لعلّك تجهل أنّني أكرهك، أكره ضعفي أمامك حينما تجتاح عالمي ملكاً يرمي صولجانه بوجهي متربعاً على عرشي، متبختراً متمايلاً، قالباً الواني رأساً على عقب، مبعثراً أوراقي، ملهباً حواسي ومستعذباً أنّاتي. أكره ابتسامتك الصفراء عندما تجدني خائرة خانعة، مستسلمةً للذة تقطرها في فمي تقطيراً. وأكره نفسي أكثر من كرهي إياك، أمقتها لأنّها تقبل الرضوخ لعالم وعودك وهي مدركة أنّها تجترع من كأس أوهامك. ألأنّني امرأة يدبّ في حناياي صخب عشق ثائر، ألأنّني امرأة تلطم أمواجه الصاخبة جدران كياني وتخطف زوابعه أنفاسي، وتدفئ قيثارته وسادتي؟ ألأنّني امرأة لا أقوى على البعد عنك، ولا أستروح رائحة الهناء إلا حينما تفوح بعطر عبيرك؟ ألأنّني امرأة أمسي من دونك وترًا هزيلاً يغنّي الشجن؟ تزعم أنّ الرجل لا يعرف الحبّ كما المرأة، تجزم أنّه يحبها، طبعاً يحبها وكيف له ألا يحبّها، ولكنّ حبه حكيم متّزن، حبه لا يعرف الولع حتى الاحتراق ولا يقطف من سماء الأحلام نجوماً يودعها ثغر الحبيبة ولا يخطف من قوس القزح ألواناً ينثرها في رحاب جنة يصنعها بيديه، جنة لا يطأها إلا من أسلمه روحه وأودع بين يديه لذّة تعذيبه. حبه هادئ، مستكين، لا تعكّر صفو مياهه أمواج عاتية، ولا تلبّد سماءه غيوم تنذر بمطر حزين. اليوم قررت أن أنزع مرساتي من قعر دنياك، سأسلخ جذورك الزاحفة إلى أعماقي، سأجتثها من الوريد، وأجدّف بها بعيداً عن يابستك، بعيداً عن طغيان جبروتك وفتور أمانيك. بالأمس كنت لا أجد موطناً ألقي فيه أعاصيري إلا في عينيك، بالأمس كنت تدخل البسمة إلى فؤادي بلمحة حين تنعم برؤياك، معك كنت أستحيل نغماً ينبض بأمل واعد، كنت تلوّن أثيري بألف لون ولون، فأهرع إلى أحضانك لأرتوي من معين خلته لا ينضب. اليوم انتفضت نفسي على نفسي وتمرّدت ذاتي على ذاتك، سئمت عنائي مع روح لا تعشق حتى الوله، لا تقضي الليل عطشى للمسة يد، أو دفء نبرة أو سحر لحظات يقطفها من يدي الثكلى من بعد الفراق. اليوم بات عالمي بجوارك باهتاً مثقلاً بأغلال ترهق كياني، تشدّني إلى الأسفل، تخنق أنفاسي، تعمي بصيرتي... نعم علّني كنت امرأةً حين أعطيتك أكثر ممّا تطلب، حينما تركتك تغرف من حناني بلا ورع، حينما جعلتك تحتلّ كياني مقيماً فيه مملكتك، فما كنت أشعر بأنوثتي إلا بدفئك، عندما أغمض جفنيّ على ملامحك وذكريات وردية قضيتها معك، وأمل بلقاء في غد مشرق أبداً بقربك. اليوم سأضرب بنفوذك عليّ عرض الحائط، سأحرّر نفسي من قيودك، سأحطّم سياجك الذي زرعته في تفاصيل حياتي الصغيرة وأفتّت فؤادي أمام ناظريك... وسأمضي نحو مستقبل لا مكان فيه لطيفك. لا لست المرأة التي تزعم، تلك التي خلتها ضعيفةً لأنّها تهواك، بل فيّ من الأنوثة ما يكفي للإيمان بعشق ثائر ولهان ومن الرجولة ما يكفي لألمم أشلائي المبعثرة تحت قدميك وأهمّ بالرحيل!