قال "بنك الكويت الوطني" في تقريره الأسبوعي عن الأسواق ان ضعف الدولار الأميركي استمر الأسبوع الماضي في أسواق مالية بدأت تحوّل اهتماماتها من العوامل الموسمية ومن المخاطر السياسية ومن أخبار وباء الالتهاب الرئوي الحاد، الى العوامل الاقتصادية الأميركية البحتة، حتى ان ارتباط أسواق الصرف بأسواق الأسهم الأميركية بدأ يضعف هو الآخر. وفي ما يأتي ما ورد في التقرير: يبدو ان حال عدم الاستقرار الاقتصادي في الولاياتالمتحدة بدأت تلبد غيومها سماء الأسواق المالية. فعلى رغم ارتفاع ثقة المستهلك في شهر نيسان بريل الى 81 نقطة، ما يعكس حال التفاؤل بعد السقوط السريع للنظام العراقي، إلا ان الدلائل على صحة الاستهلاك والانتاج الفعلي ما زالت مفقودة. وقد أدى ارتفاع ثقة المستهلك بعد أربعة أشهر من الانخفاض الى بعض التفاؤل لدى بعض القطاعات الاقتصادية. لكن تحسن رقم اقتصادي واحد فقط لن يغيّر من النظرة الاقتصادية السائدة الآن. ويبدو ان رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي، ألن غرينسبان، يتفق مع هذا التحليل، لأن شهادته أمام اللجنة البرلمانية للخدمات المالية في30 نيسان أظهرت الكثير من الحذر في شأن الإفراط في التفاؤل ازاء مسار الاقتصاد الأميركي، حيث شدد على ان التحسن الاقتصادي سيكون تدريجياً على الأرجح. وأشار غرينسبان في شهادته الى نوعين من المخاطر قد يتربصان بالاقتصاد الأميركي، وهما التشاؤم السائد في قطاع الأعمال والذي يعتمد في شكل كبير على عودة ثقة المستهلك، وخطر غياب التضخم الذي بدوره قد يجعل هوامش أرباح الشركات تتآكل ويعيق استثماراتها. وفسر عدد كبير من المحللين حذر غرينسبان هذا على انه تمهيد لاحتمال قيام لجنة مجلس الاحتياط للأسواق المفتوحة بتبني سياسة نقدية منحازة للتخفيض غداً. وكان مؤشر معهد الانتاج الإداري للنشاط الصناعي، الذي عادة ما تترقبه الأسواق بشغف، قد انخفض من 46.2 نقطة في آذار مارس الى 45.4 نقطة في نيسان. ومعلوم ان أي قراءة لهذا المؤشر تحت 50 نقطة يعني ان هذا القطاع يعاني انكماشاً. ومن جهة أخرى، أعلنت وزارة العمل ان عدد العاملين الجدد الذين طالبوا ببدائل فقدان وظائفهم في الأسبوع المنتهي في 27 نيسان انخفض بنسبة 13 ألف طلب. إلا ان معدل الأسابيع الأربعة ارتفع الى 442 ألف طلب. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الوزارة ان معدل البطالة ارتفع في نيسان الى 6 في المئة، وهو أسوأ مما كان متوقعاً وأعلى من سابقه. أما عدد الوظائف غير الزراعية، فقد انخفض بنسبة 48 ألف وظيفة. ومع ان هذا الرقم كان أفضل من الانخفاض المتوقع وهو 60 ألف وظيفة، إلا ان أرقام شهر آذار ارتفعت من فقدان 108 آلاف وظيفة الى خسارة 124 ألف وظيفة بعد مراجعتها. والملاحظ ان خسارة هذه الوظائف كانت مركزة في القطاع الصناعي، حيث فقد هذا القطاع 95 ألف وظيفة في شهر نيسان، وهو ضعف الخسائر المسجّلة في شهري شباط فبراير وآذار. والملفت أيضا ان معدل ساعات العمل الأسبوعية انخفض في شكل كبير من 34.3 ساعة في شهر آذار الى 34 ساعة عمل في شهر نيسان، وان معدل الإيراد الفردي في الساعة ارتفع بنسبة 0.1 في المئة من 15.09 دولار في آذار الى 15.11 دولار في نيسان. وبذلك أضفت أرقام سوق العمل هذه نفحة متشائمة على الوضع الاقتصادي خلال فترة الحرب في العراق، وهي لا تضيء إلا القليل حول إذا ما كان الاقتصاد الأميركي سيتعافى بعد الحرب. وفي شكل عام، تبدو هذه الأرقام مطابقة للانطباع السائد عن ضعف سوق العمل. ويبقى للأسواق أن تقول كلمتها الفصل حول هذا