لم يكن المليونير العراقي خلف شبيب يتصور ان يأتي يوم يلقى فيه داخل دبابة، معصوب العينين، ويجبر على الانتظار ست ساعات ورأسه داخل حقيبة بلاستيكية. قال العجوز الذي تخطى الثمانين، فيما سالت الدموع على خديه، انه اذا واصلت القوات الاميركية معاملة العراقيين بهذا الشكل سيلجأون الى العنف. واضاف شبيب وهو بين اكثر رجال الاعمال ثراء في العراق، انه يشعر بالاهانة. وزاد: "أنا حزين لأنني أهنت على يد الاميركان. عاملوني كحيوان. نحن لسنا أعداءهم لكنهم يجعلون منا أعداء. عيناي تمتلئان بالدموع حين أتذكر كيف عاملوني، وأكذب اذا قلت الآن انني لا أريد خروج المحتلين" من العراق. وروى شبيب ان دبابات اميركية حاصرت منزله في 6 حزيران يونيو، فيما حلقت ثلاث مروحيات فوقه، واقتحمه جنود اميركيون وجرجروه وابناءه الأربعة الى الخارج، وربطوا ايديهم خلفهم وعصبوا عيونهم وغطوا رؤوسهم ساعات. ولا يعرف ما سبب الغارة، لكنه يعتقد ان شخصاً قال للاميركيين انه كان يمّول حزب "البعث". وزاد: "ربما عراقي يكرهني همس في آذان الاميركيين وكذب عليهم، فجاؤوا واعتقلوني". وذكر شبيب انه يمتلك شركات باصات ونقل بالاضافة الى عدد من محلات المجوهرات. كما اعتاد تهريب بضائع الى بلدان عربية مجاورة منتهكاً الحظر الذي فرضته الاممالمتحدة على العراق. وهو يعيش مع ابنائه واحفاده، وعددهم 32 في منزل مترف في الفلوجة 70 كيلومتراً غرب بغداد. ومنذ بدء الاحتلال شهدت الفلوجة غلياناً ضد القوات الاميركية التي نشرت تعزيزات للسيطرة على العنف في المدينة ذات الغالبية السنية. ويتزايد غضب كثيرين من العراقيين مما يعتبرونه معاملة خشنة ليس لها ما يبررها من الجنود الاميركيين، اثناء حملات الدهم للبحث عن الاسلحة. ويقولون انهم يفهمون قرار "التحالف" اتخاذ اجراءات صارمة حيازة الاسلحة، لكنهم يريدون من الولاياتالمتحدة ان تضمن لهم الأمن اولاً. قال مدرس في الخمسين من عمره، ذكر ان اسمه حسن: "أوقفوا سيارتي ودفعوني للخارج وألقوا بي أرضاً، ثم ربطوا يدي خلف ظهري وتركوني في قيظ لا يحتمل أربع ساعات. بعدها أخذوا مسدسي وسمحوا لي بالرحيل". ومثل آخرين في المدينة التي يسكنها حوالى 400 الف شخص أكد حسن انه يتمنى عودة صدام حسين! وتابع: "قالوا ان المسدسات ليست ممنوعة، لماذا اخذوه اذاً؟ خلصونا من صدام وجاؤوا بالفوضى. شكراً ولكن لا... أريد ان يعود صدام واحساسي بالأمان". ووصلت الجريمة معدلات تعد سابقة في العراق بعد الحرب. ويتهم مواطنون القوات الاميركية بعدم بذل ما يكفي من جهد للحد من العنف وغياب القانون، لكن مسؤولين اميركيين يؤكدون ان الأمن يتحسن وانهم يعيدون القانون والنظام. وبدأت حملة لجمع الاسلحة الثقيلة من العراقيين مطلع الشهر الجاري، لكن الإدارة الأميركية وصفت الاسلحة التي سلمت بأنها "خفيفة". وروت زوجة شبيب ان النساء والاطفال هربوا من المنزل وهم يصرخون، فيما اقتحمه الجنود وهم يحطمون الأبواب. واضافت انها اصيبت باغماء عندما رأتهم يأخذون زوجها وأولادها بعيداً في دبابة. وذكر اياد ابن شبيب، الذي اعتقل أيضاً، ان الجنود استولوا على اكثر من عشرين الف دولار وعشرة ملايين دينار، وصادروا 18 قطعة سلاح. اما الكولونيل ريك توماس الناطق باسم الجيش الاميركي فأكد ان الجيش لا يصادر اموالاً الا اذا اشتبه في انها جاءت من نشاطات غير مشروعة، او استخدمت لتمويلها. ويظل الجنود الاميركيون في الفلوجة في اقصى حالات التأهب، إذ قتل هناك عدد من زملائهم منذ اطاحة صدام. وأعلن بول بريمر رئيس الادارة المدنية الاميركية ان هؤلاء الجنود سيدافعون عن أنفسهم في مواجهة أي هجوم في الفلوجة، وسيستخدمون القوة إذا اضطروا. وأشار شبيب الى انه وابناءه وضعوا في دبابة دارت بهم حول المدينة ثم القي بهم في حقل حتى الظهر، في قيظ الصيف، وأضاف: "انا عجوز مريض. طلبت منهم ان يسمحوا لي بالذهاب الى مرحاض لكنهم رفضوا، واخيراً عندما بدأوا استجوابي عانيت نزيفاً وسقطت، فأخذوني الى مستشفى". وشدد على ان ابناءه تلقوا معاملة اسوأ اثناء احتجازهم الذي استمر عشرة ايام، وذكر اياد 32 سنة انه كان جندياً في الجيش العراقي لكنه لم يقاتل اثناء الحرب لأنه كان يعارض صدام. وقال: "رفضت ان اقاتل في حرب صدام، والآن يضعونني في السجن ويتهمونني وعائلتي بتمويل حزب البعث"!