يوماً بعد يوم تكبر فضيحة "عراق غيت" واستخدام الحكومتين الأميركية والبريطانية وثائق مزورة عن أسلحة الدمار الشامل العراقية لتبرير حربهما. وبلغت للمرة الأولى حد المطالبة باستقالة نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، فيما طالبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الحكومة البريطانية بالسماح لمفتشيها بالتحقق من أدلتها على أن العراق حاول شراء اليورانيوم من افريقيا لصنع أسلحة نووية. ذكرت صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية أمس ان عدداً من الضباط والمسؤولين في الاستخبارات طالبوا تشيني "صقر الصقور" في الادارة الاميركية بالاستقالة، واتهموه باستخدام أدلة مزيفة لاقناع العالم بامتلاك العراق أسلحة نووية واستخدام منصبه للتأكد من تضمين هذه المعلومات في خطاب "حال الاتحاد" الذي ألقاه الرئيس جورج بوش في كانون الأول ديسمبر الماضي، على رغم شكوك رئيس وكالة الاستخبارات المركزية سي آي اي جورج تينيت في صحتها. واضافت الصحيفة أن مجموعة من المسؤولين والضباط في سي آي اي اتهموا تشيني في خطاب مفتوح وجهوه الى بوش بأنه تعمد تضليل الكونغرس لكي يمنح بوش التفويض بشن حرب على العراق. وتردد صدى هذه الاتهامات على الجانب الشرقي من الاطلسي، حيث اتهم نواب في مجلس العموم البريطاني البرلمان وزير الخارجية جاك سترو بالافتقار الى الصدقية عقب اعترافه بأنه كان على علم قبل شهر من الحرب بأن الوثائق التي وردت في ملف أدلة الحرب على العراق كانت مزورة، وأن موقف الحكومة البريطانية من هذه الحرب لم يكن يستند الى تقارير الاستخبارات، ولكن الى أدلة اخرى حصل عليها من طرف ثالث وهي ادلة لم تطلع عليها لا الولاياتالمتحدة ولا الاممالمتحدة. وقالت ميليسا فليمنغ الناطقة باسم الوكالة الدولية للطاقة الذرية "اذا كانت هناك اي ادلة اخرى فمن المناسب ان تحصل عليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكي نتحقق من صحتها". واضافت انه "لا يزال لدى الوكالة التفويض لضمان ان العراق ليس لديه برنامج نووي وعلى الدول أن تساعدنا وتقدم لنا المعلومات". وتساءل النائب تام داليل رئيس البرلمان عن سبب امتناع سترو عن إطلاع النواب على هذه الحقيقة قبيل التصويت على تأييد قرار الحكومة بشن الحرب على العراق، وقال إذا لم يكن الموقف البريطاني مستنداً إلى تقارير الاستخبارات كما اعترف سترو، فإلى أي شيء استندت الحكومة في قرارها الذهاب إلى الحرب! وثائق مزورة ونشرت صحيفة "لا ريبوبليكا" الايطالية وسط - يسار أمس نسخا عن الوثائق المحرفة المتعلقة بالمحاولات العراقية المزعومة لشراء يورانيوم من النيجر، وهي عبارة عن رسالة بالتيليكس من السفارة النيجيرية في روما ورسالتين وبروتوكول اتفاق بين النيجروالعراق لشراء يورانيوم. وتبدو الوثائق التي نشرت من دون تحديد مصدرها والمكتوبة بالفرنسية محرفة بشكل واضح، واكدت الصحيفة ان رسالة عراقية موجهة الى رئيس النيجر وعليها توقيع الرئيس العراقي صدام حسين نفسه تتضمن ذكر "تقديم 500 طن من اليورانيوم سنويا" وهي كمية كبرى كانت تثير شبهات. والرسالة الثانية الموجهة الى الرئيس النيجيري التي تحمل تاريخ 30 تموز يوليو 1999 تشير الى اتفاق في 29 حزيران يونيو 2000، اي بعد سنة، وبروتوكول الاتفاق الذي يحمل تاريخ 10 تشرين الاول أكتوبر 2000 وقعه وزير خارجية نيجيري تخلى عن مهامه في 1989 اي قبل 11 عاما. ونفت الحكومة الايطالية الاحد معلومات صحافية اشارت الى ان اجهزة استخباراتها قد تكون قدمت لواشنطن ولندن وثائق تؤكد ان العراق كان يسعى لشراء يورانيوم من النيجر. لكن "لا ريبوبليكا" اشارت الى الفرضية القائلة ان اجهزة الاستخبارات الايطالية قد تكون