لا يرمي إلى التنازل عن الشريعة فيها. ومن حقهما علينا كمسلمين أن نصدّق هذا التفسير ونحن ندرك مقدار الضريبة التي يتحملها أي سياسي سوداني إذا قال بالتنازل عن الشريعة. وهناك دليل إضافي لمصلحة التفسير الذي أورده الزعيمان وهو أنهما حكما السودان في آخر مرة لمدة ثلاث سنوات ولم يقدما على إلغاء الشريعة عدا الشبهة التي طافت حول اتفاقية نوفمبر 1988.
لكن الضرر كان قد وقع كاملا بصدور الإعلان، وطار زعيم الحركة الشعبية بالجائزة وحده لا يلوي إلى واشنطن. ولم يكلف نفسه حتى إبداء شيء من الغضب أو الدهشة من التفسير الذي ساقه الزعيمان، ذلك التفسير المتصادم مباشرة مع تفسيره الموثق والمعلن في أكثر من مناسبة عن أن العاصمة القومية بالنسبة له تعني "عاصمة بلا شريعة"، هكذا دون أي لبس أو تردد. والعلة في خلو تصرف زعيم الحركة من مشاعر الغضب أو الدهشة ناشئ من أن نظرته الى لإعلان أصلا لم تتجاوز الانتهازية السياسية، طلباً لتسجيل نقطة على الحكومة وإحراجها في المفاوضات وإحداث مزيد من الانقسام في الصف المسلم. ومرة أخرى يقع بعض قادة السياسة في شراك خصم مراوغ ويعطوا عطاء من لا يملك لمن لا يستحق ، خاصة أن القضية التي نالت كل هذا الاختصاص في الإعلان لا تمثل أصلاً سبباً من أسباب الحرب.
وإضطربت الأقوال والتبريرات بعد ذلك الإعلان كما لم تضطرب من قبل. وعلى سبيل المثال قال لي قيادي قريب من أحد الزعيمين مبرراً موقف صاحبه من الإعلان بأن "كل هذا حدث بسبب تطبيقكم السيئ للشريعة والإسلام". فأوضحت له أنه يخطئ مرتين بمثل هذا المنطق. فهو من ناحية يعترف، خلافاً للتفسير الذي تبرأ فيه قائده من التنصل عن الشريعة، بأن كلامه هو في الحقيقة تنصل من الشريعة، لكنه تنصل تسبب فيه التطبيق الذي يراه سيئاً للإسلام. وأبديت له أملي في أن يكون هذا هو فهمه الشخصي لا فهم الجماعة التي ينتمي إليها. فإذا كان هذا هو الفهم المعتمد للجماعة كلها فلن يمكننا حينئذ أن نعتصم بحسن الظن الذي وطنّا أنفسنا عليه والذي هو شرط ضروري للتعامل البنّاء بيننا. ثم هو يخطئ مرة ثانية عندما يجعل التطبيق السيئ للشريعة _ على افتراض أن كلامه صحيح - مسوغاً مشروعاً للتخلي عنها. فالتمادي في هذا المنطق سيجيز للمرء أن يترك ملة الإسلام مرة واحدة بسبب أن بعض المسلمين أشرار رغم أنهم يراقبون الله في أداء الشعائر والمناسك.
مثال آخر للارتباك الفكري وخلط المفاهيم تمثل في الزعم الذي ورد دفاعاً عن إعلان القاهرة واتفاق لندن بأن الوحدة الوطنية مقدمة على الشريعة. مرة أخرى يفرّط المسلمون دون مقابل عندما يعتمدون أقوال خصومهم ومزاعمهم دون تدبر أو تمحيص. أولا لأن من الخطأ الجسيم والظلم التسليم بأن الشريعة هي على حساب الوحدة الوطنية كما في معنى هذا القول.
