أثار برنامج مهرجان قرطاج الدولي في دورته ال 48 الذي خصّص 6 سهرات فقط للفن التونسي، سيلاً من التساؤلات والجدالات التي لن تنتهي قبل سهرة الختام. وفي هذا السياق، قررت نقابة المطربين التونسيين الانسحاب من عرض افتتاح أهم تظاهرة فنيّة صيفية، كما طلبت من المطرب صابر الرباعي الانسحاب تسجيلاً لموقف مما اعتبره كثيرون تهميشاً وإقصاءً للمطرب التونسي. ورداً على البرمجة التي وضعتها وزارة الثقافة للمهرجان، أصدرت نقابة المهن الموسيقية بياناً انتقدت فيه فشل إدارة المهرجان وتراجع الوزارة عن الاتفاق المتعلق بالاستعانة بفنانين تونسيين بصفة استشارية، معتبرة أنها بذلك لم تحترم المبدع التونسي ولم توله المكانة التي يستحقها. ورأت أن برمجة دورة هذا العام، لا ترتقي إلى تطلعات شعب لا بد من مصالحته مع ثقافته، واحترام ذكائه في نوعية العروض التي تدفع فيها العملة الصعبة من المال العام». لذلك قررت النقابة التونسية للمهن الموسيقية، مقاطعة جميع الفنانين التونسيين المبدئية لكل عروض المهرجانات الصيفية المبرمجة لعام 2012. وكان وزير الثقافة التونسي مهدي مبروك تحدث عن شحّ في الإنتاج وغلاء في كلفة الأعمال التونسية المقترحة لدورة هذا العام، علماً أن اللجنة رفضت عدداً كبيراً من المشاريع. كما وصف الوزير الفنان التونسي ب «المواطن الكسول» كونه لا يجتهد ولا ينتج ويطلب أحقية الحضور، الأمر الذي أثار حفيظة الفنانين التونسيين الذين لن يكون لهم أي حضور في أضخم تظاهرة فنية تشهدها البلاد. فقد اكتفت برمجة المهرجان بسهرة لصابر الرباعي، فضلاً عن سهرة الافتتاح التي اختارت لها النقابة عنوان «استفتاح» قبل أن تقرر مقاطعتها، إلى جانب سهرة الاحتفاء بعيد الجمهورية في 25 تموز (يوليو) المقبل، والتي كان من المفترض أن تجمع عدداً كبيراً من الفنانين. ويدافع وزير الثقافة مهدي مبروك بشدّة عن اللجنة التي نظرت في الملفات المقدمة، معتبراً أن «ما جاء في تقرير لجنة الانتقاء يؤكد معاناة الساحة الفنية التونسية شحّاً في الإنتاج الجديد، فضلاً عن مبالغة في الشروط المالية. وأضاف: «على رغم ذلك فإن هذه الدورة ستشهد مشاركة 54 فناناً تونسياً في سهرات جماعية». صفوف موحّدة وصرح الكاتب العام المساعد لنقيب المطربين الفنان حسن الدهماني، أن صفوف كلّ الجهات المعنيّة من نقابة الموسيقيين ونقابة المطربين ونقابة الملحنين والمؤلفين، توحّدت «للدفاع عن الفنان التونسي وإعادة الاعتبار له». وأشار إلى أنّ «تهميش الفنان التونسي، لم يعد محصوراً بمشاركته في المهرجانات الكبرى، بل إنّ ذلك يتواصل على مدار السنة، إذ يُستبعد من وسائل الإعلام المسموعة والمرئية التونسية ومن التظاهرات الثقافية ومن لجان الدعم أيضاً». وأوضح أن «هذا الإقصاء دُعّم هذا العام من خلال برمجة مهرجان قرطاج الدولي بظفر الفنانين العرب والأجانب بالنصيب الأوفر من العروض الفنية». وقال الدهماني إن وضع الفنان التونسي مخالف تماماً لأوضاع الفنانين العرب الذين تتبنّاهم شركات كبرى، فهو يفتقد الدعم والتشجيع خصوصاً مع غياب شركات الإنتاج. وأكد أن الفنان التونسي يجتهد ويكافح. وكتب الصحافي شكري الباصومي مقالة حول حال المهرجان مُنعت من النشر في صحيفة «الشروق» اليومية، تساءل فيها عن أسباب تمسّك وزارة الثقافة بتنظيم مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين. وقال: «المطلع على برنامج قرطاج يجد فيه حفلات تجارية يمكن لأي متعهد حفلات أن ينظمها على حسابه الخاص ويحقق أرباحاً. وهذا التوجه طالبنا به وزراء الثقافة في عهد (الرئيس السابق زين العابدين) بن علي». وتساءل: «هل من المعقول أن تبرمَج عروض تجارية لنجوم يفترض أنهم نجوم شبّاك وقادرون على تغطية مصاريفهم من عائدات حفلاتهم؟ وإن سلمنا بعائدات الشباك، فهل توجد آلية قانونية لوزارة الثقافة تمكنها من إدخال العائدات المالية إن وجدت في خزينة الدولة؟ فهل وزارة الثقافة مؤسسة ربحية؟». يبدو أنّ مهرجان قرطاج الدولي لهذا العام ما زال يحمل مفاجآت قد لا تروق لوزارة الثقافة، لا سيّما وسط أجواء من التجاذبات السياسية والدينية التي تعصف بالبلاد والفنانين بشكل خاص، ووسط اتهامات متبادلة بين نقابات الفنانين والوزارة. وفي كل الأحوال ستنطلق الدورة الجديدة في 5 تموز (يوليو) المقبل، بعرض افتتاحي لا نعرف هويته وينتظر أن تعلن الوزارة عنه قريباً، بما أنّ النقابات اتفقت على المقاطعة. كما ينتظر أن تعلن إدارة المهرجان عمّن سيعوض سهرة صابر الرباعي التي كان سيحييها في 12 تموز، إذا تأكد انسحابه تضامناً مع زملائه. ومن المنتظر أن يحتلّ المسرح الأثري عدد من نجوم الموسيقى العربية من بينهم مارسيل خليفة وحسين الجسمي وهاني شاكر وكاظم الساهر وراغب علامة ونجوى كرم وأصالة نصري ووائل جسار ورامي عيّاش ونصير شمّة وآمال ماهر، فضلاً عن ألفا بلوندي الذي يقدم عرضاً مشتركاً مع التونسي أحمد الماجري، والمغربي الفرنسي جمال دبوز وعروض من الصين وساحل العاج وجامايكا وبريطانيا وروسيا وإيطاليا وفلسطين، إلى جانب سهرة شعرية موسيقية تكريماً لمحمود درويش بمشاركة «الثلاثي جبران». أمّا عرض الاختتام فسيكون مع خليط من موسيقى الجاز الصوفية والتونسي المتميّز ظافر يوسف.