أكّد المشاركون في مؤتمر حول جراحة الأورام استضافته مدينة الإسكندرية أخيراً، أهمية إجراء بحوث متعمّقة تتناول مسببات الأورام الخبيثة عند البشر وآليات تسرطّن الخلايا، خصوصاً في المنطقة العربية التي ارتفعت فيها معدلات الإصابة بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة. ولفتوا إلى ضرورة وضع استراتيجيات علمية حازمة للوقاية من السرطان ومكافحته، عَبر رفع الوعي صحياً وبيئياً، إضافة إلى تغيير أنماط العيش الخاطئة في الغذاء. استمرت أعمال هذا المؤتمر 3 أيام. وأشرفت عليه «الجمعية المصرية للأورام»، بالتعاون مع «جمعية جراحة الأورام الأميركية» و «الجمعية الأوروبية لجراحة الأورام»، و «المدرسة العربية الأوروبية للأورام». ونادى المشاركون فيه بضرورة نسج شراكات بين الهيئات البحثية العربية والمنظمات العلمية الدولية، لتعزيز الجهود الرامية إلى التعرف الى الأورام السرطانية كافة، وضمنها الأنواع النادرة، عّبر دراسات متعمقة نظرياً وإكلينيكياً. في هذا السياق، ناقش المؤتمِرون مجموعتين من الأورام النادرة، مشيرين إلى طبيعتها الخاصة سواء في أصل الورم أو طرق انتشاره أو سُبِل تشخيصه وعلاجه. ويندرج تحت هذا النوع سرطانات تُعرف باسم «الأورام العصبية الغددية» Neuroendocrine Tumors. وتفرز هذه الأورام هرمونات متنوّعة يؤثر بعضها على الأعصاب. في هذا الصدّد، أوضح الدكتور وحيد يسري جرير، رئيس «الجمعية المصرية للأورام» أن خطورة هذه الأورام تكمن في صعوبة تشخيصها. إذ يتطلب الأمر إجراء دراسات مناعية وجينية لمعرفة أساس هذه الأورام في الخلية، مع العلم أنها قد تظهر كورم حميد أو سرطاني أو ما بين هذين النوعين، كما قد تُشكّل ورماً ساكناً أو قابلاً للانتشار، إضافة إلى قابليتها للتحوّر والتغيّر كل فترة. وتظهر هذه الأورام نتيجة لهجرة عدد من خلايا الجهاز العصبي إلى أماكن لا تسكنها تلك الخلايا طبيعياً، كأن تستقر في الجهاز الهضمي أو التنفسي أو غيرهما. وبأثر من هذه الهجرة غير الطبيعية، تصبح الخلايا غير مستقرة، فتبدأ بالتحوّر لتصبح أوراماً سرطانية فتّاكة. ووفق جرير، تتميز هذه الأورام بامتلاكها مجموعتين من الأعراض. تأتي أولاهما من تعاملها مع مكان وجودها غير الطبيعي، وتنجم الاخرى من الإفرازات الهرمونية لهذه الخلايا التي جاءت من غدد الجسم. ويعتبر النوع الثاني من الأعراض سبيلاً أول لتشخيصها. وفي السياق ذاته، شدّد الدكتور جمال عميرة أستاذ جراحة السرطان في «المعهد القومي للأورام»، على أهمية توعية الأطباء بالأماكن المحتمل وجود مثل هذه الأورام فيها داخل الجسم. وتشمل قائمة هذه الأماكن القصبات الهوائية وإمتدادات الرئة وأجزاء من الجهاز الهضمي وغيرها. وأوضح أن الطبيب يمكنه التعرّف اليها بفضل أعراض تحدث من الإفرازات الهرمونية لهذه الأورام، مثل الإسهال المزمن والتهاب الجهاز التنفسي، والنزيف من فتحة الشرج، وقرحة المعدة، وانسداد الأمعاء وغيرها. وبيّن عميرة أن أحد تلك الأورام يظهر بنسبة واحد في المليون في الجهاز الهضمي، مترافقاً مع أعراض لها علاقة مع واقع أن هذا الورم يفرز هرموناً يؤدي إلى زيادة إفراز حمض المعدة، ما يؤدى إلى حدوث قرحة وإسهال شديد، إضافة الى فقدان الوزن في شكل ملحوظ. وقال مستذكراً «هناك مريض أُجريت له عملية نتيجة إنفجار قرحة في معدته. ولم ينتبه الطبيب إلى أن القرحة جاءت أصلاً من ورم سرطاني هرموني. وأقفل القرحة. بعد زمن يسير، عادت الأعراض للمريض من جديد. وعاد الى دوامة التحاليل وصور الأشعة العادية والرنين المغناطيسي. وبعدها، اكتُشِف وجود ورم بطول 4 سنتيمتراً في منطقة المعدة. وبعد استئصال الورم، انتهت الأعراض تماماً». ويُرجع الدكتور عبدالرحيم الباقوري رئيس قسم الجراحة في كلية الطب في جامعة الإسكندرية، انتشار هذه الأورام إلى سوء استخدام بعض الأدوية التي تُصنع من دون رقابة، فتحتوي على مواد مُسرطِنة. وينطبق الأمر عينه على المواد المخصّبة للنبات والهرمونات التي تستخدم في زراعة الخضار والفاكهة، والفورمالين الذي يوضع كمادة حافظة في بعض أنواع الحليب (اللبن) والزبادي، والمواد الحافظة في الأسماك وغيرها. وشدّد على سبب اعتبره فائق الخطورة، يتمثّل في تراكم مواد عبر مدّة زمنية متطاولة، مثل مادة ال «أفلاتوكسين» التي تُلوّث الذرة الفول السوداني وزبدته. ويندرج في السياق عينه، مادة «سولافون» التي تلوّث الحبوب والبقول (فول، عدس، فاصوليا، ترمس...)، إذا جرى تخزينها بشكل سيء في المنازل والصوامع. وخصّص المؤتمر جلسات لمناقشة الطفرة التكنولوجية في البيولوجيا، وثورة استخدام الانسان الآلي في جراحات الأورام. وتحدث الدكتور عصام السهوي أستاذ الجراحة في جامعة الإسكندرية عن خلايا المنشأ وفعالياتها في علاج أنواع من سرطانات الدم (لوكيميا)، لأنها تتكامل مع العلاج بالأشعة والأدوية الكيماوية. وأوضح أن خلايا المنشأ تعطى نتائج مبهرة عند استخدامها في علاج تليّف الكبد. وأشار إلى تطوّر علمي بارز تمثّل في حقن كبد متليّف بخلايا منشأ، لإمداده بخلايا سليمة. وجرت هذه العملية للمرة الأولى في مختبر هابر سميث. ووجد أن الخلايا المتليفة تنتعش وتتكون مرة أخرى. وأكّد السهوي أن المستقبل هو لخلايا المنشأ بالنسبة لعلاج كثير من الأمراض مثل هبوط القلب وكسور العظام وانسداد الأوعية الدموية والسكري المعتمد على الإنسولين. صاحب المؤتمر برامج توعية للجمهور وللمرضى، تناولت التوعية بأساليب مبسطة لكيفية التعرف الى الأورام السرطانية الأكثر انتشاراً مثل أورام الثدي والبروستات والقولون. إذ يفيد الكشف المبكر في رفع نسب الشفاء من هذه الأورام الخبيثة.