بغداد - أ ف ب - تلقى شارع المتنبي في بغداد، الذي يعتبر شارع الثقافة العراقية، الجمعة الماضي ضربة قوية تمثلت باحتراق مكتبة المثنى التي كانت تضم عشرات الآلاف من أندر وأنفس كتب التراث والتاريخ والفلسفة والدين والاجتماع والتفسير. وقال محمد سعيد 45 سنة أحد العاملين في المكتبة لوكالة فرانس برس ان "مكتبة المثنى يعود تاريخ تأسيسها الى بدايات الحرب العالمية الاولى وكانت تضم في غرفها الثلاث عشرة عشرات الآلاف من الكتب العربية والاوروبية وانفس الطبعات واندرها". واضاف ان "مكتبة المثنى الى جانب مكتبة القاموسي والنهضة والتراث والعلمية تعد من المراجع المهمة للادباء والمثقفين ليس في العراق فحسب بل في الوطن العربي اجمع، ولطالما زارها المستشرقون وروت ظمأهم ولبت حاجتهم". واشار محمد سعيد الى ان "الحريق قد يكون بفعل فاعل لانقطاع التيار الكهربائي لحظة حصوله، ولأننا حرصا منا على هذا الكنز القيم نقوم بإطفاء التيار الكهربائي من المحول الرئيسي منذ ستين سنة لنستبعد حدوث تماس كهربائي. ولكن التحقيق لم ينته بعد". وكان الطلاب والمعلمون والكتاب والشعراء والصحافيون يتسابقون الى هذا الشارع الضيق من بغداد القديمة التي كانت معلماً من معالم المعرفة، للبحث عن كتاب او مجلة من بين آلاف العناوين المعروضة حتى على الارصفة. واكد الطالب محمد احمد 22 عاماً ان "الحظر المفروض على العراق يحرمنا من المجلات والصحف والكتب الحديثة التي كنا نجدها في المكتبة في ما مضى". واضاف "اننا نشعر بالعزلة وكأننا في حجر ثقافي لأننا لم نعد نجد سوى المنشورات التي تعود الى الثمانينات". وعلى الأرصفة صفوف من مجلات قديمة تعود الى ما قبل فرض العقوبات في 1990 ومجلات أزياء ألمانية واسبوعيات سياسية فرنسية ومجلات رياضية بريطانية بالاضافة الى مجلات عربية. يقول احمد مصطفى 45 عاماً الموظف الذي تقاعد قبل الموعد المحدد له "صحيح ان معظم الاعداد يعود تاريخها الى الثمانينات ولكنني أشتريها لأنني مولع بالمطالعة وليس لدي خيار آخر". واضاف "لم يحرمنا الحصار من المواد الغذائية والادوية فقط، وانما حرمنا حتى من التزود بالعلم والمعرفة". أما سهير محمد 28 سنة فتقول: "ان هذا الشارع هو قبلة المثقفين وطالبي العلم وهواة القراءة لما يوفره من شتى اصناف الكتب. وانا شخصياً من رواده لاعتدال الاسعار فيه وامكانية التفاوض على السعر مع البائعين، وهذه ميزة هذا الشارع". واضافت: "هنا تجد كتب الاطفال والطب والتشريح والكتب الدينية والفقه بالاضافة الى كتب كافكا وشكسبير وبلزاك وفلوبير وبروست. انه شارع صغير لكنه مليء". ويقول حسن راضي 55 سنة "ان شارع المتنبي هو المنتدى الأدبي للمثقفين ومصدر كسب الرزق للكثيرين منا نحن البائعين. وان الذين يرتادون هذا المكان ليسوا عراقيين فقط وانما مصريون وسوريون وأردنيون ولبنانيون ويمنيون وفلسطينيون". واضاف "يعود تاريخ شارع المتنبي أحد اكبر الشعراء العرب، الى 200 سنة، وكان يضم مجالس أدبية يؤمها المثقفون والمبدعون، وما من كاتب او شاعر او سياسي او مثقف عراقي إلا ومرّ في هذا المكان وأخذ زاده منه". ولم يعد للمكتبات الشهيرة في هذا الشارع أي عناوين جديدة لعرضها على زبائنهم الذين باتوا يعرضون عنها بحثًا عن كتب تفترش الأرصفة. وقد بدأت هذه الظاهرة منذ فرض الحصار على العراق، ما دفع "ببعض المثقفين العراقيين الى بيع مكتباتهم لكي يواجهوا الحياة الصعبة ومتطلباتها" على حد ما يقول نوري عبدالرزاق 47 سنة الذي اضاف "ان السوق التي كانت تضم عشرات المكتبات اصبحت اليوم وبسبب الحصار تضم عشرات الباعة الذين يفترشون الارض بحثاً عن طلب الرزق وكسب العيش". وعلى الرغم من أفوله فان شارع المتنبي حافظ على تقليد يعود تاريخه الى عشرات السنين الا وهو البيع بالمزاد العلني لكتب نادرة تتناول مواضيع التاريخ والدين او الشعر كل يوم جمعة وأيام العطلة في العراق.