تفاوضت حول شراء هذه الوثائق لحساب اجهزة الاستخبارات البريطانية. وفتح القضاء الايطالي تحقيقا في هذه القضية. وفي الجلسة الأخيرة للبرلمان البريطاني أمس قبل بدء العطلة الصيفية اتهم ايان دنكان سميث زعيم حزب المحافظين البريطاني المعارض رئيس الوزراء توني بلير بخلق "ثقافة الخداع" في سياسة الحكومة. وطالب تشارلز كندي، زعيم الحزب الليبرالي الديموقراطي باجراء تحقيق مستقل مرة ثانية في ملف أسلحة الدمار الشامل العراقية. ووجه زعماء المعارضة الى المسؤول عن الملف ألاستير كامبل كلمات لاذعة اتهموه فيها بالخداع وقالوا انه لن يصدقه احد بعد اليوم. ودعا المحافظون الى تحقيق قضائي شامل في المعلومات التى قدمتها أجهزة الاستخبارات البريطانية عن أسلحة العراق المزعومة. وحدث ذلك فيما يستعد أعضاء اللجنة البرلمانية للشؤون الخارجية في المجلس لاعادة مساءلة مراسل هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي الصحافي اندرو غيليغان الذي قال ان الحكومة البريطانية زوّرت محتويات ملف المعلومات الاستخباراتية لتبرير الحرب على العراق. وكانت مساءلة غيليغان في جلسة عامة، لكنه وافق الآن على المثول امام اللجنة مرة اخرى في جلسة خاصة. وتجري هذه المساءلة بعدما سمت الحكومة النائب البرلماني ديفيد كيلي كمصدر المعلومات الذي استند اليه غيليغان في تقريره الصحافي، الا ان كيلي نفى انه المصدر الاساسي لمعلومات تقرير "بي بي سي". وفي واشنطن عبّر كبار المشرعين في لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الاميركي عن ثقتهم في تينيت، لكنهم قالوا ان نقص المتحدثين بالعربية والمحققين يعوق عملية جمع المعلومات حول أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة. ومثل تينيت أمس أمام اللجنة في جلسة مغلقة تحقق في الموضوع. وكان تينيت تحمل مسؤولية زعم الرئيس بوش غير المدعوم بالادلة في خطاب حال الاتحاد ان العراق كان يسعى الى الحصول على يورانيوم من افريقيا. واشار البيت الابيض باصبع الاتهام في البداية الى وكالة الاستخبارات، لكن بيان تينيت دفعه الى اعلان ثقته به. وقال السناتور الديموقراطي كارل ليفين، وهو عضو في لجنة الاستخبارات، انه "أمر جيد ان تقر "سي آي اي" بدورها في الرضوخ لضغوط مجلس الامن القومي في امر لم تكن مقتنعة به". واضاف: "لكن إقرار المدير تينيت يثير تساؤلات اخرى حول هوية من كانوا يدفعون باتجاه التأثير الخاطئ في مجلس الامن القومي. ان مجلس الامن القومي لا يجوز له اساءة استخدام الاستخبارات على هذا النحو". المفتشون في حاجة إلى 6 شهور وفي خضم الجدل حول الأسلحة العراقية، قال رئيس الفريق الأميركي المكلف العثور على أسلحة الدمار الشامل في العراق ديفيد كاي انه يتوقع ان تكون لديه في غضون ستة اشهر ادلة كافية لانجاز مهمته. واضاف في مقابلة مع شبكة تلفزيون "ان بي سي" الاميركية من بغداد، ان القوات الاميركية جمعت قدراً هائلاً من الوثائق التي ستثبت عند الانتهاء من تحليلها بالكامل ان الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين كان لديه اسلحة دمار شامل. وقال كاي كبير مفتشي الاممالمتحدة السابق للاسلحة النووية: "لا يمكنكم ان تصدقوا عدد الصناديق التي تحتوي على الوثائق والمعدات المخزنة في مساكن خاصة". واضاف: "رأيت بالفعل ما يكفى لاقناعي بذلك لكن هذا ليس هو القاعدة المتبعة. يجب ان يكون لدي ادلة كافية لاقناع الجميع بذلك". وسئل كاي عن الفترة التي سيستغرقها لتقديم حجة مقنعة فقال "سيكون لدينا قدر مهم من الادلة قبل ستة اشهر". وكشف كاي ان الوثائق تظهر ان عمالا حصلوا على مكافآت مالية من صدام بعدما ابلغوه عن تحقيق انفراجات في مساعي تطوير اسلحة الدمار الشامل.