الأطفال الإعلاميون في حضرة أمير الحدود الشمالية    وزير الاستثمار: 600 شركة عالمية تتخذ المملكة مقرا إقليميا لها    الكشف عن تسليم 100 طائرة بخمس سنوات بالتزامن مع استلام الناقل السعودي أول طائرة A320neo في 2025    على عكس «الفيدرالي».. ترمب: يجب خفض الفائدة    صحف عالمية تحذر من انهيار هدنة غزة    فريق تقييم الحوادث باليمن ينفي قيام التحالف باستهداف عدد من المنازل والمباني    الاتحاد السعودي للشطرنج.. رؤية جديدة نحو العالمية    العدل: منصة نافذ سرّعت الإجراءات وقلّلت التكاليف وزادت الشفافية    أمير الحدود الشمالية يستقبل الأطفال الإعلاميين بعد إتمامهم برنامج «الإعلامي الصغير»    محافظ الأحساء يكرّم الفائزين بجائزة تميّز خدمة ضيوف الرحمن    وفود العسكريين يزورون مجمع الملك فهد لطباعة المصحف    كانسيلو على رادار مانشستر يونايتد.. هل يوافق الهلال على بيع اللاعب؟    الأمير فيصل بن بندر يكرّم طلبة تعليم الرياض الفائزين في الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    لترتيب المرحلة الانتقالية ..سورية تشكل اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني    «الأرصاد»: أمطار رعدية على معظم مناطق السعودية    قائد القوات الخاصة للأمن والحماية يزور جناح وزارة الداخلية في "ليب 2025"    أمير الشرقية يدشن فروع شمعة التوحد بالأحساء والظهران ويفتتح جمعية "نمو"    ليب 2025 .. استثمارات تقنية تتجاوز 500 مليون دولار لدفع تحول قطاع الأعمال السعودي    ركن الحرفيين يجذب زوّار معرض جازان للكتاب    جامعة الملك عبدالعزيز تحتفل بتخريج الدفعة ال ( 54 )    الأردن: لا توطين.. لا تهجير.. ولا حلول على حسابنا    حكومة لبنان: بيان وزاري يُسقط «ثلاثية حزب الله»    «اليونسكو» تستشهد ب«سدايا» نموذجاً عالمياً في دمج البيانات والذكاء الاصطناعي    السعودية تتسلّم رئاسة الشبكة العالمية لسلطات إنفاذ قانون مكافحة الفساد    «أرسين فينغر» يطلع على استراتيجية المنتخبات والإدارة الفنية    من رواد الشعر الشعبي في جازان.. الشاعر مهدي بن قاسم فقيهي    نيابة عن خادم الحرمين.. ولي العهد يرعى الحفل الختامي لمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل    «ريمونتادا» مثيرة تقود ريال مدريد لكسر عقدة مانشستر سيتي بفوز تاريخي    "بونهور" مديراً فنياً لاتحاد كرة القاعدة والكرة الناعمة    القلعة يقترب من"الثانية"    الصيد.. تجربة متكاملة    المملكة 11 عالميًا والأولى إقليميًا في المؤشر العالمي لسلامة الذكاء الاصطناعي    المملكة تواصل جهودها الإنسانية عالميًا عبر «الملك سلمان للإغاثة»    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد يؤكد : رفض قاطع لتصريحات إسرائيل المتطرفة بتهجير الفلسطينيين    مناقشة سبل مكافحة الأطفال المتسولين    إزالة «العقارات العشوائية» بمكة ينشط أسواق المستعمل والسكراب    قرد يقطع الكهرباء عن بلد بالكامل    الدول العربية تبلغ واشنطن رفض خطة ترمب لغزة    مصر: سنقدم تصورا متكاملا لإعادة إعمار غزة مع ضمان بقاء الفلسطينيين    مملكة الأمن والأمان    سلمان بن سلطان: القيادة تولي اهتمامًا بتنمية المحافظات    فنانة مصرية تتعرض لحادث سير مروع في تايلاند    توثيق تطور الصناعة السعودية    الساعاتي..