تزايدت أمس في واشنطن، كما في لندن، التساؤلات عن وجود خلافات بين العاصمتين بشأن التعامل مع الجدل الناشئ عن انكشاف عدم صحة الذرائع الاساسية لشن الحرب على العراق. وتلقت اوساط رئيس الوزراء توني بلير باستياء القاء اللوم على وثائق قدمتها لندن وأدت الى جعل الرئيس الاميركي جورج بوش يضمّن خطابه عن "حال الاتحاد" في كانون الثاني يناير الماضي اشارة الى أن العراق حاول شراء كميات من اوكسيد اليورانيوم من جمهورية النيجر، معتبراً أن ذلك من الأدلة على استمرار سعي العراق الى السلاح النووي، ما يشكل تهديداً مباشراً للولايات المتحدة. وتبين بعد ذلك أن هذه المعلومات لم تكن صحيحة، وأن الوثائق كانت مزورة. وجاء اقرار مدير وكالة الاستخبارات المركزية سي آي أي جورج تينيت بمسؤوليته عن خطأ ايراد ذلك الادعاء في خطاب بوش، الذي ردّ مجدداً ثقته بتينيت، ليزيد الاجواء تلبداً في الجدل البريطاني حول ادعاءات بلير اثناء التحضير للحرب، خصوصاً ان الجانب الاميركي لم يفوّت الفرصة وحرص على الاشارة الى ان لندن كانت مصدر وثائق صفقة اليورانيوم المزعومة. وفي الوقت نفسه تزداد النقمة في بريطانيا على اصرار الاميركيين على تقديم معتقلين بريطانيين اثنين في غوانتانامو الى المحكمة العسكرية الخاصة التي انشأها البنتاغون لمحاكمة المتهمين بالارهاب الذين اعتقلوا في اطار الحرب على افغانستان. وعلى رغم ان بلير أكد امام مجلس العموم انه مهتم بالقضية ويتابعها مع واشنطن إلا ان البريطانيين المعتقلين رشحا ليكونا في أول دفعة تضم ستة متهمين الى المحاكمة التي ينتقد البريطانيون بشدة افتقارها الى أبسط مبادئ العدالة. كذلك تزايدت شكوك اوساط الاقتصاد والاعمال في بريطانيا بشأن المجالات التي ستفتح امامها في صفقات اعادة الاعمار وتأهيل البنية التحتية في العراق، مما يعقد المواجهة بين بلير ومنتقديه المتكاثرين. وحتى الميدالية الرفيعة التي قرر الكونغرس منحها الى رئيس الوزراء البريطاني نشرت صحيفة لندنية امس ان الظروف اوجبت على ما يبدو تأخير مراسم تقليدها لبلير. وفيما أوردت صحيفة "واشنطن بوست" أمس أن تينيت حذر البيت الأبيض في تشرين الثاني اكتوبر الماضي من استخدام المعلومات عن الصفقة المزعومة بين العراقوالنيجر نظراً الى ضعف مصدرها، وقالت ان البيت الأبيض اقتنع بالتحذير وقتها وألغى الاشارة الى القضية في خطاب القاه الرئيس بعد أيام، لكنه عاد الى إدراجها في خطاب "حال الاتحاد"، كشفت رسالة من وزير الخارجية البريطاني جاك سترو الى لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم عن خلافات عميقة حول القضية بين الاستخبارات الأميركية والبريطانية. وأقرّ سترو في رسالته بأن بريطانيا تلقت تحذيراً من "سي آي اي" في شأن المزاعم عن سعي العراق الى شراء اليورانيوم من النبجر، لكنها قررت عدم التزام التحذير لأنه لم يرفق بأي توضيحات. وأوضح أن سبب الرفض هو حيازة بريطانيا معلومات اضافية "من طرف ثالث موثوق به" عن سعي العراق وقتها الى الحصول على السلاح النووي، وان المعلومات تتجاوز الصفقة المفترضة مع النيجر. وأضاف ان لندن لم تقدم هذه المعلومات الى "سي آي أي" نظراً الى "حساسيتها". وذكر سترو بالمقابل أن "سي آي اي" لم تطلع الاستخبارات البريطانية على تحقيقات في النيجر قام بها السفير الأميركي السابق جوزيف ويلسون، وبينت زيف الوثيقة الرئيسية التي استند اليها الادعاء، وان المسؤولين البريطانيين لم يعرفوا عن مهمة ويلسون إلا من خلال تقارير صحافية قبل أيام من اجتماع لجنة الشؤون الخارجية لمجلس العموم للتحقيق في المبررات التي قدمتها حكومة توني بلير لشن الحرب على العراق. واعتبر وزير الخارجية السابق روبن كوك، وهو الآن من أبرز منتقدي الحرب، أن هذا الفشل في الاتصال بين "سي آي اي" والاستخبارات الخارجية البريطانية "يصعب تصديقه". وأضاف: "حان الوقت لكي تقدم الحكومة كل ما لديها من أدلة. وكلما تأخرت في ذلك تزايد الاعتقاد بأنها نفسها لا تثق بها كثيراً".