إن اعتماد الشريعة مصدراً للتشريع لا ينبغي أن يكون خصماً على الوحدة الوطنية في بريطانيا أو الولايات المتحدة الأميركية، أو حتى في بلد لا يوجد به مسلم واحد. وقد رأينا في ما سبق أن الشريعة نظام قانوني وأخلاقي متكامل مفتوح لمن أراد أن يقتبس منه أو يهتدي بتجربته حتى لو لم يكن مسلماً. فكيف نقول بهذا ثم نسلم ببساطة بأن الشريعة تنتقص من الوحدة الوطنية في بلد غالبيته الغالبة من المسلمين كالسودان، خاصة وأن قضية الشريعة لم تكن سبباً جذرياً لمشكلة الجنوب عندما ثارت في عام 1955 ثم عندما تجددت في عام 1983. بل كيف يمكن تصور تماسك الوحدة الوطنية أصلاً إذا أقصي المرجع العقدي والفكري والسلوكي لتلك الغالبية الغالبة.
الإسلام تعايش مع اليهودية وتفاعل معها في كل المجتمعات الإسلامية وبصورة خاصة في الأندلس، برغم أن اليهودية لها عقيدتها السياسية وشعائرها المتشددة. فكيف إذن يعجز الإسلام عن التعايش مع المسيحية وهي لا تدعي عقيدة سياسية، وهي تتبنى نمطاً متحرراً ومرناً في الشعائر الظاهرة إذا ما قورنت بالإسلام واليهودية. وقرأنا في الإنجيل أن عيسى عليه السلام أمر أتباعه بأن يدعوا "ما لقيصر لقيصر وما لله لله". وقيصر آنذاك كان وثنياً مشركاً ليس بينه والمسيحية أرضية مشتركة، فلماذا نقرر خطأ أن المسيحي لا يلتقي مع المسلم في شيء من المبادئ والأخلاق وكل نصوص الكتاب وشواهد التاريخ تقول غير ذلك.
ثم إن إعلان القاهرة ومن بعده اتفاق لندن لم يأتيا بأي مكسب معلوم للوحدة الوطنية. وكان الرجاء إذ خرج زعيم الحركة الشعبية بمطلبه كاملاً _ وفقا لتفسيره هو للعاصمة القومية - أن يقدم مقابلا تنازلاً عن مطلب تقرير المصير، أو أن يبدي مجرد التزام مبهم بالوحدة الوطنية. لكنه في المناسبتين ضن على شركائه بمحض كلمة مجاملة في حق الوحدة الوطنية كما ضنت أم الحطيئة من قبل ببولها على النار. ومرة أخرى جرياً على تقاليد الإخفاق العبقري في السياسة السودانية ينال المبتز الملحف كل مطالبه ثم يهرب عند الاقتضاء.
إن اتفاقية لندن ينبغي أن تنال عناية أكثر نسبة لأنها أعقد من حيث مضامينها وخلفيات أطرافها ومنطلقاتهم. ولكي نتناول الاتفاق بموضوعية ينبغي أولاً أن نختزل بعض المضامين المشوشة التي وردت فيها. أول شيء من ذلك هو النظرة الحقيقية التي ترى بها الحركة الشعبية المؤتمر الشعبي. فرغم يقيني أن بعض قيادات المؤتمر الشعبي ينظرون إلى تلك العلاقة نظرة استراتيجية بكل تبعاتها، لكنني أعلم كذلك بالمقابل أن العلاقة بالنسبة للحركة الشعبية لا تعدو كونها صفقة تجارية أخرى تخطف ولا يهم شخص البائع أو صفاته، تماما كما تبتاع سيارة أو بيتاً ولا يهمك شكل البائع أو ميوله أو خلقه. وهذا إن جاز في عالم التجارة اليومية فإنه لا يجوز حين يتعلق الأمر بدنيا السياسة، خاصة عندما تزدحم بالدعاوى الأخلاقية العريضة.