الأمر. على صعيد آخر، ما زال القلق يتصاعد ازاء الطريقة التي ستدير فيها الإدارة الأميركية مشكلة العجزين، وهما عجز الحساب الجاري وعجز الموازنة. وكان وزير الخزانة الأميركي، جون سنو، أكد مجدداً الالتزام بسياسة دولار قوي، مما ضاعف من قلق الأسواق في شأن حاجة الولاياتالمتحدة الملحة لجذب المزيد من الأموال لتمويل العجز المتفاقم في الميزان التجاري. أما بالنسبة للعجز في الموازنة، فالظاهر ان بعض الاقتصاديين لا يبدو مقتنعاً بصحة توقعات إدارة الرئيس جورج بوش من ان العجز سيكون فقط عند مستوى 304 بلايين دولار السنة الجارية. بل ان الكثير منهم يتوقع ان يصل هذا العجز الى مستوى 400 الى 500 بليون دولار. أوروبا يورولاند بعدما استمر تداول اليورو بين 1.05 و1.10 دولار خلال فترة الأشهر الثلاثة الماضية، استطاعت العملة الاوروبية الموحدة القفز فوق هذا النطاق، لتصل الى مستويات لم تحققها منذ أربعة أعوام عند معدل 1.1288 دولار الأسبوع الماضي. وعلى رغم تذكيرنا في تقاريرنا السابقة ان قوة اليورو تعود في شكل أساسي لدوره كعملة ملاذ آمن وبديل مؤقت للمستثمرين، يبدو ان العملة الأوروبية تتجه الى مستويات تفوق قيمتها العادلة. من جهة أخرى، استمر توالي الأرقام الاقتصادية الألمانية السيئة. فعلى سبيل المثال، شاهدنا الأسبوع الماضي انخفاض مؤشر معهد "أيفو" الألماني للثقة من 88.1 نقطة في شهر آذار الى 86.6 نقطة في شهر نيسان. كما انخفض مؤشر مبيعات التجزئة بنسبة 3 في المئة في آذار، حيث أثرت الحرب في العراق على الاستهلاك الفردي وارتفعت معدلات البطالة الى أعلى مستوى لها خلال الأعوام الخمسة السابقة، في ما يبدو انه نتيجة قيام الشركات الألمانية بخفض عدد الوظائف لديها. ومع ان ثقة المستهلك كانت ارتفعت قليلاً في آذار، إلا ان ثقة قطاع الأعمال انخفضت الى أدنى مستوى لها منذ ستة عشر شهراً. ويعتقد بعض المحللين ان أسواق الصرف ستكون أكثر حذراً من ارتفاع اليورو في الفترة المقبلة، لأن من شأن ذلك ان تكون له عواقب على الاقتصاد الأوروبي. وقد يحض ذلك بعض المسؤولين الأوروبيين الى معارضة هذا الارتفاع على رغم ان تصريحات مسؤولي البنك المركزي الأوروبي الأخيرة تشير الى عدم نيتهم التسرع في خفض أسعار الفوائد. ومع ذلك، ستنتظر الأسواق اجتماع البنك الأسبوع الجاري بشغف. والحقيقة انه لا يمكن استبعاد ظهور عمليات جني أرباح بعد الارتفاع الأخير. كما ان الصورة التقنية لتحرك أسعار اليورو تؤكد ان العملة الأوروبية بالغت في ارتفاعها الى حد ما في الأمد القصير. المملكة المتحدة ارتفع الجنيه الاسترليني في شكل حاد الأسبوع الماضي، ليصل الى مستوى 1.6135 دولار. وكانت العملة البريطانية استعادت عافيتها مقابل الدولار بعد الانتهاء السريع للحرب، وبعدما استعاد رئيس الوزراء البريطاني بعضاً من شعبيته. إلا ان الجنيه استمر في ضعفه مقابل اليورو، حيث وصل سعر العملة الأوروبية مقابل الجنيه الى أعلى مستوى له منذ أربعة أعوام عند مستوى 0.7015. من جهة أخرى، يبدو ان المملكة المتحدة قد تفشل في اجتياز الشروط الخمسة للانضمام الى الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الإطار من المتوقع ان تعلن الحكومة البريطانية رسمياً نتائج هذه الشروط الشهر الجاري. ويعتقد عدد كبير من المحللين ان هذا القرار كان وسيبقى قراراً سياسياً قبل ان يكون قراراً اقتصادياً. ويبدو ان الوضع السياسي الآن غير ملائم. لذلك، فإنه من المستبعد ان يتم إجراء استفتاء للانضمام الى الاتحاد الأوروبي في هذه الظروف، لأن احتمالات الرفض