كشف اجتماع مجلس الأمن القومي التركي وحكومة حزب العدالة والتنمية الأخير، وهو استمر أكثر من سبع ساعات، عن اختلاف عميق في وجهات النظر بين العسكر وأعضاء الحكومة. وكان الرأي العام التركي ينتظر حواراً مثمراً بين الجانبين حول احترام المبادئ الأساسية للدولة، من شأنه إشاعة نوع من الثقة المتبادلة في وجهات النظر بين الجانبين. لكن ذلك لم يحدث. وما دار في الاجتماع ناقض توقعات الأوساط السياسية في تركيا. اعترض العسكر على التعيينات التي تقوم بها الحكومة وتثبت عناصر موالية لحزب العدالة والتنمية. ولم يتأخر رئيس الوزراء، رجب طيب اردوغان، في الرد على هذا الاتهام بأن محاولته العمل مع فريق عمله هي من الأمور الطبيعية. وكان رد العسكر على هذا الإيضاح ان الكوادر الوظيفية العاملة، من غير المتعاطفين مع حزب أردوغان في المؤسسات المختلفة، هي من مواطني الدولة التركية. فأجابهم أردوغان قائلاً: انتم أيضاً في القيادة، ألا تختارون بأنفسكم فريق العمل من ضمن العسكر المقربين اليكم؟ أجل، نقوم بذلك، قال العسكر. لكنهم أضافوا: ثمة مميزات مشتركة يجب توافرها في من نختارهم. فهم جميعاً من المؤمنين بالمبادئ العلمانية وبالفكرة الكمالية نسبة الى مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية. ولم يتأخر أردوغان في الرد: هذا ممكن بالنسبة اليكم، لكنه غير ذلك بالنسبة إلينا. ان تصدع جدار الثقة بين مجلس الأمن القومي وبين الحكومة لا ينحصر في مسألة العلمانية، بل ثمة مجالات أخرى للخلافات، ولو كانت على قدر أقل من الخلاف في موضوع العلمانية. فلا تزال هناك حال من عدم الوضوح في ما يجب القيام به بالنسبة الى تطورات الأوضاع في شمال العراق. ولعل الصعوبات التي تواجهها تركيا، والمتمثلة في صعوبة إرسال المساعدات الإنسانية وإيصالها الى التركمان في العراق، تكشف عن ذلك. وثمة واقع آخر يتعلق بالمشكلة القبرصية. فبعد أن تمكن دنكطاش، بمبادرته الى فتح الحدود مع الجانب اليوناني في الجزيرة، وقيام رئيس الوزراء اليوناني، سيمتس، بزيارة الجزيرة، لا يزال رئيس الوزراء التركي اردوغان متردداً في تحديد تاريخ للقيام بمبادرة مماثلة لنظيره اليوناني. في إيجاز يمكن اختصار نمط العلاقة بين حكومة أردوغان والعسكر، بأن الحكومة تقوم بشطب الخطوط الحمراء التي يحاول العسكر التشديد عليها، وتوجيه أنظار الحكومة الى ضرورة مراعاتها وعدم تجاوزها. فإلى متى يستمر العسكر في توجيه أنظار الحكومة التركية الى الخطوط الحمراء؟ والى متى تحاول حكومة أردوغان شطبها؟ وكيف تؤثر عملية الشد والجذب هذه في وضع حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة؟ سورية - نصرت مردان