الشيء الثاني الذي أود اجتيازه سريعاً هو تلك الشهادة الطريفة من السيد نيال دينق الموقع على الاتفاق نيابة عن الحركة الشعبية بأن الحكومة تقدم نموذجاً سيئاً للإسلام الحقيقي العظيم، وأنها ستتسبب في تقسيم السودان بعد أن تسببت في تقسيم الحركة الإسلامية. ووجه الطرافة لا يخفى لأن موقع السيد نيال دينق ليس خارج الملة الإسلامية فحسب، كما أنه لم يكن أبداً عضواً في الحركة الإسلامية، لكنه فوق هذا وذاك لم ترصد له أو للحركة التي ينتمي إليها أي أقوال سابقة تشي بأي عاطفة حميمة تجاه الإسلام أو الحركة الإسلامية. لكننا برغم ذلك لا نرى العيب فيه لأنه أتيحت له سانحة مجانية فاقتنصها. وإذا كانت هذه هي الصناعة الرائجة في سوق السياسة فلماذا يتخلف السيد دينق عن القنيص وكل الناس قد خرج له. ومرة أخرى على مثال "إعلان القاهرة" لا يتبرع لنا اتفاق لندن بكلمة تنويه مبتسرة عن الوحدة الوطنية، رغم اتهامه الحكومة بالسعي لتقويض الوحدة. وكان المنطق يقتضي كيل عبارات الالتزام للوحدة ما دام باب العطاء مفتوحاً والأخذ بالمجان.
هذا ليس الأهم في الموضوعات وإن كان يلقي بظلال التخمين على مقاصد الوثيقة. الأهم من ذلك شيئان: الأول، الإشارة إلى مبدأ التحول الديمقراطي بعد كيل التقريعات الضرورية للحكومة لأنها لا تؤمن بذلك المبدأ. والثاني، المطالبة بالعاصمة القومية، بل والدعوة لاتخاذ الإجماع الوطني وحده قاعدة التشريع، هكذا بإسقاط صريح للشريعة.
بالنسبة لإعلان الالتزام بالتحول الديمقراطي، فهي دعوة لا عيب فيها، سواءً عرف عن المطالبين بها التزام حقيقي نحوها في ماضيهم أو ممارستهم المعلومة أو لم يعرف. فحتى لو بدأ المرء حياته أو الجماعة كسبها على مبادئ الشمولية الديكتاتورية القمعية، لا بأس من أن تعلن توبتها وإنابتها إلى أفياء الحرية والتعددية والشورى والديمقراطية. هذا جائز ومقبول حتى من الكافر عندما يثوب إلى الإيمان، فالتوبة تجبّ ما قبلها والتائب لا يؤاخذ بماضيه. المشكلة تكمن عندما تخلوا هذه الإعلانات من سند حقيقي يؤيدها في أفعال المرء أو الجماعة.
الحركة الشعبية وإستنبات الديموقراطية
بالنسبة للحركة الشعبية فإن الظاهر منها حتى الآن ليس الخطاب الديموقراطي والتنظيم المدني، بل هو خطابها الثوري وتنظيمها العسكريّ. إنها ما تزال تسمي نفسها الحركة الشعبية لتحرير السودان رغم أنها قررت أخيراً فيما يظهر أن تتحالف مع نفس الذين رأت في السابق أن تحرر السودان منهم. وهي تدعو إلى السودان الجديد وتتحالف مع أوضح رموز السودان القديم. وتنظيم الحركة ما يزال عسكريا العلاقات فيه تراتبية رأسية صارمة، وهي تعاني من مشكلات حقيقية مع تنظيمات المجتمع المدني التي بدأت تطل برأسها خاصة بين مثقفي بحر الغزال. ومنهج زعيم الحركة في القيادة لا يختلف كثيرا عن النماذج البائسة السائدة في الساحة الإفريقية من تقريب أصحاب الحظوة المطيعين ولو كانوا بغير أوزان، على حساب أصحاب الأوزان الفعلية الأكثر استقلالاً. ورغم كل محاولات الحركة المتعسرة لاستنبات الديموقراطية داخلها، تبقي الحقيقة دامغة، أمام عضويتها المتلهفة إلى التحول الديموقراطي، أنها تجد صعوبة حتى في عقد مؤتمرها العام وانتخاب قياداتها انتخاباً ديمقراطياً بعد أن مرت قرابة الأعوام العشرة على آخر دورة انعقاد للمؤتمر في عام 1994. وعلى ذلك قس.
