اعترف رئىس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري ب"ان اخطاء كثيرة شابت مرسوم منح الجنسية اللبنانية الصادر في عام 1994 ولا بد من تصحيحها، لكن يجب ان يتم ذلك بهدوء لئلا تأخذ المعالجة بعداً طائفياً نحن في غنى عنه". ونقل زوار الحريري عنه قوله انه من حيث المبدأ مع تصحيح كل الاخطاء، واشارته الى ان الهدف من اصدار ملحق للمرسوم كان اصلاح الخلل لمصلحة الحفاظ على التوازن. وأكد - بحسب الزوار - ان تصحيح الخلل يقضي بوضع حد للتجاوزات والاخطاء الحاصلة في المرسوم، بما فيها الغاء الجنسية عن حامليها من الفلسطينيين، لكن، يجب التمييز بين هؤلاء وبين المستفيدين من اهالي القرى السبع، إضافة الى التدقيق في الملفات الخاصة بالذين حصلوا على الجنسية وتبين لاحقاً ان مستنداتهم غير دقيقة أو لا تستوفي الشروط المطلوبة لمنحهم الجنسية. ولفت الحريري الى ان اسماء الذين يصنفون في خانة عدم استيفاء الشروط يجب ان توضع في سلة واحدة، ليصار الى النظر فيها بدلاً من ان يصار الى معالجة كل حال على حدة. وقال انه مع قبول الطعن، ورأى ان النظر في الاخطاء لا يجوز ان يساوي بين الذين يستحقون الجنسية وبين الذين لا يستحقونها، مؤكداً احترام مقدمة الدستور بالنسبة الى عدم منح الفلسطينيين الجنسية، ومشيراً الى انه من حق عرب وادي خالد الافادة من المرسوم، كسواهم من المستفيدين. وشدد الحريري على ان احداً لا يعترض على تبديد الهواجس والمخاوف الناجمة عن حصول عمليات تزوير من بعض الذين استفادوا من المرسوم، وتعود اساساً الى عدم التدقيق في الاوراق الثبوتية التي قدمها هؤلاء. وقال وزير بارز ل"الحياة" ان مجرد قبول مجلس شورى الدولة مبدأ الطعن يعني انه يشكل الخطوة الاولى على طريق تنفيس الاحتقان، على رغم ان البعض في الدولة اخذ يتعاطى مع المسألة من زاوية استرضاء فريق من المسيحيين، خصوصاً التيار المعارض، بينما كان يمكن استرضاؤهم من خلال الاستحقاق المتمثل باستبدال الحكومة السابقة بواحدة جديدة ومن خلال المجيء بوزراء يمثلون المعارضة بما يضمن توسيع رقعة المشاركة المسيحية. ودعا الوزير الى التعاطي مع مبدأ قبول الطعن في معزل عن المزاودات الطائفية والانتخابية والكسب السياسي الرخيص، وذلك عبر التدقيق في الملفات من جهة وإفساح المجال امام المتضررين من الطعن بالتقدم من شورى الدولة بطعن مضاد، خصوصاً انه يترتب على ابطال الجنسية او سحبها مضاعفات انسانية على المستويات كافة نظراً لأن المستفيدين من المرسوم بادروا الى التكيف مع مفاعيله والتصرف على انهم لبنانيون. وأكد انه لا يؤيد ما نسب الى وزير الداخلية الياس المر من انه يؤيد إلغاء مفاعيل المرسوم ككل لو ترك الامر له، واصفاً كلامه بأنه محاولة للهروب الى الأمام بدلاً من مواجهة الواقع آخذاً في الاعتبار تصويب الاخطاء والتخلص منها من دون اي مراعاة. وسأل الوزير كيف يمكن إلغاء المرسوم؟ وقال: "ماذا سنقول وعلى سبيل المثال لأهالي بلدة هونين مسقط نائب "حزب الله" عن بيروت محمد برجاوي من القرى السبع الذين استفادوا اخيراً من اعادة ترسيم الحدود بين لبنان واسرائىل باشراف الأممالمتحدة فور تحرير الجنوب في 25 أيار مايو عام 2000؟ وهل سنمنعهم من استعادة آلاف الدونمات التي استردوها وأصبحت من ضمن الاراضي اللبنانية بعدما كانت محتلة منذ اكثر من 52 عاماً؟ وتابع: "ان معظم اهالي هونين هم من اللبنانيين اسوة باخوتهم في القرى السبع بينما نجح الآخرون في استعادة جنسيتهم من خلال المرسوم". واعتبر ان مجرد التعامل مع الطعن في المرسوم على انه يسمح للبعض بتعويم وضعه في الشارع المسيحي، سيؤدي الى الاضرار بالبلد، تماماً كالذين يرفضون في الشارع المسلم تصحيح الاخطاء التي ستؤدي الى إبطال جنسيتهم. على صعيد آخر، لا بد من التأكيد ان اول محاولة أجريت لاصدار مرسوم الجنسية كانت في عهد رئيس الجمهورية السابق امين الجميل في العام 1986 عندما شكلت لجنة برئاسة المدير العام للأمن العام آنذاك الدكتور جميل نعمه وضمت النائبين الحاليين نعمة الله ابي نصر وجمال اسماعيل، ومحمد الغول ومحمود فتاح رئىس حزب رزكاري الكردي، والوزير والنائب السابق شاهي برصوميان وحبيب افرام وألفونس بشير وعصام الحلبي. وكانت اللجنة تجتمع في مبنى الأمن العام في حضور عدد من الضباط، وتوصلت في حينه الى اعداد لوائح بأسماء 80 ألف شخص ممن يحق لهم الحصول على الجنسية او استعادتها، وقد تحفظ ابي نصر على عمل اللجنة، داعياً الى صرف النظر عن منح الجنسية. وفي معلومات "الحياة" ان اللوائح التي اعدت شملت عرب وادي خالد، والقرى السبع صلحة، قدس، المالكية، النبي يوشع، هونين، ابل القمح، تربيخا، إضافة الى اسماء مسيحيين من كل الطوائف وعدد من العائلات الكردية المقيمة منذ سنوات في لبنان، وكان بعض افرادها حصلوا على الجنسية بمبادرة من رئيس الحكومة السابق الراحل سامي الصلح في عهد الرئيس الراحل كميل شمعون. واستناداً الى المعلومات، فإن اللجنة المذكورة كانت قطعت شوطاً كبيراً في التدقيق في الاسماء للتثبت من صحة الاوراق الثبوتية من خلال ضباط في الأمن العام. لكن اللجنة جمدت عملها، وبقي مصير المرسوم عالقاً الى العام 1994، حيث صدر بتوقيع رئىسي الجمهورية الياس الهراوي والحكومة رفيق الحريري ووزير الداخلية بشاره مرهج الذي حل مكانه بعد فترة قصيرة نائب رئىس الحكومة ميشال المر، وتبين ان عدد المستفيدين من المرسوم فاق ال170 ألف شخص وان الارجحية جاءت لمصلحة المسلمين، الذين تقدموا بطلبات زادت كثيراً على المسيحيين الذين قبلت طلباتهم من دون اي تردد. وكان لافتاً ان اكثر من 15 ألفاً من المستفيدين كانوا من القرى السبع البالغ عدد سكانها في حينه 60 ألف نسمة، وباستثناء المستفيدين فإن جميع هؤلاء يحملون الجنسية اللبنانية، إضافة الى اهالي عرب وادي خالد وعرب البقاع، وعدد قليل من العلويين والدروز، في مقابل المسيحيين والأرمن المستفيدين من أصول سورية ومصرية وعراقية، ولم يكن بينهم سوى ألفي ماروني. وفي حين استفاد من المرسوم مسلمون من اصول سورية وعراقية ومصرية، كانت المشكلة في توسيع رقعة الافادة التي ادت الى منح الجنسية لعائلات فلسطينية قدرت بأكثر من خمسمئة. حتى ان مصادر رسمية لا تملك العدد الدقيق للفلسطينيين الذين منحوا الجنسية على اساس انهم ينتمون في الاصل الى المزارع المشمولة في القرى السبع التي تعتبر قرى لبنانية، وكان بعض اهلها تخلفوا في الحصول على الجنسية للافادة من التقديمات التي توفرها وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين "أونروا". في ضوء كل ذلك، لا بد من الاشارة الى ان معظم الملفات لم تخضع الى التدقيق الذي يجري عادة لطالبي الجنسية، واكتفي بتحقيقات عادية تولت القيام بها المخافر حيث توجد دوائر النفوس، وهذا ما شكل خرقاً للدستور بمنح الجنسية للفلسطينيين، أفسح في المجال امام حصول الكثير من الاخطاء، بما فيها عمليات تزوير متعلقة بتحديد مدة الاقامة الدائمة فوق الاراضي اللبنانية شرطاً لمنح الجنسية. وبما ان المرسوم صدر اثناء تولي مرهج وزارة الداخلية ونُفذ بعد ازاحته عن الوزارة لمصلحة المر، فإن عملية التنفيذ للحصول على الجنسية تركت للمستفيدين حرية اختيار المنطقة التي ينتمون اليها، أي الدائرة الانتخابية، ما سمح لكبرى الكتل ان تستفيد من تنفيذ المرسوم في دائرة المتن الشمالي التي ضمت لوحدها اكثر من تسعة آلاف أرمني. والسؤال، هل يسلك قبول الطعن طريقه الى التنفيذ أم ان تجاوز الارباكات التي سيخلفها، سيدفع الى استعجال اعداد ملحق بالمرسوم يسمح بمعالجة الخلل عبر تجنيس اعداد جديدة من المسيحيين تقود الى تحقيق التوازن الطائفي والمناطقي هذه المرة؟