تسعى الولاياتالمتحدة التي قدمت مشروع قرار الى مجلس الامن امس لرفع العقوبات عن العراق الى المصادقة عليه في مدة اقصاها 3 حزيران يونيو المقبل، فيما وجهت الى المشروع انتقادات كثيرة اتهمت واشنطن بالسعي، من خلاله، إلى السيطرة على صناعة النفط العراقية. وقال المفوض الاوروبي لشؤون التنمية والمساعدات بول نيلسون ان اميركا "ستصبح عضواً في منظمة اوبك بعدما وضعت يدها على النفط". وردّت الولاياتالمتحدة على هذه الاتهامات بأن مشروع قرارها يتيح ادارة "شفافة" للعائدات النفطية العراقية التي ستوضع "في صندوق تحت اشراف مكتب استشاري دولي يضم ممثلين عن الاممالمتحدة وصندوق النقد والبنك الدوليين". وستُصرف اموال الصندوق "بإشراف سلطة القوات المحتلة وبالتشاور مع السلطة العراقية الانتقالية" العتيدة. أعلن جون نغروبونتي، السفير الاميركي لدى الاممالمتحدة، عقب مشاورات جرت في جلسة مغلقة وخصصت للوضع الانساني في العراق، "لا يوجد سبب لكي تأخذ مناقشات قرار لرفع العقوبات عن العراق وقتاً طويلاً". واضاف: "يفترض ان ينجز ذلك في الاسبوعين المقبلين"، مشدداً على ان "المهلة القصوى هي 3 حزيران يونيو" المقبل، أي تاريخ انتهاء العمل ببرنامج "النفط للغذاء" والصلاحيات الخاصة المعطاة للامين العام للأمم المتحدة كوفي انان لتكييف هذا البرنامج مع مرحلة ما بعد الحرب، علماً بأنه يمثل وسيلة العيش الوحيدة ل60 في المئة من الشعب العراقي. وتابع السفير الاميركي مساء الخميس: "نفكر في تقديم اول توضيح عن مضمون مشروع القرار، واعتقد ان معظم الوفود ستعود بعد ذلك الى حكوماتها. وسنبدأ المناقشات بشكل مفصل اكثر الاسبوع المقبل". وعندما سئل عن موقف فرنساوروسيا اللتين تربطان رفع العقوبات المفروضة على العراق بإثبات الاممالمتحدة خلو هذا البلد من اسلحة الدمار الشامل، لفت نغروبونتي الى ان باريس وموسكو "لم تتسلما بعد نصاً معيناً لدرسه". واضاف: "حتى الآن صدرت عن هاتين الدولتين تعليقات على اساس اعتبارات عامة. أما الآن فلدينا شيء واضح مطروح على مجلس الامن وعلينا الانتظار لرؤية ما سيجري". وأكد ان "التحالف أخذ على عاتقه عملية التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل ولا نرى من جانبنا في مستقبل منظور اي دور للجنة المراقبة والتحقق والتفتيش التابعة للامم المتحدة" انموفيك. وأعلنت روسيا ان العقوبات لا يمكن رفعها وفقاً لقرارات مجلس الامن الدولي إلا عندما تثبت المنظمة الدولية ان العراق لم يعد يملك ترسانة اسلحة دمار شامل. أما فرنسا فاقترحت تعليق الجزء غير العسكري من العقوبات، على الاقل في مرحلة اولى. وقال وزير الخارجية الاميركي كولن باول عقب اجتماع مع الامين العام للامم المتحدة كوفي انان ان مشروع القرار الاميركي "لن يكرر معارك الماضي". واضاف: "لا نتحدث الآن عن الحرب بل نتحدث عن السلام والأمل". ووجهت الى مشروع القرار الاميركي انتقادات بأنه يمنح واشنطن السيطرة على عائدات النفط لمدة عام على الاقل. وسيجعل هذا القرار المتشدد دور الاممالمتحدة والمنظمات الدولية الاخرى استشارياً من دون سلطة تذكر وسينهي بشكل تدريجي برنامج "النفط للغذاء" خلال أربعة أشهر. ومن دون الموافقة على هذا القرار لا يحق، قانوناً، لأي سلطة عراقية او اميركية او تابعة للامم المتحدة في بغداد تصدير النفط. وعلى رغم اطمئنان البيت الابيض الى ان مجلس الامن سيصوّت لمصلحة القرار، فإن النص الذي وصفه ديبلوماسيان كبيران بأنه "متشدد" سيواجه تعديلات تقترحها فرنساوروسيا اللتان تؤيدان تعليق العقوبات، ولكن مع صلاحيات في يد الاممالمتحدة الى ان تتم اقامة حكومة عراقية. ويريد كل اعضاء مجلس الامن تقريباً بما في ذلك بريطانيا اعادة المفتشين الدوليين حسبما نص 16 قراراً، على الاقل، شرطاً لرفع العقوبات. ولكن مشروع القرار يتجاهل اي شرط من هذا القبيل. وبمقتضى الاقتراح الاميركي سيتم ايداع