اشفاق ورثاء
بالنسبة للمؤتمر الشعبي في نسخته المعدلة بعد خروجه من المؤتمر الوطني وتجربة الإنقاذ، فالحق يقال إن الفرصة أمامه متاحة، ما أن يأتي السلام، لإبراز مواهبه الديموقراطية. المأخذ الوحيد الآن هو على المبالغة في الإساءة إلى الحكومة والإلحاح في التنصل من "سيئات" الإنقاذ والزعم بأنها من صنع مجموعة لا علاقة للمؤتمر الشعبي بها تاريخياً، وتضخيم إعلان الالتزام بالديموقراطية والقول بأنه التزام قديم وليس بمستجد. إن هذا لا يثير جدلاً حول المصداقية فحسب، بل يثير قدراً كبيراً من الإشفاق والرثاء على المشقة التي سيعانيها من يدّرع تلك المهمة.
العاصمة القومية
الموضوع الثاني، هو المطالبة بالعاصمة القومية واعتماد الإجماع الوطني قاعدة التشريع. بالنسبة للعاصمة القومية فقد سبق القول فيها، وخلاصته أن الحكومة لا تدعو إلى غير قومية العاصمة، بل إنها تدعو لأن تكون كل مدينة في السودان قومية ولا ترى منطقاً ولا رشداً أو عدلاً في أن تكون العاصمة قومية بينما تظل بقية مدن السودان غير قومية. إن اختصاص العاصمة بالدعوة إلى القومية لأن بها مسيحيين يتضمن معنى أنه لا بأس من هضم حقوق المسيحيين في غير العاصمة. إننا نقول بمقابل ذلك إن عدل الإسلام يستوجب ألا تهضم حقوق المسيحيين في أي مكان.
الفارق الأساسي بين الحكومة ومعارضيها في هذه القضية هو أن الحكومة تؤمن بكل صدق أن الإسلام والشريعة لا يتعارضان مع الوحدة الوطنية ولا مع حقوق غير المسلمين كما سنوضح لاحقاً.
أما المطالبة بأن يكون الإجماع الوطني وحده قاعدة التشريع فإنه يثير مشكلات أكثر مما يطرح حلولاً. فالإجماع الوطني وحده في السياسة لن يكون أقل خلافية من جعل الإجماع الأصل الوحيد في أصول الفقه دون تقديم الكتاب والسنة. إن الخلاف حول حجية الإجماع الذي ثار حتى بين الشافعية الذين وضع أستاذهم علم الأصول مشهور. والمعروف أن الإمام الشافعي رغم اعتماده للإجماع في الأصول كان يرى عدم إمكان انعقاده عملياً إلا في الفرائض المعلومة كالصلاة والحج. والحجة في ذلك باختصار أنه يستحيل اتفاق كل المجتهدين في كل العصور وفي كل الأمصار. لكن الأمام الشافعي رضي الله اعتمده رغم ذلك بالاستدلال النظري، ثم أخّر ترتيبه عن الكتاب والسنة ليتقيد بهما. فلو جعلنا الإجماع وحده قاعدة الأصول فلن تتوفر المرجعية كالكتاب والسنة التي يهتدي بها الإجماع، وعندئذ قد يوافق الحكم المستنبط مقاصد الدين أو لا يوافقها. نفس القياس ينطبق على التشريع السياسي. فبالنسبة للمسلم المطالب بتحكيم الإسلام لا يمكن اعتماد الإجماع الوطني وحده دون تقييد بالشريعة، لأن التشريعات الصادرة من ذلك قد تتوافق مع الشريعة أو لا تتوافق، والغالب ألا تتوافق لأن الإجماع على تفسيرات الإسلام لن يتحقق حتى بين المسلمين. بهذا الفهم لن يكون الجهاز التشريعي في البلد المسلم مؤطراً بأي مرجعيات تشريعية إسلامية بأكثر من الجهاز التشريعي الإيطالي أو البريطاني أو الأمريكي. القانون الأمريكي مثلاً يعاقب على القتل بالقتل وهو في ذلك متفق مع التشريع الإسلامي في أساسياته رغم أنه لا يعتمد الشريعة مصدراً للتشريع. أقول في أساسياته لاستبق من يريد أن يسرع إلى القول بأن القتل غير القصاص. وهناك أيضاً من القوانين الغربية ما يشبه دية الجراحات.