كبيرة، وهي قد تعرض رئيس الوزراء لهزات سياسية هو بغنى عنها الآن. أما على صعيد الأرقام الاقتصادية، فيبدو ان المعلن منها أخيراً يشير الى تعارض في ما بينها. فمن جهة، انخفض مؤشر رابطة الصناعة البريطانية ربع السنوي الى 27 نقطة، وهي أسوأ قراءة له من عام. ومن جهة أخرى، ارتفعت ثقة المستهلك من أدنى مستوى لها منذ ثمانية أعوام إلى 5- نقطة في آذار، كما جاء في استبيان مؤسسة "مارتن هامبلن" المرموقة. بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت مبيعات التجزئة الى أكثر مما كان متوقعاً. كما تمت مراجعة أرقام شهر شباط فبراير الى الأعلى. لكن المحللين يعتقدون ان تحسن مبيعات التجزئة يعود فقط الى تحسن حال الطقس في بريطانيا في الفترة الأخيرة، وان صورة الوضع الاقتصادي لا تزال غير مشجعة. ومع ارتفاع مديونية الأفراد في بريطانيا، كما جاء على لسان أحد مساعدي محافظ البنك البريطاني المركزي، فقد أمل البعض ان يعمد البنك المركزي الى تخفيض آخر لأسعار الفائدة. وإذا شاركت الأسواق هذا الرأي، فان ارتفاع الجنيه سيكون مؤقتاً على الأرجح. أما على صعيد أسواق العقار، فقد أظهرت التقارير الأخيرة أن أسعار العقارات لم ترتفع في نيسان، للمرة الأولى منذ ثمانية عشر شهراً. وإذا بدأ هذا التطور في لجم الاستهلاك الفردي، فإنه سيضيف جرحاً آخر الى المتفائلين في مسار الجنيه. اليابان استمر تداول الدولار ازاء الين خلال الأسبوع الماضي ضمن النطاق المحقق سابقاً، فيما احتفل اليابانيون بعطلة الأسبوع الذهبي، مما جعل التداول يدور في فلك تغطية المراكز. واستمر الاقتصاد الياباني على ما هو عليه، فيما أظهرت الأرقام الاقتصادية استمراراً في التدهور، حيث انخفضت مبيعات التجزئة بنسبة 1 في المئة سنوياً في شهر آذار. ومع ان التبادل التجاري الآسيوي لم يتأثر في الفترة الأخيرة، إلا أن وباء الالتهاب الرئوي الحاد ما زال يقلق عدداً كبيراً من المتعاملين في الأسواق المالية. وكان بنك اليابان المركزي فاجأ الأسواق الأسبوع الماضي عندما قرر خلال اجتماعه الشهري الأخير ان يرفع الكميات المستهدفة للحسابات الجارية لدى البنوك من 22-17 تريليون ين الى 27-22 تريليون ين. كما أقر البنك بقبول ضمان القروض الى مؤسسة الإنعاش الصناعي، في ما يبدو ان ذلك سيمهد الطريق في النهاية الى امتصاص القروض المعدومة. وكانت أسواق الأسهم الضعيفة ومشاكل البنوك اليابانية وحال عدم الاستقرار في الأسواق من أهم أسباب اتخاذ البنك المركزي الياباني لهذه الخطوات المفاجئة. ومع ان هناك اختلافاً في الرأي في شأن تأثير هذه الخطوات، فإن نظرة الأسواق بدأت تتبدل شيئاً فشيئاً الى سياسة البنك المركزي لإنعاش الاقتصاد. ورأى عدد كبير من المحللين ان هدف هذه الخطوات هو تقوية ميكانيكية نقل سياسة التحفيز النقدية الى الاقتصاد وليس زيادة في التحفيز نفسه، كرفع مبالغ شراء السندات الحكومية اليابانية والذي أثبت عدم جدواه. أما على صعيد العملات، فقد وضع تصريح الناطق باسم وزارة المال اليابانية الأسواق في حال ترقب من احتمال تدخل في أسواق العملات، بعد هبوط الدولار الأخير الى أقل مستوى له مقابل الين في ستة أسابيع قرب 118.00. أما ازاء اليورو، فيبقى الين ضعيفاً، حيث سجلت العملة الاوروبية أعلى مستوى لها منذ أربعة أعوام عند مستوى 133.85. ويعود ارتفاع اليورو هذا الى تدفق الأموال من الين الى اليورو والناتج عن انخفاض مؤشر "نيكاي" للأسهم اليابانية الأخير، حيث تم تداول هذا المؤشر قرب أدنى مستوى له منذ 20 عاماً لعدة أيام الأسبوع الماضي.