المخرج السينمائي السويدي الكبير انغمار برغمان، يعتبر الكاتبين المسرحيين هنريك ابسن وأوغست سترندبرغ استاذيه الكبيرين. وبرغمان إذ ينكب اليوم، في عودة الى السينما بعد حوالى عشرين عاماً، على إنجاز فيلم جديد عنوانه "سارابندا" يكمل به روايته حياة زوجين كانا افترقا عند نهاية فيلم سابق له هو "مشاهد من الحياة الزوجية"، من المؤكد ان واحداً من مراجعه لعلاقة الثنائي والحب والحياة الزوجية، هو مسرحية "بيت الدمية" لإبسن، ثم كتاب "المتزوجون" لسترندبرغ، مع العلم ان الارتباط بين الكتابين حاسم، إذ لولا ان النروجي ابسن كتب مسرحية "بيت الدمية" التي اثارت ضجة كبيرة حين عرضت للمرة الأولى في العام 1884، ما كان لسترندبرغ ان يكتب "المتزوجون". فهذا الكتاب الأخير، الذي يعتبره كثر من اهم كتابات سترندبرغ غير المسرحية، ولد في الحقيقة من رحم السجالات الحامية حول الزواج وحرية المرأة ووضعها في المجتمع، والتي ثارت انطلاقاً من "بيت الدمية". وهذا الأمر يقوله لنا سترندبرغ منذ البداية حيث يشير في مقدمته الى انه "منذ اللحظة التي عرضت فيها مسرحية "بيت الدمية"، صار يخيل للنساء جميعاً انهن لسن في عرف المجتمع سوى دمى، وأن كل زوج على الإطلاق يحمل في داخله طاغية حقيقياً". طبعاً لم يشأ سترندبرغ لكتابه ان يكون دحضاً لهذا الاعتقاد، بل اراده مساهمة حقيقية، فنية وسوسيولوجية، ترسم ابعاد هذا الموضوع الشائك. والحال ان مساهمة سترندبرغ اتت في وقت كان صوت المرأة في الدفاع عن حريتها ارتفع كثيراً، واعتبرت السيدات المناضلات في سبيل الحرية ان مؤسسة الزواج هي سجنهن الكبير والأزواج هم السجانون. في كتابه الذي يضم مقدمة مستفيضة، وقطعاً نقدية وقصصاً وأمثولات، اتى سترندبرغ ليؤكد على الأقل، جانباً يتعلق حقاً بالمؤسسة الزوجية نفسها. ويبدأ الكاتب بأن يثني على مسرحية زميله النروجي واصفاً إياها بأنها "عمل حساس ورومانسي يتسم بهشاشة مثالية". والحال ان هذا الحكم كان طبيعياً من لدن سترندبرغ الكاتب الذي تميزت مسرحياته دائماً بكونه التقط فيها دائماً الجانب الجوهري والغريزي من العواطف والمواقف. ولسوف يفسر لنا سترندبرغ كيف انه يعتبر الحب اندفاعة حقيقية وصادقة وطبيعية تكون في اوجها حين يأتي الزواج ليشوهها إن لم يدمرها. وبعد ان يوضح سترندبرغ موقفه هذا في المقدمة وفي شكل شفاف يشي بأنه يرى ان المرأة هنا هي الضحية الدائمة، نراه ينتقل في الفقرات التالية، في الملاحظات كما في القصص القصيرة والأمثولات التي يخبرنا هو نفسه انها منتزعة من صميم واقع الحياة، ليحدثنا عن الصراع الدائم بين الزوجين كأمر هو من طبيعة سمات مؤسسة الزوجية، كما يحدثنا عن فعل الأمومة نفسه بصفته التبرير الوحيد الذي يمكن المرأة ان تستخدمه في مجال حديثها عن "الخطأ الذي ارتكبته حين تزوجت". وإذ يوضح سترندبرغ بأسلوبه الحاد هذا كله، يقدم هنا نصاً عنوانه "بيت دمية" في تحريف بسيط وتعميمي ل"بيت الدمية"، عنوان مسرحية ابسن التي ينطلق منها. وفي هذا النص الذي يحتل مكانة مركزية في الكتاب يتصور سترندبرغ شابة حسناء متزوجة تقع ذات مرة تحت تأثير فتاة عذراء كانت شاهدت "بيت الدمية" وراحت تنصح المتزوجة، التي كانت حتى ذلك الحين تعيش حياتها الزوجية والعاطفية بدعة وهدوء، تنصحها بأن تستمع الى ما في مسرحية ابسن وتعمل انطلاقاً من الموقف النسوي فيها. وهنا، إزاء التطور الذي يصيب زوجته تحت تأثير الحسناء العذراء يقرر الزوج - بناء على نصيحة شقيقة زوجته - ان يبدأ بمغازلة الفتاة التي أثرت في زوجته الى هذا الحد. وإذ تستجيب هذه لغزل الزوج ضاربة عرض الحائط بكل النصائح التي كانت هي نفسها اسدتها الى الزوجة، تتنبه هذه الأخيرة الى ما يحدث وإلى خطة صديقتها العذراء، فتقرر العودة الى البيت وإلى احضان حياتها الزوجية، ولو عاد بيتها من جديد ليصبح "بيت دمية". في امكاننا هنا، طبعاً، ان نتخيل مدى السجال الذي اثاره صدور كتاب اوغست سترندبرغ هذا، وليس فقط في الأوساط الأدبية إذ اعتبر من جانب البعض طعناً لمسرحية ابسن وتسخيفاً لها، فيما اعتبره البعض الآخر استكمالاً لمقولاتها ولكن في اسلوب يحمل الكثير من المواربة، لكن السلطات دعت سترندبرغ للمثول امام القضاء بسبب كتابه، فلم يأبه، وبعد عامين اصدر كتاباً جديداً، انتقامياً هذه المرة، جمع فيه نصوصاً منذ ارسطو وحتى زمنه المعاصر، تؤكد ان الهدف الوحيد للمرأة على مر العصور لم يكن شيئاً آخر غير تحطيم الرجل، هي التي لا تحب الرجل إلا لكي تحقق كل المكاسب الممكنة من ذلك الحب. ومهما يكن من الأمر، لا بد من القول ان مثل هذه الأفكار سيطرت دائماً على اعمال اوغست سترندبرغ 1849- 1912... لكنها لم تكن واضحة كما هي في كتابيه هذين. وسترندبرغ يعتبر أبا الحداثة في المسرح السويدي. ومن اهم اعماله: "الآنسة جوليا" و"الأشباح" و"الأب" و"الغرفة الحمراء" وكلها اعمال اجتماعية كانت تستقطب المتفرجين حيثما تعرض.