هذا من الناحية النظرية. أما من الناحية العملية فنفس السؤال الذي أثاره علماء الأصول يثور هنا وهو: من الذين ينعقد بهم الإجماع؟ وكيف؟ قد يجيب مجيب بأنهم جمهور المواطنين المستحقين للتصويت في استفتاء عام. وقد يجيب آخر بأنهم القوى السياسية. وقد يجيب ثالث بأنهم أعضاء مجلسي التشريع، الأعلى الممثل للولايات والأدنى الممثل للدوائر المباشرة. ولا تخفى التعقيدات العملية لكل إجابة. ويجب الاعتراف بأن النتيجة العملية لإعمال هذه القاعدة ستكون بلا شك هي إسقاط الشريعة. هذه هي الأسباب ذاتها التي جعلت واضعي الدستور الحالي، دستور 1998، وفي مقدمتهم كما هو معلوم الدكتور الترابي، زعيم المؤتمر الشعبي ورئيس البرلمان السابق الذي أجاز الدستور الحالي، يؤخرون الإجماع عن الشريعة التي هي مرجع المسلمين، والعرف الذي هو مرجع المسلمين وغير المسلمين، ليتقيد الإجماع بهما كليهما. والإجماع هنا لا يعدو أن يكون حضاً على تحري أكبر نسبة أغلبية وليس الإجماع المطلق لأنه شبه المستحيل.
لهذا فإن التفريق بين التشريع وآلية التشريع لا يعدو أن يكون ضرباً من الحيلة اللطيفة، فآلية التشريع التي لا تلتزم ابتداءً بمرجعيات الشرع لن تجد نفسها ملزمة بتحريه في التشريعات. على المسلمين أن يعوا هذه الحقيقة إن كان لهم التزام حقيقي بمطالبهم وإلا فلن تكون النتيجة إلا تخلصاً ذكيا من الشريعة، يجوز على الناس ولا يجوز على الله. وسيكون ذلك تراجعاً ليس عن الدستور الحالي فحسب، بل حتى عن دساتير 1972 و 1958 و 1956 التي نصت إما على الشريعة صراحة أو على مبادئ الإسلام في التشريع. تلك الدساتير التي وصفت بالعلمانية ظلماً أو جهلاً.
بعض أن عرضت لنماذج من الإخفاق المزمن عند المسلمين، أود أن أصف بعض إنجازات غير المسلمين في ذات المضمار. وسأورد ثلاث صور على سبيل المثال.
الصورة الأولى يرسمها التصريح الذي ورد في بعض الصحف السودانية قبل فترة وجيزة لأحد أعضاء وفد الحركة الشعبية للمفاوضات حينما قال بأنهم لا يقبلون تطبيق الشريعة لأنهم لن يسمحوا لأحد بأن يدخلهم الإسلام بالقوة. الزعم الذي يستنتج من التصريح هو أن الشريعة ترغم الناس على اعتناق الإسلام. وصاحب هذا الكلام اختصاصي في العرض المبتذل للإسلام لأنه، حسب روايته التي يكررها دائماً، أكره على الإسلام عندما كان يافعاً حتى اهتدى إلى تركه عندما أدرك الرشد والعقل وزالت عنه أسباب الإكراه. وهو صاحب موهبة في الرواية يضيف إلى قصته من الدراما ما يقنعك أنك أمام مسرحي موهوب أكثر منه راوي مأساة واقعية. ولو صحت روايته من أنه مسلم سابق لكان حرياً به أن يعلم أن من بدائه الإسلام أن الله تعالى، من حلمه، بعد إتمام نعمائه على عباده ترك لهم الخيار المطلق بين الإيمان والكفر فقال لهم "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". بل إنه تعالى نهى نبي الإسلام، محمداً صلى الله عليه وسلم عن تكلف ما لا يتكلف ليدخل الناس في الإسلام فقال له: "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً. أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين".
