يعيش الشيعة الكويتيون اجواء الانتخابات البرلمانية ومنافساتها في ظل اجواء ما بعد تحرير العراق حيث انبعث الشيعة العراقيون كقوة اقليمية بعد طول تهميش. وفيما كان يفترض ان يعطي الواقع الجديد في العراق زخماً سياسياً للشيعة الكويتيين، تشهد الانتخابات الراهنة تفاقماً في الصراع الداخلي والمنافسات بين مجموعاتهم اكثر مما شهدتها اي انتخابات سابقة. ودفع هذا التنافس آلاف الناخبين الشيعة في "الدوائر السنية" الى اعادة تسجيل انفسهم في دوائر انتخابية ذات غالبية شيعية من اجل مناصرة هذه المجموعة أو تلك، وبسبب اشتداد هذا الصراع الذي تعود جذوره الى الخلافات في الأوساط الدينية في ايران، تخلى الشيعة في دوائر سنية كثيرة عن لعب دور المرجح بين المرشحين السنّة - لمصلحة المرشحين الليبراليين تحديداً - كما كانوا يفعلون في السابق. ويقدر عدد الناخبين الشيعة ب24 ألفاً من اصل 137 ألف ناخب، ولهم نحو 50 مرشحاً من اصل 260 مرشحاً للانتخابات المقرر اجراؤها في الخامس من تموز يوليو المقبل. ويمكن القول إن أمام 12 من المرشحين الشيعة فرصاً قوية للنجاح، لكن العدد النهائي للنواب الشيعة في مجلس الأمة البرلمان ذي الخمسين مقعداً لن يزيد عن ستة او سبعة في افضل الظروف، لأن توزيع الدوائر الانتخابية لا يسمح بأكثر من ذلك. وينقسم الشيعة الكويتيون الى مجموعات عدة لجهة الأصل الجغرافي والمرجعية الفقهية، ولهذه الانتماءات تأثير في اختيارات الناخب الشيعي. فمن جهة الأصل هناك "البحارنة" المتحدرون من اصل بحريني، وهناك "الحساوية" الذين وفدوا الى الكويت من اقليم الأحساء في شرق الجزيرة العربية، وهناك "العجم" ذوو الأصول الإيرانية الذين يمثلون غالبية نسبية بين الشيعة. ومن جهة المرجعية الفقهية هناك الشيعة "الأصولية" وهم الفئة الأوسع، وهناك "الاخبارية"، وهناك "الشيخية" التي يأخذ بها الحساوية على وجه الخصوص. ويقول بعض الشيعة انه حدث في السنوات الأخيرة تداخل متزايد بين هذه الانتماءات العرقية والفقهية وأصبح تأثيرها يخف. "دوائر الشيعة" يؤلف الشيعة غالبية الناخبين في دائرتين انتخابيتين فقط هما "الشرق" و"الرميثية"، لذا فإنهم سيحصدون ما بين ثلاثة الى اربعة نواب من هاتين الدائرتين. وهناك فرصة جيدة لهم، ولكن اقل قوة، في دائرة "الدعية" حيث تتقارب أعدادهم مع الناخبين السنة. اما دائرتا "القادسية" و"مشرف" ففرصهم فيهما اقل، لكن عدد الناخبين الشيعة يعطي الفرصة لمرشح شيعي قوي لتحقيق "اختراق" إذا ما تفرقت اصوات الناخبين السنّة. وهناك دائرة "العديلية" التي يوجد الشيعة في شكل اكبر في احدى مناطقها وهي "الجابرية". وفيما عدا هذه الدوائر الست، ليس للشيعة امل بالفوز في أي من الدوائر ال19 الأخرى. ومن اهم المجموعات السياسية الفاعلة في اوساط الشيعة "التحالف الإسلامي الوطني" الذي يمثل الأصوليين الشيعة وهو يماثل في موقعه الاجتماعي عند الشيعة الكويتيين تيار "الإخوان المسلمين" عند السنّة. ولهذا التجمع تأثر واضح بفكر الإمام الخميني وامتداداته في العالم العربي، ويعتبر النائب عدنان عبدالصمد عن دائرة "الشرق" اهم رموزه وكذلك عبدالمحسن جمال في "الدعية". ويقف "التحالف" ايضاً وراء النائب الدكتور حسن جوهر في "مشرف". ومن المجموعات الأخرى مجموعة "الشيرازية" التابعة لمرجعية السيد محمد الشيرازي الذي توفي قبل فترة, وهو عالم دين استقر في الكويت في السبعينات بعد خروجه من العراق، ثم غادر الى ايران. ويحظى هذا التكتل بدعم من اوساط حكومية في مواجهة "التحالف"، ول"الشيرازية" ممثل واحد في المجلس الحالي هو النائب صالح عاشور عن دائرة "الشرق"، لكن لهم مرشحون كثر في هذه الانتخابات في منافسة قوية مع خصومهم تيار "التحالف الإسلامي". وبين الشيعة تيار يميل الى الليبرالية، والمنتمون الى هذا التيار اكثر قدرة على الالتقاء من الليبراليين السنّة من طريق التكتلات الصغيرة