وفق قرار الجامعة العربية، وقبل أشهر قليلة من إعلان قيام الدولة العبرية على الجزء الأكبر من الأرض الفلسطينية، دخلت قوات الجيش العراقي بقيادة الفريق نور الدين محمود إلى فلسطين متخذة من مناطق الوسط والمثلث وجنوب مدينة حيفا ميداناً لعملياتها العسكرية إلى جانب القوى النظامية العربية الأردنية والسورية والمصرية واللبنانية التي تمركزت في بقية الأراضي الفلسطينية، فضلاً عن قوات الإنقاذ والجهاد المقدس. وفي هذا السياق أسّس فوج الكرمل الفلسطيني تحت قيادة وإشراف القوات العراقية من أبناء قرى وبلدات جنوب مدينة حيفا، خصوصاً قرى وبلدات: أجزم، عين حوض، جبع، أم الزينات، عين غزال، الحدثة، سيرين، كوكب أبو الهيجاء، عتليت، الصرفند، كفرلام، الطيرة، الطنطورة، الفريديس... بهدف مساعدة الجيش العراقي في عملياته العسكرية واستكمال فعل المقاومة للمشروع الصهيوني. وتضم مقابر الشهداء في مدن شمال الضفة الغربية رفات المئات من شهداء الجيش العراقي في حرب فلسطين. وبعيد وقوع النكبة بفترة وجيزة صدرت الأوامر الملكية من بغداد القاضية بانسحاب الجيش العراقي من فوق الأرض الفلسطينية الواقعة ما قبل خطوط التقسيم من دون مبرر تاركةً مناطق اللد والرملة، وتمركزت بعض القطعات العسكرية العراقية بعد انسحابها من وراء خطوط التقسيم في مناطق نابلس وجنين وطولكرم. وفي هذه الأثناء أخرجت القوات العراقية أبناء وعائلات فوج الكرمل من فلسطين إلى العراق باعتبارهم متطوعين في صفوف القوات النظامية العراقية، وبواقع خمسة آلاف نسمة هم نواة اللاجئين الفلسطينيين الذين استقروا على أرض العراق في منطقة معسكر الشعيبة قرب البصرة حتى عام 1956 عندما تمت عملية إعادة إسكانهم في المساكن الجماعية قرب بغداد، في حين بقيت أعداد منهم في البصرة، ورحلت أعداد إضافية نحو الموصل. وأصبح تعدادهم يقارب 42 ألف نسمة مع نهاية عام 2002. ومذذاك ولدت مأساة هذا التجمع من أبناء فلسطين الذين خرجوا من أرض الوطن على أمل العودة السريعة تحت بيارق القوات العربية. ولكن التجمع الفلسطيني اللاجئ فوق الأرض العراقية منذ عام 1948 بقي تجمعاً منسياً طواه الإهمال وسوء الرعاية التي عومل بها هؤلاء اللاجئون، على يد مختلف الحكومات والنظم التي تعاقبت على السلطة في العراق على رغم إعلانها الالتزام بما أقرته الجامعة العربية في شأن مساواة اللاجئ الفلسطيني مع المواطن في بلد اللجوء المعني. ففي الواقع العملي بقيت عملية مع التعاطي مع الوجود الفلسطيني اللاجئ حول القضايا الحياتية واليومية والرعاية من جوانبها المختلفة من دون الحدود الدنيا المطلوبة، على الأقل قياساً بالمعاملة التي يلقاها اللاجئون الفلسطينيون في سورية حيث يبلغ عددهم نحو نصف مليون لجهة المساواة التامة مع المواطن السوري. وما "زاد الطين بلة"، رفض العراق وحكومة نوري السعيد آنذاك السماح لوكالة غوث اللاجئين المعروفة باسم "وكالة أونروا"، تسجيل ورعاية اللاجئين الفلسطينيين، ما حرمهم من أبسط الحقوق في التسجيل ضمن سجلات الأونروا، وهي الهيئة الدولية التي كرست الاعتراف العالمي بمأساة الشعب الفلسطيني وبوجود اللاجئ الفلسطيني وعدالة