الصورة الثانية هي لزعيم الحركة شخصياً في إحدى لقطات الفيديو وهو يخاطب فئة من أتباعه الذاهلين قائلاً: "أنحن بنعرف الزول بيمشي الجامع، لكن في هل هناك حكومة بتمشي الجامع؟" والمعنى يرسم صورة شائهة لمفهوم الشمول في الدين الإسلامي الذي يرى أن الحياة كلها عبادة وأن عروة الحكم وعروة الصلاة وما بينها كلها من الدين. والمدهش أن ذات الشخص الذي يستنكر على المسلمين ذهاب حكومتهم إلى المسجد لا يستنكف أن يذهب ليتحالف مع اليمين الديني المتطرف في الولايات المتحدة. تلك الشرذمة المهووسة التي تملكت حكومة أكبر قوة في العالم ومضت توظفها لأهدافها المادية الخاصة التي لا علاقة لها بالمسيحية الحقيقية.
الصورة الثالثة لقيادي كبير في الحركة الشعبية أيضاً يخاطب اجتماعاً للعضوية في بعض أحراش الجنوب ويكيل السباب المباشر للإسلام وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم شخصياً مدعياً بأن الإسلام دين دموي، وأن النبي قتل حتى أهله في مكة. كأنه هو البريء عن قتل أهله وتشريدهم لمدة عشرين عاماً.
الصورة الأولى منشورة من خلال التصريح الذي ظهر في صحيفة الأيام السودانية وقد صدر للاستهلاك العام. أما الصورتان الأخريان فقصد بهما الاستهلاك الخاص لكنهما موثقتان ومتاحتان لمن أراد أن يطلع عليهما بالصوت والصورة.
إذا أغضى المسلمون عمّا في تلك الصور من السفه المتكرر والتشويه المتصل للإسلام مما ظلوا يعايشونه منذ الاستقلال من بعض الذين سيّسوا قضية المسيحية واستخدموها لأغراضهم، فإنهم لا يمكن أن يغضوا بعد اليوم عن المطالبة باحترام دينهم وحقوقهم إذا أريد لأي نوع من الشراكة أن تثمر وأن تدوم. وبالطبع هم لن يقبلوا بعد توقيع السلام أن يظل مثل هذا الابتذال في تصوير الإسلام أداة للابتزاز أو للاستنصار بالأجنبي.
إن السؤال الجدير بأن نستعرضه للتدقيق هو عن حقيقة المشكلة التي يتحدث عنها هؤلاء وعن نجاعة ما اختط لها من حلول. الحجة الرئيسة التي يستند عليها من يثيرون هذه القضايا مبنية على افتراض التناقض الصريح بين الإسلام والمسيحية في الهدي العام وقواعد السلوك. ولذلك فإنهم يرون في حق المسلمين الاهتداء بدينهم وشريعتهم المصادمة الحتمية مع حقوق المسيحيين. وليس هناك تزييف للحقيقة أبلغ من هذا.
إنهم، من باب التطفيف في الكيل، يغمطون المسلمين حقهم في إثبات رمزياتهم ومرجعياتهم العقدية والأخلاقية، بينما لا يرون عيباً في أن يطالب البابا بإثبات الهوية المسيحية في الدستور الأوربي الجديد، كما لم يروا عيباً من قبل في أن تكون الملكة الإنجليزية رئيسة للكنيسة الأنجليكانية في بلد يعج بالكاثوليك والمسلمين كما يعج بالأسكوتلنديين والإيرلنديين. ولم يروا عيباً كذلك أن يثبث الدستور النرويجي والآخر السويدي أنهما بلدان لوثريان وأن الملك أو الملكة فيهما يجب أن يكون لوثرياً، وليس كاثوليكياً أو أورثوذكسيا، وبالطبع ليس مسلماً.