عائدات النفط في "صندوق للمساعدات العراقية" للأغراض الانسانية واعادة البناء يسيطر عليه البنك المركزي العراقي الذي يديره حالياً بيتر ماكفيرسن وهو احد النواب السابقين لوزير الخزانة الاميركي. وسيكون للصندوق مجلس ادارة استشاري يضم مسؤولين يعينهم أنان، بالاضافة الى مسؤولين من صندوق النقد والبنك الدوليين وآخرين. وستراجع هذه المجموعة المصروفات. لكن القرارات المتعلقة بأوجه انفاق هذه الاموال ستتخذها بشكل اساسي الولاياتالمتحدةوبريطانيا، مع حلفاء آخرين مثل استراليا التي أرسلت بعض القوات. وستتخذ القرارات بالتشاور مع سلطة موقتة تعدها واشنطن حالياً الى ان يتم تشكيل حكومة جديدة وهو أمر قد يستغرق سنوات. وسيتم تجديد القرار بشكل تلقائي في غضون عام ما لم يتخذ مجلس الامن قراراً عكس ذلك، وهو بند من المتوقع ان يغيره اعضاء مجلس الامن. ويطلب مشروع القرار ايضاً من أنان تعيين "منسق خاص" للاشراف على مساعدات الاممالمتحدة الانسانية و"أنشطة اعادة البناء في العراق". ومهام المنسق غامضة ولكنه سيساعد في انشاء مؤسسات حكم وتشجيع حقوق الانسان والاصلاحات القانونية والقضائية وبناء الشرطة. أميركا عضو في "أوبك" في كوبنهاغن، أعلن نيلسون في ختام زيارة لبغداد الجمعة ان "الولاياتالمتحدة وضعت يدها على النفط العراقي". وأكد للتلفزيون الدنماركي "دي آر 1": "ان الولاياتالمتحدة ستصبح عضواً في اوبك منظمة الدول المصدرة للنفط. لقد وضعت يدها على النفط العراقي ومن الصعب جداً التوصل الى استنتاج منطقي لوجهة نظر اخرى". وأعلن المفوض الاوروبي، وهو وزير التعاون الدنماركي سابقاً، انه يشكك بنيات الاميركيين في ما يتعلق بمستقبل العراق، معتبراً ان وعودهم بالانسحاب من هذا البلد سريعاً ليست واقعية. وكان نيلسون الذي دعا الثلثاء خلال زيارته بغداد، الى دور مركزي للأمم المتحدة في العراق لتنسيق العمليات الانسانية، التقى رئيس الادارة المدنية الاميركية في العراق الجنرال جاي غارنر وممثليه للمساعدات الانسانية العاجلة. ويبدو ان مقابلته المطولة مع هؤلاء الممثلين هي التي قادته الى التشكيك بدوافع الاميركيين الذين يقر لهم مع ذلك ببعض الصراحة في رغبتهم بإبقاء الاممالمتحدة على الحياد. وقال للشبكة التلفزيونية "ان الاعلان عن عدم الرغبة في اعطاء الاممالمتحدة دوراً فعلياً وحقيقياً وقانونياً ومبنياً على أسس جيدة، دليل على لغة تحمل بعض الوضوح". وأعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية ريتشارد باوتشر "ان القرار يحدد بوضوح كيفية استخدام هذه الاموال من العراقيين ولمصلحة الشعب العراقي وبطريقة شفافة وبالتشاور مع المؤسسات المالية الدولية وغيرها". واضاف ان هذه الاموال يجب ان تذهب "لمشاريع انمائية واستثمارية ولإيجاد أنشطة في العراق". وقال ان رفع العقوبات التي فرضت في عهد صدام حسين ستتيح لهذا البلد ايضاً "ان يكون له اقتصاد وتجارة ومبادلات وتنمية طبيعية". لكن الناطق باسم الخارجية الاميركية لم يعلن ما اذا كان القرار يطلب اعترافاً علنياً بالسلطات الانتقالية العراقية التي ستتسلم السلطة برعاية الولاياتالمتحدة، غير انه قال ان واشنطن ترغب بقيام المجتمع الدولي بتشجيع هذه الجهود. وأضاف: "نريد تشجيع المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية والحكومات والاممالمتحدة عبر منسقها لشؤون العراق على دعم وضمان هذه العملية". وجاء في النص ان اموال الصندوق "ستصرف تحت اشراف سلطة القوات المحتلة بالتشاور مع السلطة العراقية الانتقالية" التي تعمل واشنطن لتشكيلها. وهذا ما كان اعلنه السفير الاميركي لدى الاممالمتحدة جون نيغروبونتي. واضاف باوتشر: "يجب ان ننتظر لنرى ما اذا كان في وقت من الاوقات يمكن ان يكون لمهمة التفتيش التابعة للامم المتحدة دور في العراق. نحن لا نستبعد شيئاً في هذه المرحلة. ولكن لا نعتقد انه شيء ضروري في الوقت الراهن".