جميلة هي الهدية، اياً يكن محتواها، تحمل بعضاً من الفرح. عندما تختار هدية تخاف ألا تعجب متلقيها. ولكن هل لأحد ان يتصور ان يكون تلقي الهدية مصدر ازعاج وقلق بالنسبة الى البعض؟ يعتقد هؤلاء ان العطاء لا يمكن ان يكون مجانياً وثمنه - المعنوي - مرتفع جداً. فخوفهم من الخضوع لابتزاز عاطفي يحرمهم لذة تلقي الهدايا. يمثل ردّ الفعل على تلقي الهدية علاقة الإنسان بالآخر، فهي تعبّر عن الطريقة التي استقبل بها الأهل طفلهم عند الولادة. يشرح الطب النفسي ان هذه العقدة تعود الى لحظات الولادة الأولى. فعند الولادة يكون الإنسان بمثابة هدية يحسن الأهل استقبالها او لا. فالنظرة التي يلقيها البالغ على الوليد، ونبرة الصوت التي يحدثه بها، والوجه الذي ينحني نحوه، والذراعان اللتان تغمرانه كلها دلائل فرح ورغبة او خيبة امل ورفض امام هذه الهدية. كل هذه الأحاسيس يتلقفها الوليد جسدياً وتترك فيه آثاراً لا تمحى. الحواس تحفظها، والذاكرة كذلك، وهذه الأخيرة تعمل، طوال العمر، مثل كومبيوتر مبرمج. فمذذاك كل هبة، وكل هدية، مهمة كانت او عابرة، ستُقرأ وتُفسر بحسب هذا الانطباع الأولي ويكون رد الفعل على الهدايا شبيه بالطريقة التي استقبل بها الطفل ساعة الولادة. هذا رأي الطب. ولكن كيف يقرأ الأشخاص المعنيون طريقة تلقيهم الهدايا؟ يقول بيتر 48 سنة، أستاذ لغات انه يخاف "الابتزاز العاطفي". ويضيف: "يتعذر علي قبول هدية - خصوصاً إذا قدمها لي شخص عزيز على قلبي - من دون ان اشعر بشيء من الانزعاج. قدمت لي صديقتي قبل مدة، ديوان شعر. شعرت بالارتباك... وهو شعور اقوى مني، تأثرت بعربون الحب هذا، من جهة، لكن انفعالي يخمده الخوف من ان اجد نفسي اسير ابتزاز عاطفي، فأنا أجد في الهدية تهديداً لاستقلالي حتى عندما يقدّم الشخص الهدية بطريقة عفوية وبنية سليمة. وبدلاً من ان افرح، أشعر بالقلق. أما ياسمينا 27 عاماً، مزيّنة فتقول: "كلما كانت للهدية قيمة، معنوية كانت ام مادية، شعرت بخوف متزايد. أول سؤال اطرحه على نفسي: بِمَ انا مدينة للآخر؟ فالخوف من ألا أبادل الهدية بأخرى بالقيمة نفسها يمنعني من الشعور بالفرح عند استلامها. قبل بضعة ايام أهدتني صديقتي تنورة رائعة احببتها كثيراً، لم أستطع ان أقوّم جمال القطعة ولباقة التصرف من دون ان أشعر، في الوقت نفسه، بأنني مدينة لها. اخشى ان تستاء مني صديقتي إذا قدمت إليها هدية دون مستوى هديتها. من جهة اخرى، لا ينتابني اي شعور بالقلق عندما أقدم شيئاً الى أحد، لأنني لا أنتظر شيئاً في المقابل". كذلك الحال مع فرانسواز 41 عاماً، سكرتيرة تحرير، فهي تخشى رد فعلها عند تلقي الهدية، وتقول: "أحب ان أتلقى الهدايا، لكنني أحتار في التعبير عن مشاعري اثناء اكتشافها، ما يولّد سوء تفاهم. اما اذا لم تعجبني الهدية فأخاف ان يُقرأ شعوري على وجهي! لم أفهم مثلاً لماذا لا أقرأ الكتب التي أتلقاها كهدية، فبعضها موجود عندي منذ اعوام. وهذا الأمر مربك لأنني اعجز عن التعليق على محتواها لمن أهدوني اياها. علماً انني كنت قرأتها لو اشتريتها بنفسي". مهما اختلفت ردود الفعل على الهدية هناك علاقة وثيقة بين فعلي التلقي والعطاء. إذا لم يعرف احد الوالدين ان يعطي لأنه أنجب للذته الخاصة، سيحرم طفله طوال العمر فرحة التلقي. وتجدر الإشارة الى ان الهدية يمكن ان تأخذ أشكالاً مختلفة. فهي ليست بالضرورة شيئاً محسوساً. قد تكون كلمة صادقة وحنونة، او بسمة تشرق على الآخر وتعترف بوجوده وحقيقته.