لقد رأينا كيف أن السيد المسيح وفّق ما بين حق المسيحي في التعبد على عقيدته ومنهجه وبين طاعة الحاكم ولو كان وثنياً مشركا ما ضمن له الحاكم ذلك الحق. إذا صحّ هذا الموقف المسيحيّ تجاه الحاكم الوثني المشرك فلماذا يتخوف المسيحي من الحاكم المسلم وهو يعلم أن الأيمان بالمسيح ورسالته شرط من شروط الإسلام. "قولوا آمنا بالله، وما أنزل إلينا، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النبيون من ربهم، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون". إن المسيحية والإسلام يتفقان في الهدى العام، ينكران ذات المنكرات ويعرفان ذات المعروفات. ما علمنا إلا أن المسيحية، كالإسلام، تدعو إلى الخير والمحبة والتسامح، وتنهى عن الظلم والعدوان والبغضاء" تأمر بالإحسان إلي الضعيف وإلي الجار وإلي المسكين وتنهى عن السرقة والزنا والفسوق. فلماذا يراد الإقرار بتناقض حتمي وضروري بين المسيحية والإسلام.
إذا قيل إن هناك تبايناً في قواعد السلوك فهذا أمر نعلم أنه محدود تمكن معالجته. نعلم أن المسيحيين المعاصرين يؤمنون بحل الخمر. والشريعة لا تمنعهم ذلك ولا تنكره، بل تعده حقاً مشروعاً لهم فلا تمنعهم شربها وتملكها وتداولها. لكنها تمنع المسلم، فرداً كان أم صاحب سلطان، من أن يهدرها. وإذا فعل أوجبت عليه التعويض. وإذا قيل إن الممارسة الراهنة لا تراعي ذلك فهذا أمر يمكن التحقق منه ومعالجته. فيما سوى ذلك لا نعتقد أن المسيحيين الحقيقيين يريدون أن يربطوا قضيتهم بأن يبدوا مطالبين بحرية الدعارة أو السرقة أو عامة وجوه الإفساد في الأرض.
الآن وعلى كل الخلفية السابقة فلندقق في ما شمله فعلا اتفاق مشاكوس من المساواة والضمانات والحقوق الدينية. لقد ضمن اتفاق مشاكوس ما يلي:
أولاً: إقامة نظام حكم ديموقراطي يراعي المساواة الثقافية والعرقية والدينية واللغوية والنوعية بين السودانيين
ثانياً: أثبت في باب الحقوق الدينية:
- الإقرار بأن السودان بلد متعدد الثقافة والأعراق والأديان واللغات.
- حرية العقيدة والضمير والعبادة لصاحب أي دين أو عقيدة وان لا يميز ضده على أساس عقيدته.
- اعتبار الأهلية للمناصب العامة، بما في ذلك رئاسة الدولة، والتمتع بكل الحقوق والواجبات مؤسسةً على المواطنة وليس على الدين أو الاعتقاد أو الأعراف.
- أن الأحوال الشخصية والأسرية تكون محكومة بالقوانين الشخصية النابعة من عقيدة المعنيين بذلك.
- إضافة إلى المذكور أعلاه، احترام الحقوق الدينية التالية:
- العبادة والتجمع وإنشاء المرافق لذلك.
- إنشاء المؤسسات الطوعية الخيرية.
- صناعة الأشياء الضرورية للتعبد وتملكها.
- كتابة المطبوعات الدينية وتوزيعها.
- التعليم الديني في الأماكن المناسبة.
- تلقي المعونات المالية من المؤسسات والأفراد.
- تدريب القياديين وفق المقاييس المعتمدة والاحتياجات.
- احترام أيام الراحة والعبادة والأعياد الدينية.
- إقامة الاتصالات بين المجموعات والأفراد في المسائل الدينية على المستويين الوطني والعالمي.
- منع التمييز على مستوى الحكومة القومية أو الولايات أو المؤسسات ضد الأفراد أو المجموعات على أساس ديني
ثالثاً: التشريع في الولايات الجنوبية مصدره الإجماع الشعبي، وقيم وأعراف السودانيين بما في ذلك معتقداتهم الدينية.
رابعاً: التشريع خارج الولايات الجنوبية مصدره الشريعة والإجماع.
