"رويدا... تركتوني كلكن لوحدي" تخرج عبارات محمد لافي باكية متهدّجة، بطيئة، منسابة على كتف رويدا عطية لحظة اعلان نتائج الحلقة الفائتة من "سوبر ستار" وبالتالي خروجه من البرنامج في مرحلته الثالثة والأخيرة. بعد أن توقفت الكاميرا وتوزّع الجمهور خارج الاستوديو بدا المشهد أكثر ارتباكاً وتأثيراً: اللجنة المنظمة الملازمة للمشاركين والمؤلفة من المنتج المنفّذ كريستين جمّال ورنا كعدي وعماد مرتضى وبشارة عطاالله تنتشر في محاولات هادئة لإبعاد المشاركين عن لافي. فلا تكاد الاضطرابات المتفشية تخلد الى الهدوء حتى تتصاعد وتيرتها مرة أخرى مع كل عناق متجدّد، مع كل وعد بزيارة لافي في الكويت، مع كل دعوة بالفخر لوصوله الى مرحلة متقدمة جداً من "سوبر ستار". في الغرف المخصّصة للمشاركين الثمانية في الاستوديو، تتحوّل الاحاديث الى همسات ممزوجة بأنفاسهم والحسرات. لافتة تلك العلاقة التي تربط المشاركين في برنامج "سوبر ستار" من ناحية، وعلاقتهم باللجنة المنظمة من ناحية ثانية والتي تخطت اطار العمل والالتزام ببرنامج كريستين اليومي. أجواء من المرح والبهجة تعمّ جلساتهم عموماً، كلّ منهم يضفي عليها ما يتحلّى به من صفات شخصية طبيعية. لا شك في ان المنافسة في المرحلة الأخيرة أصبحت عنصراً بارزاً، لكن قياس درجات التوتر، خصوصاً ليلة اعلان النتائج لم يعد حكراً على المشاركين فحسب، بل انضمت اليهم اللجنة أيضاً. فتراهم يفترشون الأرض خلف الكاميرات الى جانب تونيا مرعب التي تحاول قدر الامكان التغيّب عن "البروفات" ويوم النتائج لأن الحزن المصاحب لمغادرتهم لا يفارقها بسهولة. تتوسط رنا كعدي الجالسين، تغالب ألم قدمها اليمنى التي "شبقتها" تعصيباً وتوتراً. الجميع ينتظر اعلان نتائج وصلتهم قبل ساعة من بدء البث المباشر، ليفجّروا بعد ذلك ما برعوا في اخفائه واسكاته أمام أعين أصدقائهم - المشاركين. يصف المشاركون يوم الأحد "بالعيد" مقارنة بفاجعة "اثنين النتائج". ففي كل مرة تتجدّد فرصتهم في الاطلال على الجمهور بحلّة جديدة خلال مرحلة الخطأ فيها... "قاتل"! خلف المسرح، وقبل بدء الحلقة واثناءها، المشاهد والأحداث كاريكاتورية محبّبة: المشاركون يذرعون ممر الاستوديو الخلفي الطويل ذهاباً واياباً. تتطاير منهم نغمات معظمها مستقاة ممّا ردّدوه على مدى أسابيع طويلة مع الدكتورة ريم ديب. كلّ منهم ينتظر اعتلاء المسرح على طريقته: شادي أسود يسلب مرعي هاتفه الخلوي ويحوّله ميكروفوناً يؤدّي عبره بروفة أخيرة امام ديانا ورويدا لأغنية "طب ليه" على رغم ان الأغنية المقررة له هي "ضحكة الدنيا". مرعي يتلقى تأنيباً مستمراً من ديانا لوقوفه الدائم مقابل تلفاز صغير يبث صوراً صامتة، وهي الوسيلة الوحيدة التي تتيح لهم متابعة أداء بقية المشاركين... بصرياً فلا يبث هذا التلفاز الصوت، على الشاشة الياس الرحباني يعلّق مطوّلاً على أداء سعود. محاولات يائسة من رويدا وديانا لقراءة حركة شفاهه... لا أمل في استنباط ما يقوله. تتساءل