تنظيم معرض فني يجمع بين اللوحة التشكيلية والقطع الاثرية فكرة جديدة تماماً إستلهمتها الفنانة التشكيلية الاماراتية الدكتورة نجاة حسن مكي من رسالة الدكتوراه التي حصلت عليها من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، وكان محورها العُملات النقدية القديمة. ومن خلال هذه الدراسة غاصت الفنانة في أعماق التاريخ الانساني لتكتشف وجود علاقة وثيقة بين التاريخ والفنون، ولهذا جاءت تجربتها الرائدة في تقديم أعمال فنية تجسد التراث الانساني والاسطورة في العالم القديم لتشكل رؤية فنية احتضنها متحف الشارقة للآثار في معرض فني متميز اشتمل على خمسين لوحة حديثة من أعمال الفنانة. وتواكب افتتاح المعرض مع احتفال العالم باليوم العالمي للمتاحف ليعكس تفعيل دور المتاحف كأداة اتصال وتواصل مع الجمهور من أجل نشر المعرفة والثقافة. وتدور أعمال الفنانة مكي في الاطار السابق، فهذه لوحة تجسد التأثير البالغ لدور الكواكب كالشمس والقمر في حياة الانسان، وقد استخلصت الفنانة هذا التأثير من خلال دراستها للنقوش على العملات القديمة، إذ ظهرت الكواكب على المسكوكات المعدنية في عهد السلاطين والملوك الذين أولوها اهتماماً بالغاً إنطلاقاً من إيمانهم بوجود علاقة وثيقة بين تلك الكواكب والنجوم وحيواتهم الخاصة والاحداث التي تتعرض لها شعوبهم كالكوارث الطبيعية والحروب، ولذلك لجأ الحكام الى أعمال التنجيم لاستقراء المستقبل، وشملت أعمال التنجيم كذلك مواضيع الزواج واحتمالات نجاحه أو فشله والزراعة والحصاد. وفي لوحة أخرى ركزت الفنانة على موضوع "التأمل" من خلال عمل تشكيلي متكامل قسمت فيه اللوحة الى مربعات ووضعت في كل مربع منها عنصراً إنسانياً في شكل إمرأة رشيقة في وضع التأمل، وهو ما فسرته بقولها: "إن طاعة النظام الكوني هي نوع من التأمل يصل الى درجة الخشوع والتعبد وأن المتأمل الحكيم يمكنه إدراك قدرة الخالق من خلال هذا النظام الكوني المحكم، الأمر الذي يجعله في حال خشوع وإبتهال لوجه الله سبحانه وتعالى". وقد لعبت الاسطورة القديمة دوراً بارزاً في بعض أعمال الفنانة نجاة مثل تلك اللوحة التي رسمت فيها ربوة يحيط بها عدد كبير من الخطوط في شكل أعشاب، من أسطورة سومرية وقالت: "المجتمع السومري يرى العالم عبارة عن قرية بنيت بيوتها فوق ربوة عالية أطلق عليها اسم "بيت الجبل"، وهذه الربوة ما هي إلا رمز للوحدة والرابطة القوية التي تربط سكان القرية ببعضهم بعضاً. كما أن ارتفاع الربوة يسمح للانسان بأن يرصد حركة قوى الطبيعة. وجعلت الفنانة من هذه الاسطورة عملاً فنياً رائعاً عندما أضافت إليه بعض اللمسات من خيالها بأن جعلت تلك الخطوط أشبه بإيقاع يرمز الى وحدة المجتمع كما أعطت الاحساس بالحركة والديناميكية في اللوحة من خلال رسم بعض العناصر الحية تتصارع مع قوى الطبيعة. وعن وجود المرأة في بعض لوحاتها قالت: "إن معظم الاساطير تدور حول الملكات مثل عشتار وزنوبيا وفينوس وغيرهم، لذلك حاولت أن تكون للامارات فينوس خاصة بها أطلقت عليها "فينوس مليحة"، وقدمتها كعمل فني متكامل، واستوحيت الفكرة من زيارة لمنطقة مليحة في إمارة الشارقة وهي منطقة تاريخية اكتشف فيها الكثير من الآثار. وقد تخيلت وجود رمز للحب والجمال في هذه المنطقة التاريخية وهو ما حدا بي الى أن أقدمها في لوحة خاصة وبإستخدام أبعاد متعددة". وعن دور المتاحف كأداة للاتصال قالت الفنانة الاماراتية: "المتحف كيان حي ولا ينبغي أن يقتصر دوره على انتقاء القطع الاثرية وحفظها، بل عليه أن يلعب دوره في الفن المعاصر بطريقة مبتكرة".