لا يزال السقوط السريع ل"بغداد" من دون مقاومة، لغزاً محيراً لدى الكثير من المتطوعين الذين تركوا اهلهم وديارهم واولادهم وأموالهم وراءهم بهدف "الجهاد في سبيل الله". لكن غالبية هؤلاء المتطوعين الذين عادوا اخيراً من العراق يجمعون على انهم "غير نادمين" على خطوتهم وأنهم راضون طالما انهم ليسوا مسؤولين عن "نكسة حزيران" اخرى في العراق. اللافت ان لا سن محدداً لهؤلاء فاعمارهم تراوح بين 16 و55 سنة، ولا ينتمون الى فئة اجتماعية محددة. فمنهم الميسور ومنهم المتوسط الحال ومنهم الفقير. لم يذهبوا الى الحرب بسبب المال لان بعضهم باع جزءاً مما يمتلك ودفع اجرة الطريق ولم يتلق قرشاً واحداً من الحكومة العراقية. ويحكي هؤلاء الذين التقت "الحياة" عدداً منهم، روايات مختلفة عن تجربتهم، لكنها كلها تصب في ان هناك حلقة "مفقودة" لم تكشف حتى الآن. مصطفى العيد 22 سنة سنة ثانية هندسة كهرباء، هو احد الذين انطلقوا من مدينة حلب شمال البلاد متطوعاً قاصداً بغداد مع زميله رمزي وهو طالب سنة ثانية ادب انكليزي، وامامها هدف واحد: "لا نريد فلسطين اخرى نندم عليها بعد فوات الأوان"، كما يقول مصطفى. ويضيف: "انطلقنا من حلب أنا ورمزي الذي لم يعد ولا نعرف عن مصيره شيئاً، باتجاه دمشق قاصدين شعبة المصالح العراقية. وفي اليوم الثاني اجتمعنا مع مجموعة اخرى من المتطوعين ونقلنا الى مدينة القائم على الحدود وقضينا ليلتنا في الجامع الكبير هناك، قبل ان ينقلنا المسؤولون العراقيون الى فندق السدير في بغداد حيث تواجدت مجموعات كبيرة من المتطوعين العرب". ويتابع مصطفى: "في الصباح نقلنا الى محافظة ديالا التي تضم معسكرين للتدريب احدهما لذوي الخبرة في استعمال الاسلحة والآخر للمبتدئين. كنت انا ورمزي في معسكر المبتدئين الذي ضم 200 متطوع، قضينا سبعة ايام في المعسكر من دون ان نتلقى اي تدريب وكان الوضع مريباً في المعسكر. فالضباط يذهبون ولا يعودون وكلما سألنا عن الاسلحة أجابونا لم انتم مستعجلون". ويوضح مصطفى: "بقي في المعسكر خمسة جنود عراقيين مسؤولين عنا أبلغونا بأننا سنذهب الى بغداد للقتال ووزعوا علينا رشاشات كلاشنيكوف فقط، واتجهنا الى ملعب كبير في بغداد حيث تعرضنا الى هجوم مفاجئ من شخص في سيارة "بيك آب" بدأ يرش المجاهدين برشاشه فاخبرنا العنصر العراقي انه احد الخونة". ويقول مصطفى: "أفهمنا في البداية ان مهمتنا ستكون في مواقع الانزال الاميركي، وعلى هذا الاساس وزعنا مرات عدة على مواقع يفترض ان تشهد انزالاً لم يحدث. بعد ذلك تعرفنا الى زملاء لنا من سورية هم خمسة شبان سنة خامسة طب من جامعة دمشق. انضممنا الى مجموعتهم التي كان مسؤولاً عنها عضو فرقة حزبية، وقسمنا الى خمس مجموعات اختيرت منها مجموعتان للتصدي للانزال في مطار المثنى وفي حي الاسكان شارع 14 رمضان، ووزعنا كحرس وأبلغونا بأنه في حال شاهدتم حركة غريبة لا تطلقوا النار فقط اخبرونا بما يجرى. واختفى هؤلاء المسؤولون وبقينا ثلاثة ايام ولم يسأل عنا احد فقررنا الرحيل الى موقع آخر، والتقينا بفرقة حزبية فأعادونا الى الموقع الاول نفسه فاعترضنا وقلنا لهم نريد ان ننزل الى بغداد فطلبوا منا ترك اسلحتنا وفعلنا. وفي الطريق لم نجد اي موقع للجيش العراقي ورأينا الاسلحة متروكة فقررنا الالتحاق بأي مشفى للمساعدة فتوجهنا الى مشفى ابن النفيس من دون ان نعرف ان بغداد سقطت، وفي المشفى رفضوا مساعدتنا لكنهم استضافونا لليلة واحدة". ويشرح مصطفى: "في اليوم التالي كان الوضع في بغداد كله فوضى، عمليات سرقة ونهب والدبابات الاميركية تحيط بالمواقع الحكومية عندها ادركنا انه لا مكان لنا في بغداد وعلينا العودة فخرجنا الى منطقة الاعظمية واتفقنا على ألا نتكلم مع أحد لأن الوضع كان مرعباً. لكن في حي الاعظمية اعترضنا اثنان من السكان وسألونا: انتم من المتطوعين السوريين أليس كذلك؟ لكنهم كانوا لطفاء معنا استضافونا في بيتهم وكان احدهم ملازماً اول في الجيش العراقي. وفي اليوم التالي أمنوا لنا الطريق الى الفالوجة ومن ثم انتقلنا عبر الاراضي الزراعية الى منطقة البوكمال السورية وعدنا الى الديار بعد مضي 15 يوماً". اما أبو محمد 52 سنة من سكان الشاغور في مدينة دمشق، فباع معمله وأمن زوجته واطفاله الثلاثة وذهب الى بغداد قاصداً "الشهادة في سبيل الله" وكله قناعة بأن "الحرب الاميركية ضد العراق هي حرب ضد الاسلام ومن اجل النفط". ويقول أبو محمد: "ذهبنا لمساعدة اشقائنا العراقيين للحفاظ على الارض ولم يكن هدفنا الحفاظ على النظام". ويشير الى معاناة المتطوعين الشديدة في بغداد للغياب المفاجئ للجيش العراقي لوضعهم في الخنادق المتقدمة من دون اسلحة او تعليمات. ويضيف: "رفض عنصر من الجيش العراقي التصويب على طائرة اميركية "اباتشي" وطلب من احد الزملاء المتطوعين عدم فعل ذلك بحجة ان الطائرة عراقية! يضاف الى ذلك كله معاناتنا التي لم نتوقعها مع بعض العراقيين الذين دخلنا في معارك معهم واضطررنا الى الخروج من بغداد خلسة اثناء الليل خوفاً من القتل على ايديهم". في المقابل يؤكد بعض المتطوعين العائدين، وصالح 33 سنة واحد منهم، انهم شاركوا في بعض معارك الانزال وانه ساهم مع بعض المتطوعين في طرد كتيبة من الاميركيين في معركة عند "الجسر المعلق" الذي يربط بين شطري بغداد، حيث استمرت المعركة اكثر من ساعتين وتم محاصرة الاميركيين الذين نقلوا بالمروحيات. ويؤكد سمير احمد 25 سنة انه ساهم في مواجهة ضد رتل من الدبابات الاميركية في منطقة الاعظمية وان مجموعته اصابت عدداً كبيراً من الجنود الأميركيين وحمل عناصرها تذكارات لانتصارهم لكن لم يسمح لهم بادخالها على الحدود.