خامساً: في حالة أي تشريع وطني قائم أو سيصدر ويكون مصدره التشريعي الدين أو العرف، يحق للولاية أو الإقليم الذي يكون غالبية سكانه من غير أتباع ذلك الدين أو العرف إما إنشاء تشريع يوفر مؤسسات أو ممارسات تتوافق مع الدين أو العرف السائد لديهم" أو إحالة التشريع إلى مجلس الولايات ليجيز بأغلبية ثلثي الأعضاء تشريعاً قومياً يوفر مؤسسات مناسبة بديلة
سادساً: تنشأ لتطبيق ذلك كله حكومة ذات قاعدة عريضة، وتقوم انتخابات عامة مراقبة بواسطة هيئة مستقلة، وتنشأ لجنة لمراجعة الدستور ولتضمين تلك المبادئ فيه، كما تنشأ لجنة من الطرفين ومن جهات دولية لتقويم تطبيق الاتفاقية، ويكون للاتفاقية قسم خاص بالضمانات الدولية التي يتفق عليها.
سابعاً: بعد كل هذا، إذا لم يقتنع الجنوبيون وفضلوا أن ينفصلوا بإقليمهم فلهم أن يفعلوا ذلك من خلال استفتاء عام بعد مضي ست سنوات ونصف السنة من توقيع الاتفاقية.
هذه الحريات والتدابير والضمانات التي تساوي بين السودانيين وتضع أسساً لمفهوم القومية على قاعدة التعاهد الاجتماعي، لا تتعارض مع الشريعة لأن الشريعة هنا لا تختصم من حق أحد من غير المسلمين. وهي تسري في أنحاء البلاد كافة. في الشمال والجنوب، للمسلمين وللمسيحيين، في الخرطوم وكسلا والرنك وجوبا ولا تجتزئ مفهوم القومية وتحصره في مدينة واحدة. على هذه الخلفية فلينظر المراقب المنصف إلى الدعوى العريضة التي أطلقتها إعلانات الخرطوم ولندن، والآن الخرطوم كذلك، برفع الشريعة عن الخرطوم استثناءً، تلك المدينة التي تقع خارج الجنوب كما أوضح اتفاق مشاكوس والتي يسكنها ما لا يقل عن 80 في المئة من المسلمين. وفي ضوء تلك النصوص الواضحة عن الحقوق والضمانات فليوضح أصحاب هذه الضجة ما هو المطلوب في الخرطوم خاصة مما ليس مطلوباً في غيرها. بدون إجابة مقنعة فإن الأمر لن يعدو احتمالات ثلاثة، سوء فهم، أو سوء قصد ومراوغة عن الالتزام بالاتفاق وتبعاته، أو رغبة مريضة في إذلال المسلمين.أما سوء الفهم فمقدور عليه. وأما سوء القصد فعاقبته على صاحبه، وأما الإذلال فلن يكون.
ولكي يطمئن الناس بشتى طوائفهم وأديانهم، أود إن أؤكد أن المفهوم الذي تلتزم به الحكومة هو إنها تفاوض عن السودانيين كافة، المسلم والمسيحي، والبر والفاجر. وأن الاتفاق النهائي ينبغي أن يحقق العدل والمساواة والحرية لجميع السودانيين، لأن في هذا الخلاص الحقيقي. وبالنسبة لشخصي، باعتباري مشرفاً على التفاوض، فهذا هو أيضاً موقفي والتزامي الذي لن أحيد عنه. ولا أرى سبيلاً لأن يرغمني أحد على توقيع اتفاق لا يمثل التزام حكومتي وقناعتي الشخصية، لكننا في كل الحالات لن نوقف السعي أبداً نحو السلام بكل الوسائل المشروعة. وغداً عندما تتوقف الحرب، وترتفع حالة الاستثناء، وتنعم كل جماعة بحريتها، ويشرئب كل سوداني ويستطيل عنقه تطلعاً إلى آفاق العزة، ستتاح فرصة نادرة للسياسة السودانية كي تنفلت من دوامة الإخفاق العبقري . فلنعمل سوياً من أجل تلك الغاية التي تسعنا جميعاً والتي سنربحها معاً يوم أن يحل السلام.
* مستشار الرئيس السوداني لشؤون السلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.