قضيته، ف"الأونروا" معنية في شكل مباشر بتوفير خدمات الإغاثة والصحة والتعليم لأكثر من نصف الشعب الفلسطيني، إلى حين عودتهم إلى وطنهم وديارهم الأصلية على أساس القرار 194 وفق قرار إنشائها عام 1950. وفي هذا الإطار عاش اللاجئون الفلسطينيون فوق الأرض العراقية ظروفاً قاسية على رغم شهور العسل الطويلة التي حكمت مسار العلاقات الرسمية بين القيادات التقليدية الفلسطينية وقيادات النظم التي تعاقبت على الحكم في العراق منذ قيادة الحاج أمين الحسيني وصولاً الى إلقيادة الفلسطينية الحالية، اللهم سوى مرحلة واحدة تحسنت فيها أحوال اللاجئين بعد انقلاب عام 1968 الذي جاء بحزب البعث إلى السلطة حاملاً شعاراته القومية، فطبّق عدد من القرارات التي اتخذت في فترات سابقة في العراق وبقيت حبراً على ورق. وللحق، فإن الجهود التي بذلت بعد عام 1968 أدت إلى خطوات إضافية اتخذتها الحكومة العراقية آنذاك وأفضت إلى استصدار مراسيم وقرارات رئاسية سهلت حركة اللاجئ الفلسطيني ومكنته من حق التملك والعمل أسوة ببقية المواطنين العراقيين، فضلاً عن إعادة إسكان غالبية اللاجئين في مناطق سكنية لائقة وفق الحد الأدنى من المعايير المطلوبة. وأول هذه التجمعات يقع شرق بغداد في المنطقة المسماة "مساكن البلديات" والتي يحاول بعض الأطراف العراقية الآن إخراج العائلات الفلسطينية منها تحت ذرائع مختلفة. وتضيف مأساة العراق وانفلات الوضع الداخلي في معظم المدن العراقية بعد انتهاء المرحلة الأولى من الحرب هموماً جديدة بالغة القسوة لم يكن أي من العرب أو الفلسطينيين واللاجئين منهم في العراق خصوصاً في حاجة إليها، ف"بارومتر" الملف الفلسطيني يتأثر ويتأرجح في شكل شديد الحساسية مع ملفات المنطقة بأسرها، خصوصاً أن الموضوع العراقي أضحى متقيحاً يرهق فلسطين ويرمي بتداعياته على القضية الفلسطينية. وبالعودة إلى الوراء قليلاً يمكن تلمس ما تركته حرب الخليج الثانية عام 1991 من آثار سلبية دفعت العرب صاغرين للتوجه نحو تسوية منقوصة وبعيدة من التوازن، حيث نال الطرف الفلسطيني فيها الحصة المتواضعة بعد ذهابه اليتيم بوفد وضع تحت العباءة الأردنية ومن دون تمثيل للشتات. وبعد انتهاء الجولة الأولى من الغزو الأنكلوسكسوني على العراق ودخول مشاة البحرية الأميركية مدينة بغداد وقعت أعمال انتقامية شنتها أطراف عراقية ضد اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في العراق منذ العام 1948، وهذه الأطراف هي من نمط وتركيبة الأطراف ذاتها التي رحبت بالغزو الأميركي - البريطاني، وجاء بعضها من الخارج فوق ناقلات الحرب الأميركية. ويضع تصاعد هذه النبرة المعادية اللاجئين الفلسطينيين في العراق أمام حال مأسوية تفاقم ما هو قائم من ظروف قاسية. لذلك فإن قوى الشعب العراقي المعبرة عن الحقيقة الوطنية والقومية ووحدة المصير الذي يجمع أبناء فلسطينوالعراق مدعوة لتفويت الفرصة على الذين يحاولون توليف وصوغ العراق بالتوافق مع إرادة الغزاة، والتصدي لمحاولات تكريس الفتن الداخلية بين أبناء العراق أنفسهم من عرب وأكراد وتركمان وكلدان وآشوريين ومن مختلف الاثنيات. * كاتب سياسي فلسطيني مقيم في دمشق.