نفض الياس الرحباني كل ايمانه في تحسّن الأحوال الموسيقية في العالم العربي وفي لبنان بشكل خاص. خيبة الأمل تخيّم على حديثه الفني. ضاق ذرعاً "بغباء" شركات الانتاج التي لم تستوعب بعد - برأيه - أنها شريكة أساسية مع كثيرين مّمن يطلقون على أنفسهم صفة ملحنين في ترسيخ عملية "الغزو" الفني التركي. واذا بقي الوضع على هذه الحال واستمرت شركات الانتاج واصحابها في تحقيق أفكارهم "الجياشة والمنيرة"، يؤكد الرحباني، "سنقول بعد 20 عاماً "سقى الله أيام كان عنّا تراث في لبنان"! لكن الرحباني لن يستسلم. لن يسمح بالتعدي على ما حاول بناءه مع غيره طوال سنوات. أما لماذا لم يعترض أحد من فنانين وملحنين على ما سمّاه "الغزو الموسيقي التركي"... فلأن "كلّن عم يقبضوا". والنتيجة: "لبنان كارثة موسيقية"! من غادة رجب الى هيفا وهبي بعيداً من الأحوال الفنية المحبطة، يتحدث الرحباني بفرح عن التعاون الذي جمعه لأول مرة مع المطربة المصرية الشابة غادة رجب. هي التي اعتبرت ان لقاءها بالرحباني كان حلماً وتحقق. الاّ ان هذه الفرحة لم تكتمل، فالأغنية، وعنوانها "يا سارق قلبي"، لم تأخذ حقّها اعلامياً من قبل شركة الانتاج "روتانا"، التي لم تف بوعدها لغادة رجب في تصوير الاغنية على طريقة الفيديو كليب، ما أدى الى انسحابها من الشركة. وبما ان الرحباني يعتبر غادة رجب احد اهم الاصوات في العالم العربي، فهو يفتش حالياً عمّن ينتج تصوير هذه الاغنية التي يعتبرها امتداداً لخطّه "البسيط والراقي" ونابعة من اسلوبه الموسيقي "الذي تشرّبته الناس طوال سنين مضت". ... وهيفا وهبي؟ يرفض الرحباني ان توصف آراءه بالمتناقضة. ففي الوقت الذي يثور فيه على الوضع الفني في لبنان والعالم العربي، يقدّم الياس الرحباني لحناً للمغنية هيفا وهبي ضمن اسطوانتها الجديدة. ولا ينفي الرحباني ان ما قدمته هيفا في تجربتها الغنائية الاولى "مجرّد ايقاعات بعيدة عن البناء الفني للأغنية". لذلك عندما طلبت هيفا منه لحناً، وهي صديقة قديمة له، لم يتردد خصوصاً انه يعرف تماماً ماذا تريد. ويتساءل الرحباني عمّا يمكن ان يمنعه من التعاون مع هيفا، "فهي تتمتع بحضور جميل لا يمكن التغاضي عنه، ويتدافع الناس لمشاهدتها وحضور حفلاتها اينما كانت، ويطلب منها معظم المطربين المخضرمين المشاركة في حفلاتهم لأنهم يعرفون تماماً حجم الجمهور الذي يمكن ان تجذبه خصوصاً في ظل الاوضاع الاقتصادية المتردية التي نعيشها". موجة "التركي" تهديد لثقافتنا يبدو ان الياس الرحباني متصالح مع الجيل الجديد من الفنانين، فثورته تصبّ بالدرجة الاولى على الملحنين وشركات الانتاج أكثر من اي طرف فني آخر. هذه الثورة تشكّلت من خيبة أمل كبيرة مُني بها الياس الرحباني اثر انتهاء برنامج "سوبر ستار" الذي يترأس لجنة الحكم فيه، وذلك بعد ان راهن على البرنامج وشركة "وارنر" و"ميوزيك ماستر" في اعلاء شأن الحياة الفنية في لبنان. فبعد ان نجح الرحباني عبر برنامج سوبر ستار في "تعويض سنين طويلة من الهبوط الفني الذي عاشه العالم العربي، وهو برنامج جمع حوله مختلف الفئات والأجيال، ودحض "كذب" الشركات المنتجة حاملة لواء "الجمهور عاوز كده"، فوجئ بالأسطوانة التي اصدرتها الشركة لسوبر ستار العرب ديانا كرازون. ويقول في هذا السياق: "إنها اسطوانة تخالف كل ما اتفق عليه سابقاً". هذه "المخالفات" أجبرته على رفض اعطاء لحن لديانا. فبالنسبة للرحباني من المستحيل ان يتعاون مع اي شركة او فنان يتعامل مع ملحنين أتراك، هؤلاء الذين "يهددون البلد بهويته الفنية وثقافته". ذلك ان اتفاقه مع الشركة حول كاسيت ديانا يرتكز الى التنويع بالألحان من ضمن العالم العربي والابتعاد كلياً عن الملحنين الأتراك. أما باقي الملحنين المشاركين في الكاسيت، فلا يتوانى الرحباني عن وصف معظمهم ب"مجموعة" سارقين يفتقدون الى الدراسة والثقافة الموسيقية حتى انهم يسرقون من تركيا التي تسرق بدورها من لبنان أيضاً! ولا عجب برأيه، ان سمعنا لاحقاً لحناً للرحباني يذاع باسم ملحن آخر... سرقه من تركيا! كل ذلك ظلم ديانا وما جنته خلال برنامج سوبر ستار وما انتظره الناس منها. ويعتبر الرحباني ان خبرته الطويلة تسمح له بالحكم على أي كاسيت اذا ما كان مستواه جيداً بصرف النظر عن مدى نجاحه في السوق. لكن "أن تصدر ميوزيك ماستر كاسيت لديانا بهذا المستوى السيئ والتسجيل الرديء وبصوت لا يشبه صوتها، فذلك كذب وظلم وافتراء، يقول الرحباني حازماً. وعلى رغم أن رقم مبيع الكاسيت الذي أعلنته الشركة، بلغ 120 ألف نسخة، لا يرى الرحباني ان ذلك دليل على نجاح الكاسيت. "ففضول الناس لسماع الكاسيت كفيل بشراء 200 ألف نسخة على الأقل". ويأسف الرحباني لحال شركات الانتاج في لبنان والتي "لم تسمح منذ التسعينيات ولغاية اليوم بمرور او اصدار أغنية راقية على غرار ما أحبّته الجماهير في سوبر ستار". ما الحلّ اذن؟ يجيب: "ليس هناك من حلّ. الياس الرحباني يتراجع عن كل الكلام والتصاريح المشيدة بشركة وارنر وميوزيك ماستر، بعد ان أمل مخدوعاً في تغيير المسار الفني في لبنان. كما انه يتراجع عن توقعاته في خلق أجيال فنية حقيقية كفيلة بتحقيق نهضة فنية تعيدنا الى الزمن الماضي الجميل كما فعل سوبر ستار الذي سيحافظ على نجاحه الجماهيري. فأين سيهرب المشتركون من الواقع الفني الذي يحاصرنا. في النهاية... سيتناثرون كورق الخريف"!