علي سعيد الكعبي واحد من أشهر المعلقين الرياضيين في الإمارات، عاد على رأس عمله بالتلفزيون بعد غياب استمر 136 يوماً. لا أحد يعرف بدقة أسباب الاحتجاب، ولكنه غاب في انتصار لكفة الكفاية أمام الحبال القصيرة... وهو قدم عبارات "الشكر العميق" وتحدث لجماهير المواقع الالكترونية وكل الأصوات في المنتديات التي طالبت بعودته ثانية، وبالتحديد موقع "الزعيم العيناوي" ومنتدى نادي العين المتوج بلقب الدوري والكأس السوبر للموسم الأخير. لكن الأكيد أن العودة كانت بقرار اداري، وعندما نعلم أن غالبية المسؤولين الرياضيين في الدولة، يطالعون مع قهوة الصباح، أهم ما حملته اضافات المنتديات الالكترونية ويتابعون بدقة ذلك الحراك المتنامي في وسط الأجيال الجديدة وشغفها بالكتابة في هذه المواقع، ندرك أن المنتديات على رغم هناتها وبعض الشوائب التي تلاحقها صارت صوتاً لمن لا صوت له وبرلماناً للجماهير الرياضية مشرعاً على أفق اللانهاية. تعبق الإمارات بمئات المواقع المحلية المحتفلة بالأندية الكروية، سواء اتخذت طابعاً رسمياً أو مبادرات أهلية وشخصية. ويشرف على بعض المواقع، ومن أبرزها موقع نادي العين والوحدة، شخصيات قيادية عليا وتحظى بدعم مالي وفني مهم، كما تشهد الشبكة تنافساً ما بين جماهير الأندية في "التفنن" بتسويق أنديتها في العالم الافتراضي المثير... والمنتديات الالكترونية كشفت عن ذلك الكم الهائل المخزون للتعبير بكل ألوان الطيف، وأرست قواعد لمجتمع جديد ينحو في الفضاء العام وعن سلطة جديدة مؤثرة في الرأي العام وقادته. أبرزت دراسة أعدتها شركة "انمارسات" الدولية أن العالم العربي يقع في قلب المأزق التكنولوجي العالمي، ويقبع في قاع الترتيب من حيث انتشار الانترنت بمعدل 2.9 في المئة المتوسط في مقابل 10 في المئة في العالم. بيد أن الامارات عدّت من أكبر الدول العربية استخداماً للشبكة بحوالى 7.7 في المئة من اجمالي السكان وبأعلى معدل في كثافة الحواسيب الشخصية حيث يتوافر لكل 1000 شخص 106 كومبيوترات... لكن التمزقات الأساسية المتوقعة لهذه التكنولوجيا "الانترنت" التي احتفلت بعيد ميلادها العاشر منذ أيام، بدأت تكشف عن نفسها في غالبية المجتمعات العربية، وخلخلت بعض القيم التقليدية لعل من أبرزها عالم الصمت الكثيف، واحترام التراتبية، واختراق التابوهات من العائلة الى ملعب كرة القدم. في "اكتشاف لمعنى جديد للفرد والفردية متصلاً ومنفصلاً عن المجتمع في آن"، كما قال فوكوياما... كتب "إماراتي 99" في أحد المنتديات في جدل حول علاقة القراء بالصحافة الرياضية المحلية "أن القارئ الاماراتي الذي حيدتموه على امتداد ما يقارب الربع قرن توافرت لديه الآن وسائل يستطيع من خلالها التعبير عن نفسه، وأن يسمي الأشياء بأسمائها في مواجهة التضليل والأكاذيب"، وأضاف "أن المتابع لهذه المنتديات يدرك أنها مفتوحة للجميع، وفيها يتم انتقاد و"مهاجمة" جميع أطراف المنظومة الرياضية من اداريين ومدربين ولاعبين واعلاميين وحتى الجماهير". وعندما تفتح أشهر المنتديات الرياضية في الدولة، تكتشف أن حجم الرسائل اليومية لا يقل عن ثلاث رسائل في اليوم الوحد، ويرتفع العدد بشدة في أيام ما قبل مباريات الدوري والكأس. وتعصف بالمنتدى رياح الجدل في الأزمات التي حصلت في المباريات أو أخطاء التحكيم أو تعليقات عن رأي أو تعليق في الصحافة المحلية. اعتبر المراقبون للكرة الإماراتية، أن استقالة الشيخ سعيد بن زايد من رئاسة الاتحاد كانت مفاجأة الموسم... لكن القضية الأبرز في حوارات المنتديات كانت ما عرف "بقضية اللاعب صلاح عباس" وتداعياتها في ارتباط بمؤشر العنف بالملاعب ومسائل أخرى أكثر حساسية. ويحتل الهم المحلي الجزء الأوفر من المواضيع المتداولة، لكن ذلك لم يمنع الاهتمام بتطور كرة القدم الخليجية، خصوصاً في السعودية وقطر... وهناك أيضاً اهتمام ومتابعة خاصة للدوري المصري والبطل المحبوب الزمالك. عندما تسبح في هذا العالم، تشعر بغياب تام لكل الحواجز والأسيجة والمحرمات والتابوهات. ولا شك في أن هنالك خطاب تقدير في مخاطبة القائمين على الشأن الرياضي ومحادثة الشيوخ، وما دون ذلك قابل للمساءلة والمحاكمة بلا ضوابط في بعض الأحيان: هنات التحكيم وبورصة اللاعبين الأجانب والصحافة المحلية والمعلقون والمحللون في التلفزيون، وإدارات الأندية والمدربون المحليون والأجانب. الصراع الخفي - المعلن ما بين الناديين الأكثر شهرة العين والوحدة، طغى على المشهد العام في المنتديات الالكترونية، لكن المرء يشعر بأن الأندية العربية التي غادرت الأضواء والشهيدة منها، تمكنت عبر هذه الوسيلة من الدفاع عن تاريخها وحضورها وسط سطوة الكبار الجدد، وحافظت على وجودها الافتراضي، حتى وان غابت عن الأضواء ومنصة التتويجات. عاب البعض على هذه المنتديات لتراشقها بالشتائم وتغذيتها لروح التعصب ما بين الأندية، واعتبر البعض الآخر أنها لا تعبر سوى عن عقول افتراضية غابت عن ساحات الفعل والعمل واكتفت بالانتقاد... ورأوا أن بعض المنتديات أصبحت مواقع معارك لتصفية حسابات ما بين بعض مراكز القرار وشخصيات الحقل الإعلامي، وتخوف آخرون من المساوئ التي يمكن أن تنجرف اليها. لقد ودعت الإمارت الموسم الحالي لكن أعين المنتديات لم تنم، فاشتعلت حرب الاستفتاءات ما بين المواقع حول أفضل الأندية واللاعبين ورجالات الصحافة والإعلام... وبدأت حمى الموسم المقبل ، تقرع الأبواب في المنتديات قبل فضاءات الملاعب وكواليس الأندية. الأكيد أن شوائب ومحاذير متعددة تلاحق هذه المنتديات، لكنها أصبحت جزءاً مهماً من الرأي العام الرياضي هنا... وعندما تدقق في الأسماء المستعارة لروادها، تكتشف ذلك الحرص والتعلق الشديد بالهوية المحلية الإماراتية، وكأن "الانترنت" بوابة كل العالم أصبحت الأيقونة الأجمل للمقارعات المحلية.