الفتاتان أمام الآخرين ضاحكتين عن أمل آخر لا يمكن ادراكه: ان ينطق الياس الرحباني يوماً ب"لا تعليق"! ينزل سعود عن المسرح بعد نجاحه في أداء أغنية "جنّي" لراغب علامة مصاباً "بجوع عتيق" فيسارع أحدهم الى احضار ما تبقّى له من وجبة الغداء. اما وائل فلم يكن كعادته في تلك الليلة، كانت الجلسة تفتقر الى "نطنطة" تنقله من مشترك الى آخر. يسألون عن ملحم، يراقبونه بعيداً يتمتم لذاته قلقاً من ادائه أغنية "سهروني الليل" التي نصحه بها ضيف الحلقة راغب علامة بدلاً من أغنية "طب ليه"، في هذه الاثناء وصلات رقص وليونة أدّاها بخفة ومرح "رجل العنكبوت" او بشارة عطاالله احد اعضاء اللجنة المنظمة المتأثر دوماً بالشخصيات الكرتونية، محلّقاً في الممر طولاً وعرضاً علّه يخفف من قلق متصاعد... لكن يبدو ان سكون ملحم الدائم أقوى من اي تأثر او تفاعل. تنهض رويدا للاطمئنان الى "اوضاع ملحم"، يتناولان في حديث جانبي طبيعة ما سيقدّمانه على المسرح بعد قليل. هنا يؤكد ملحم ورويدا ان المنافسة تتبخّر على عتبة المحبة والصداقة التي تجمعهما والآخرين. وتبدي رويدا ارتياحها لما وعدها به ملحم، ففي حال فازت بلقب "سوبر ستار العرب" لن يحزن أكثر من 30 ثانية! وقبل ان يحين دور رويدا لتأدية "عالبال" لسميرة سعيد، ترى طيفاً يؤشّر لها من بعيد، انه حسام حسن زوجها، واقف في عمق الممر يمدّها بالطمأنينة عن بعد لأن الأنظمة تمنع اقتراب أي كان من المشاركين. ما هي الاّ لحظات غفلت عنها اللجنة المنظمة، استغلها حسام ليسرق "غمرة" من رويدا تمدّها بطمأنينة... عن قرب. جمهور حاشد... متحايل الباحة الخارجية ل"بيروت هول" كانت تضيق كل لحظة بوافدين جدد. عنصر بارز يوحد المشهد... أكسسوار التشجيع. هم مدركون سلفاً ان لافتاتهم وأصواتهم لا تسقط حكومة، لا تخفّض أسعار البنزين، لا تعدّل سياسة ضريبية، فاكتفوا بما منحهم "سوبر ستار": مساحة أسبوعية "تتطاحن" فيها الحناجر بأداء وهتافات نمطية لمصلحة "سوبر ستارهم" المفضل، هتافات "لبنانية" متحدّرة من احلام سياسية عاجزة، صالحة لكل مناسبة: تظاهرة، رياضة، فن...الخ. "اللبننة" لم تقتصر هنا على صيغة التشجيع والهتافات. ففي المراحل المقبلة قد يحتاج المنظمون الى كاسحة ألغام لردّ الجمهور المحتشد خلف الباب الزجاجي الذي يأمل في نجاح خططه المستحدثة للدخول ببطاقات مزوّرة، يبقى جمهور ملحم زين الاكثر شغباً وتحايلاً، تمكّن المنظمون من احتوائه وإفهامه ان والدة ملحم - التي تطلّ على جمهور ولدها في الخارج - بين الحين والآخر - لا تشكّل... "واسطة"! في الاستوديو، نشاز الأنفاس المتحمّسة محكوم بقبضة رجل الstand by. هو مبرمج الجماهير ومدوزن الهتافات... ومانع "العلكة". حركة منه تطلق العنان للحماسة سواء كانت عادية أم هستيرية، وحركة أخرى تجبرها على السكون والاصغاء. لا يخلو الأمر من بعض التجاوزات، فلا تعود تلك القبضة قادرة على اسكات جمهور لا يملك سوى هتافاته ولافتاته أمام دلال ديانا كرازون وتألّق رويدا عطية.