عاشق الكتب والمكتبات    أمير القصيم يكرم 27 يتيمًا حافظًا للقرآن    القيادة تهنئ الرئيس الإيراني بذكرى اليوم الوطني لبلاده    رأس اجتماع لجنة الحج والزيارة بالمنطقة.. أمير المدينة: رفع مستوى الجاهزية لراحة المصلين في المسجد النبوي    أمير منطقة المدينة المنورة يرأس اجتماع لجنة الحج والزيارة بالمنطقة    أمريكية تفقد بصرها بسبب «تيك توك»    «حملة أمل» السعودية تعيد السمع ل 500 طفل سوري    بعض نقاط التمييز بين اضطرابات الشخصية    «المحتوى الشبكي».. من التفاعلية إلى الاستقطاب!    بصراحة مع وزير التعليم !    أوغندا تسجل إصابات بإيبولا    الاستحمام البارد يساعد على النوم    القشطة والفطائر على وجبات الإفطار بالمسجد النبوي    زار" خيبر" واستقبل المواطنين.. أمير المدينة: القيادة مهتمة بتنمية المحافظات والارتقاء بمستوى الخدمات    الإنسان قوام التنمية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسبنا الباشا باشا
نشر في الحياة يوم 28 - 05 - 2003


1
لما توفي والدي في دمشق عدنا الى الناصرة ونزلنا في بيت جدي لأمي - عبدالله.
كان جدي يومها في الثمانين من سنه، لكنه لم يبد ذلك عليه. كان هو وستي يعيشان في الدور الاول من بيت مكون من عقد واسع وغرفة مونة كانت تستعمل مطبخاً في الشتاء، أما الطبخ في ايام السنة الاخرى فكان يتم على موقد في الخارج يرتكز الى جدار المنزل. وهناك غرفة اضافية كان جدي يحتفظ فيها بأدوات كان يستعملها في نكش الارض حول الاشجار الكثيرة في بستانه وفي نبش الارض في المساكب التي كان يزرع فيها حاجاته وحاجات ستي من الخضار.
نزلنا خمسة: امي وأربعة اولاد انا الاكبر بينهم، ضيوفاً على جدي. وجاءت خالتي صوفيّا وخالي سامي لترتيب قضية مساعدة امي على تربيتنا - اذ لم يكن في وسع جدي ان يعنى بهذه الاسرة. تعهدت خالتي - وكانت تعمل ممرضة في المستشفى الانكليزي في الناصرة، وتقيم فيه، بالعناية بأخي ألفرد، وكان خالي موظفاً في سكة الحديد ومقره طولكرم نعم طولكرم ما غيرها، اختارني للاهتمام بي. لذلك بعد ايام حزمت ما كان عندي من ثياب ووضعتها في ما يشبه الشنتة، وذهب مع خالي.
2
كان خالي يقيم في جناح صغير في محطة سكة الحديد فيه غرفة نوم وغرفة جلوس وطعام معاً، ومطبخ. كان المبنى حديثاً وملحقاً بالمبنى الأفخم طبعاً الذي كان يقيم فيه شكري بك، المهندس والمسؤول عن ادارة الخط بين السيلة وطولكرم وعرابة.
سررت بالمكان. المحطة فيها قطارات للركاب والشحن. وكان موسم البطيخ في اوجه تقريباً. وكان منتجو البطيخ ينقلونه الى محطة طولكرم حيث يكَوَّم تمهيداً لشحنه بالقطار خصوصاً نحو الشمال. وكنت سمعت من ابي مرة في دمشق ان هذا البطيخ الذي اكلناه جاء من طولكرم. وها انا الآن اعيش في منطقة تنتج البطيخ وتشحنه الى انحاء البلاد.
وبتأثير من شكري بك أُدخلت المدرسة الحكومية الرسمية في طولكرم البلدة التي كانت تبعد نحو ربع ساعة مشياً عن المحطة.
وسررت لوجودي في مدرسة، وأنا اذكر الى الآن صورة كتاب القراءة الذي استعمله صفي في المدرسة، وان كنت لا اذكر اسمه. كان مجموع قصص قصيرة، اكثرها على السنة الحيوان. وخيل الي لما تعرفت الى كتاب كليلة ودمنة ان معدَّ ذلك الكتاب اخذ قصصه من الكتاب الكلاسيكي.