الجديدة مثل "التجمع الديموقراطي" ومن طريق "المنبر الديموقراطي" الذي حظي دوماً بتعاطف الناخبين الشيعة. وكما بين السنّة يوجد بين الشيعة سياسيون مستقلون و"حكوميون" ونواب الخدمات الذين تدعمهم الحكومة. المرشحون وفرص الفوز الدائرة الأولى "الشرق": شهدت هذه الدائرة اكبر حركة انتقال للناخبين إليها على مستوى الكويت، فزاد عدد الناخبين من 2338 الى 3629 والسبب هو المواجهة بين "التحالف الإسلامي" و"الشيرازية" وسعي كل طرف الى رفع عدد مؤيديه في الدائرة من طريق جلب ناخبين شيعة من دوائر بعيدة. ويترشح النائب عدنان عبدالصمد مع عضو المجلس البلدي احمد لاري عن "التحالف" في مواجهة النائب صالح عاشور الذي يمثل "الشيرازية" والمرشح يوسف الزلزلة الذي ينتمي الى تجمع "دار الزهراء". أما المرشحون السنّة في الدائرة ففرصهم محدودة، ويتردد ان الإسلاميين السنّة يسعون الى دعم الثنائي عبدالصمد - لاري لأنهما اقرب الى المعارضة، خصوصاً بعد القضية التي رفعت ضد عاشور لاتهامه بسب الصحابي المغيرة بن شعبة، قبل ان تبرئه المحكمة من هذه التهمة. الدائرة الثالثة عشرة "الرميثية": في هذه الدائرة الكبيرة نسبياً والتي يفوق عدد الشيعة فيها السنّة كانت فرصة وصول نائبين شيعيين كبيرة دوماً، لكن هناك تزاحماً لعدد كبير من المرشحين الشيعة، ما يفتح المجال للمرشح السني الأهم النائب جمال الكندري لخطف احد مقعديها. ومن ابرز المرشحين الشيعة وزير التجارة السابق النائب الحالي صلاح خورشيد والنائب السابق عباس الخضاري وكلاهما قريب من الحكومة، ثم مرشح "التحالف الإسلامي" باسل حسين دشتي الذي حل مكان نائب التحالف الدكتور ناصر صرخوه بعد خسارته انتخابات 1996 ثم 1999. ويترشح ايضاً رجل الدين المعمم حسين القلاف بعدما استقال من عضوية مجلس الأمة قبل سبعة شهور لأسباب غير مفهومة. وإذا استمر حال الترشيح كذلك، فإن اصوات الناخبين الشيعة ستتشتت كثيراً، ما يعطي الفرصة للنائب السنّي السابق مرشح "الحركة الدستورية الإسلامية" جمال الكندري لتحقيق اختراق في "الرميثية". الدائرة الرابعة "الدعية": هناك تقارب بين اعداد السنّة والشيعة في هذه الدائرة، ما جعلها تقدم دوماً نائباً شيعياً وآخر سنياً، وأقوى المرشحين الشيعة النائب عبدالمحسن جمال وهو من "التحالف" وينافسه سميح القلاف وهو من الشيرازية. الدائرة الخامسة "القادسية": وفيها يفوق السنّة الشيعة في عدد الناخبين، لكن كثرة مرشحي السنّة في سنوات ماضية مكنت مرشحاً شيعياً من الوصول الى البرلمان. وفي عام 1999 خسر المرشح الشيعي علاء السليمي المقعد بفارق صوتين فقط، وفي الانتخابات الحالية هناك تنافس كبير بين المرشحين الشيعة، ما يضعفهم جميعاً. ويترشح سعود المطوع مرة اخرى وهو مستقل من "الحساوية"، ويدعم "التحالف" عزام المؤمن، وهناك المرشح عبد الأمير التركي وهو كاتب مسرحي معروف وقريب من الحكومة وكان خسر في دائرة "المرقاب" في انتخابات سابقة. الدائرة العاشرة "مشرف": يشكل الشيعة هنا اقل من 30 في المئة من الناخبين، لكن التنافس القوي بين الليبراليين والإسلاميين والقبليين من السنّة يعطي الفرصة ل"اختراق" شيعي كما فعل الدكتور حسن جوهر عام 1996 عندما اجمع عليه الشيعة ففاز بالمركز الأول متفوقاً على اربعة مرشحين سنّة اقوياء، وكرر هذا الأمر في انتخابات 1999. ويحظى جوهر بدعم "التحالف" الوطني وكذلك الليبراليين الشيعة وفرصته في الاحتفاظ بمقعده كبيرة. الدائرة العاشرة "العديلية": الشيعة فيها اقلية ويتركزون في منطقة "الجابرية"، لكن مرشحهم المحامي يوسف العليا أحرز المركز الثالث في انتخابات 1996 وهو يحاول هذه السنة أيضاً. غير ان الانتخابات التكميلية التي جرت في الدائرة بعد وفاة النائب سامي المنيس عام 2001 اظهرت تشتت اصوات الناخبين الشيعة، خصوصاً بعد بروز ظاهرة شراء الأصوات التي قيل انها تركزت بين الشيعة لمصلحة مرشحين من السنّة.