نظمت الجمعية السعودية للثقافة والفنون، بالتعاون مع "بيت الفوتوغرافيين السعودي"، معرضاً ضخماً في قصر الاونسكو في بيروت، تضمن إنتاج 44 فناناً محترفاً في مجال التصوير. يفتح المعرض الأفق أمام أهمية هذا الثراء البصري الذي أضحى جزءاً من فنون العصر لا سيما مع رواج تقنيات الصورة الرقمية والمعالجات التشكيلية للمسطحات والألوان، فضلاً عن العدسات المتطورة التي تلتقط أدق التفاصيل وأرق المشاعر وأغلى الذكريات. يشمل المعرض موضوعات كثيرة، وتسوده أنواع من التوجهات ومستويات من المخاطبة الجمالية للمرئيات. وتكاد تغيب اللقطات الصحافية للواقع السياسي العربي، قياساً لوفرة الموضوعات التي تتناول الجوانب الاجتماعية أو الحياتية التقليدية أو الترفيهية أو الفولكلورية. من هنا تتفرد بعض اللقطات الصحافية الذكية المقطوفة من واقع معاناة الشعب الفلسطيني، كصورة أطفال الحجارة لعيسى صالح عنقاوي. وعلى ضفاف الموضوع نفسه تتميز لغة الأسود والأبيض في صور نشوه عادل آل غالب، التي سلطت الضوء على الجرح الأليم الذي يختصره وجه طفل فلسطيني بنظرته الحزينة وهو يعتمر الحطة. هذه الحطة التي تحولت رمزاً لقضية وطن عائم على مستنقع آلامه ومصيره القاتم. أما التراث فهو دائماً على مرمى البصر. واليه تأخذنا صور كثيرة تندرج في هذا الموضوع. تأخذنا إلى الأمكنة القصية والمثيرة للدهشة. وتعرج بنا في معابر نورانية بين الوهاد والجبال والرمال الصحراوية. وتحط بنا في مناظر الرعاة في الخلاء الكبير للصحراء القائظة. كأن اقتفاء الأثر يقود تدريجاً الى مدن تاريخية قديمة، كمدائن صالح المنحوتة في الصخور، أو إلى هدوء الحياة المتقشفة والابتسامة الصباحية المشرقة المرتسمة على واجهات البيوت في منطقة الدرعية. تلك المنطقة الجميلة التي نقلتها كاميرا عتاب آل الشيخ في صورها، فعكست جمال الشرفات ذات الأسوار البيض. وضمن الشواهد المدينية الكثيرة، ثمة صورة التقطتها كاميرا أريج أحمد زهران داخل حارة قديمة وقد تعرشت على جدرانها الاشجار، وصورة باب خشبي قديم بعدسة عبدالرحمن الحسني وصورة لعوارض حائط من البيوت التراثية لعصام عبدالله الحدق. واستوقفت القلعة البدائية ذات الحجارة المستوفة رانيه عبدالرازق، وقطار الحجاز القديم مروان الجهني في تصويره محطة من محطات التاريخ. هؤلاء المصورون جابوا الأمكنة بحثاً عن إلهامات مستمدة من التراث والبيئة الطبيعية بخاماتها وألوانها وغرابة تكاوينها، كالصخور العاتية التي صورها صالح محمد خوج وعيون التجاويف التي صنعتها الرياح على وجه الصخور البحرية في لقطة لزين العابدين محمد سليمان. البيئة المتقشفة ذات فتنة، في هندستها ونسق تكوينها، كما تظهر في صور خالد إبراهيم الصوينع، وهو لفتته البيوت الطينية ذات الفتحات العلوية المثلثة. ونكتشف أن لدى المصورين عيناً تشكيلية، تعرف كيف تحصر عناصرها ضمن الإطار الطبيعي للرؤية، من شكل أو بقعة لون او خط. وللسرعة القياسية في التقاط الحركة قبل زوالها، حضورها البارز في صورة التقطتها الأميرة موضي فهد عبدالله، لرجل يرتدي المعطف ورأسه بين كتفيه، اتقاء لبرد الشتاء القارس، في أحد شوارع باريس. انتقالاً إلى مشهد الرجال المعتمرين العمائم البيض في صورة الأميرة ريم محمد الفيصل. ثمة صور كثيرة تندرج ضمن موضوع البورتريه تتركز على وجوه بدوية أو طفولية، إلى جانب أنواع أخرى من اللقطات لمشاهد سياحية أو شاعرية، للأماكن المقدسة، ولقطات بعدسات مكبرة لعالم النبات والحيوان، مقطوفة من الجنائن أومن عالم البحار. اللافت أيضا الموضوعات التجريدية التي تغيب عنها الأشكال ليتركز الوضوح العياني على رقعة ضيقة من الموضوع، كمتواليات أحمد مسعود المولد، وقد أضحى التجريد أسلوبه في إظهار اللقطة فنية وكذلك المناظر التجريدية في أعمال حمدي محيلبة وعادل ساوريس. وتظهر أيضاً في مدارس التصوير، اتجاهات اختزالية تنتمي إلى فن المينمال، كأعمال محمود بن زقر، وهو سعى إلى معالجة عنصر واحد بسيط وهامشي أحيانا بشيء من الأناقة. في حين وضعت سيرين غزاوي، عناصرها البسيطة، في سعيها إلى لقطة فنية تبعث على الإيهام. أما أسلوب الشريفة نها آل غالب، فهو يعتمد إمكانات التقنيات المحدثة في طريقة التحضير للشريحة الضوئية وما ينجم عنها، من نتائج بصرية جديدة، سواء في طريقة نقلها للصورة على المسطح التصويري، أو في إدخال الألوان المائية عليها. هذه التقنيات المحدثة تعكس مدى اندماج فن الصورة بمعطيات الفن التشكيلي في الرؤية المعاصرة. وأكد المعرض الدولي الثاني ل"بيت الفوتوغرافيين السعوديين" على أهمية التطور الذي يشهده فن التصوير في المملكة العربية السعودية. فالمواهب متعددة وغنية، والميول والاتجاهات متنوعة. كما أن مشاركة المرأة السعودية قوية وفاعلة في هذا النطاق، وهي مشاركة جديرة بالاهتمام. وسجل هذا المعرض عودة إلى شاعرية لغة الأسود والأبيض، وما لها من حنين. ويتمثل ذلك في التناغم الخفي لعلاقات الظلال بالأنوار، لا سيما حين تتغلغل الكاميرا إلى قلب الأمكنة المغلقة على صمتها، حيث ما من سحر يعادل التحكم باللقطة عند هبوط شعاع من الضوء لينير جوانب قبة متوجة بالزخارف. أمام هذه الإثارات البصرية يطغى الدافع التلقائي للعين على المعرفة التقنية. وأفضل الصور هي تلك التي استبدلت التقنية الحِرفية بارتجالية النزوات العابرة.