3
كانت يومها الحرب العالمية الاولى ملتهبة في اوروبا، وكان جمال باشا ولي امر حكم بلاد الشام بأكملها وقيادة الجيش التركي الرابع.
وجاء يوم أنبأنا فيه مدير المدرسة اننا يجب ان نلبس في اليوم التالي احسن ثيابنا وأنظفها لأن جمال باشا سيزور طولكرم، وستكون المدرسة في استقباله.
وهكذا كان، اخرجنا من المدرسة وصففنا على جانبي الطريق الذي سيمر به الباشا. وبدأنا بالنشيد والهتاف. ولأنه لم يكن مر علي الا وقت قصير في المدرسة، ولم يحدث ان مر بنا يوم رسمي، فلم اكن اعرف الكلمات التي يرددها الطلاب بين الحين والآخر، مع موسيقى الجيش اشغالاً للوقت - في ما حسبت - وتمريناً لما سنقوله عندما يصل الباشا. وكنت انا صامتاً لأنني، كما قلت لم اكن اعرف الكلمات التي يرددها الطلاب، واذا بأحد المدرسين يقترب مني وقد جمع كل قوته، و"يرقعني" كفاً ممتازاً كدت اقع من قوته على الارض ويضيف يا حمار انشد مع الباقين. بكيت من الألم ولم افهم ما قال وأخذت أبكي، فإذا به يقترب مني، وعنده استعداد لتوجيه كف آخر للجهة الاخرى من وجهي، لولا ان منعه زميل له، ويقول اسكت لا تبكي هكذا لفظها.
وجاء الزميل وسألني لماذا لا تنشد مع الباقين، قلت لا اعرف وأنا اشهق بالبكاء طبعاً لا اعرف ماذا يقولون، فأنا جديد في المدرسة.
وعرفت ان الطلاب الصغار وكانت المدرسة ابتدائية كانوا ينشدون النشيد الرسمي للدولة العثمانية، وبعد كل جزء منه كانت ترد فيه عبارة با دِشاَهِم جوق تْشُوق ليشاهد ومعناها كما قيل لي يومها ليعش المليك بادِ شاه طويلاً.
مر الباشا وكان يطرح السلام على الجماهير التي اصطفت بالأمر شبه العسكري طبعاً على جانبي الطريق. وبعد ان انهى استعراضه، وكأنه يبارك الموجودين، ركب سيارته في نهاية العرض البشري وسار كنت شاهدت سيارته في دمشق، اذ كان يجتاز بها شارع مدحت باشا.
4
في تلك الليلة جاء الحاج حسن وهو المتعهد الذي كان يعنى بالمحافظة على بناء المحطة، وبيت المهندس، ومكان اقامة خالي، والمخزن الذي توضع فيه الادوات التي قد يحتاجها موظفو القطار لاصلاح الخلل البسيط الذي يتعرض له. جاء الحاج حسن ليسهر عند خالي وموظف آخر في المحطة، على عادتهما.
سأله الموظف: "يا حاج حسن حضرت انت المشهد اليوم" وكان الموظف لم يذهب لأنه كان يجب ان يظل في المحطة للمحافظة عليها. فكان جواب الحاج حسن انه حضر.
وسأله الموظف: "كيف شُفْتِلنا رأيت هالباشا؟".
فكان جواب الحاج حسن طريفاً وحفظته من ذلك الوقت: "حسَّبْنا الباشا باشا، أتراته فإذا به الباشا زلمة متل هالناس.
5
بعد بضعة شهور قتل خالي في العفولة اذ انفجرت قنبلة كانت الطائرات البريطانية ألقتها على المحطة ولم تنفجر رفيقاتها انفجرت وأحدثت اضراراً مادية - فانفجرت، اذ كان احد الركاب عثر عليها، وأخذ يعالجها. فقتلت 7 أو 8 اشخاص. وعدت الى الناصرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.