تبدأ لجنة مهرجانات بعلبك هذا الموسم، تكوين برنامج هذه التظاهرة الدولية العريقة، من التاريخ... بل من الأسطورة! من سؤال عن سرّ تلك اليد العظيمة التي شيّدت أعمدة معبدي باخوس وجوبيتير، حتّى عبرت الأزمنة لتصل إلينا. هل كانت بعلبك لأن الفينيقيين أرادوا تكريم إله البقاع الأله بعل؟ هل أن تلك الواحة عند ملتقى طرق القوافل، بموقعها الاستراتيجي هي ما دفع الرومان إلى تشييد أكبر مجمّع هياكل في أمبراطوريتهم هنا؟ يستعرض البيان التمهيدي للمهرجان الذي أعلن برنامجه الجديد أمس في نقابة الصحافة بحضور النقيب محمد البعلبكي ومديرته مي عريضة، كل الاجتهادات والتفسيرات التاريخيّة العقلانيّة الممكنة لولادة "مدينة الشمس"، قبل أن يتجاوز الحدود بين الحقيقة والأسطورة، فيصل بنا إلى عالم الخيال العلمي. ففي الستينات من القرن الماضي قدّم عالم الآثار الروسي البروفسور أغرست نظرية مذهلة، تحلم مي عريضة وزملاؤها في اللجنة باعادة بعثها اليوم. من بقايا الأورانيوم التي اكتشفها على الحجارة هناك، انطلق لصياغة فرضيته: لم لا تكون بعلبك مدرجاً لهبوط مركبات سكان الفضاء الذين جاؤا لتشييد تلك الهياكل لاطلاق مركباتهم الفضائيّة. و"لأن جوهر المهرجانات الدولية يكمن في الاحلام المختبئة بين حجارة هياكلها، فقد اختارت هذا العام احياء موضوع سكّان الفضاء، تجسيداً للأفكار التي تحملها صورة المهرجان العام 2003". علماً أن شعار المهرجان هو "الدائرة الشمسية" التي استوحاها الفنان داود قرم من رسم قديم نجده حول البحر المتوسط، ويمثل الشمس محاطة بالمشتري والمريخ وعطارد وزحل، وهي كواكب عرفها الفينيقيون من قديم الزمن. وفي عودة واقعية الى كوكبنا، نكتشف أن مهرجانات بعلبك تخاطب كل الأذواق، إذ تمزج هذا العام بين الأوبرا والجاز والاغنية الفرنسية المطعّمة بالروك اند رول... وفنون السيرك. والطرب العربي الأصيل. فمن موسيقى فيفالدي وسمارتيني وكوريللي التي يقدّمها عازف الكمان الايطالي فابيو بويندي وفرقته 12/7/2003... إلى "كارمن" أوبرا بيزيه المعروفة جداً، والمنتشرة خارج النطاق الضيق لهواة الاوبرا في العالم... في عرض اعدّته "أوبرا باريس" خصيصاً لمهرجانات بعلبك 7 و9/8/2003. حتى الآن نشعر، بخاصة بالطابع السياحي، الترفيهي للمهرجان.... وتأتي مشاركة "السيرك الامبراطوري الصيني" الذي يقدّم الفنون الاستعراضية الخارقة و"المآثر المذهلة" ليؤكّد هذه النظرة 14 و15/8/2003. إلا أن مشاركة فنانين يقفان على حدة فوق الخريطة الفنية العالمية، تأتي لتغيّر المعادلة، وتعطي ل"مهرجانات بعلبك" طابعاً فنياً وثقافياً، قد يطاول جمهور الذواقة والباحثين عن المتعة الفنية الصرف. الضيف الأوّل هو النجم الفرنسي جوني هاليداي المعروف بقدرته على الامساك بجمهور واسع، والسيطرة على الفضاءات الكبرى حتّى لقّب ب "وحش المسرح". والنجم الذي بات أسطورة حيّة، سيحتفل في بعلبك بميلاده الستين، مقدّماً أغاني تنتمي على طريقتها إلى المدرسة الفرنسية، وموسيقى مشبعة بتقاليد الروك اند رول 2 و3/8/2003. أما الضيف الثاني، فهو فنان الجاز العالمي البارز أحمد جمال الذي ترك بصماته على موسيقيي القرن العشرين، من مايلز دايفيس إلى هيربي هانكوك وكيت جاريت. ويحيي عازف البيانو الأميركي حفلة من المتوقّع أن تكون فريدة من نوعها، يرافقه جيمس كماك على الكونترباس، وإدريس محمد على الطبلة 18 و19/7/2003. ونصل أخيراً إلى المشاركة العربيّة الوحيدة في بعلبك هذا الصيف، وهي مخصصة للطرب الحلبي من انشاد صوفي وقدود حلبية، بمشاركة الشيخ حبوش والزاوية القادرية وعمر سرميني... كلّ ذلك تحت اشراف جوليان فايس وفرقة الكندي التي أسسها في الثمانينات. والمعروف أن عازف القانون والمستعرب السويسري الأصل، لعب دوراً ما في تقديم الطرب الحلبي عالميّاً. ويعتبر منتقدوه أنّه حوّل تلك الموسيقى العريقة أحياناً إلى معادلات رياضية باردة تنقصها الروح، فيما يرى آخرون أنّه صنع شهرته على حساب الكبار من أمثال صبري المدلل وحمزة شكّور وأديب الدايخ. إلا أن المؤكّد أن حفلة فايس وفرقته ستحقق الاقبال والنجاح في معبد باخوس 23/8/2003.