لن تتوه في مفاصل مدينة الأحلام. فأبو ظبي الجديدة روعي في هندستها انسياب الحركة في شوارعها ودقة تحديد المواقع. قل لسائق التاكسي الباكستاني "إماراتس ميديا" لتجد نفسك بعد دقائق امام بناية بلورية فخمة، ترفرف على حافتها سبعة اعلام. تجاوز بوابة الأمن والاستقبال بسلاسة. ادخل بطاقة الزائر الممغنطة. اضغط على الزر وتحديداً على الرقم 4 ليفتح امامك بعد مغادرة المصعد، فضاء مفتوح على عالم اللانهاية، حيث تكتب من هنا اسبوعياً، قصة وحكايات مجلة "ماجد" للأطفال التي اتخذت اليمين ركناً لها، ومجلة "زهرة الخليج" التي احتمت بجغرافيا اليسار، و"تدثرت" بالشابات في غالبية مواقعها التحريرية، آمنت بالتواصل مع النساء واحتفلت بصوت من لا صوت لها. عندما تعود الى المدينة، لتمارس التسوق كرياضة عريقة وآلية جيدة لمقاومة لحظة الكآبة العربية الراهنة، ستصعق بذلك الكم الهائل من المجلات والدوريات المتخصصة بالشأن النسوي التي احتلت الجزء الأوفر، والأكثر تنوعاً، والأعلى سعراً في كل الفضاءات التقليدية المؤثثة بالكتب والمجلات في معظم محال أبو ظبي... يقدم لنا التاريخ التفاصيل الصغيرة. لا احد يعلم بالتحديد ما اسم المجلة النسائية الأولى في العالم، فما بين لحظة البدايات وعصر المجلات الإلكترونية في بداية الألفية الثالثة، ربما كانت رسالة حواء لآدم بقطف التفاحة، البذرة الأولى لهذه الصحافة التي التزمت في غالبيتها خطاباً خصوصياً ورسالة نبيلة. لا شك في أن حركات التحرر النسائية التي استيقظ على دقاتها العالم في نهاية الستينات من القرن الماضي افرزت من كينونة زخمها وعبير افكارها الجيل الأول للصحافة النسائية في الغرب، فأصبحت المرأة هناك تختار فستانها من ألوان ELLE الفرنسية وتنتقي غداء نهاية الأسبوع من وصفات Femme Actuel الفرنسية أيضاً. وتكتشف جسدها في تألقه وعلاته من الأوراق المتناثرة امامها من هنا وهناك... عرف كل من مصر ولبنانوتونس مجلات عريقة احتفلت بخصوصيات المرأة وإبداعاتها الفكرية والأدبية. ونعلم أننا داخل هذا النص نتحرك وسط رمال متحركة وفضاء ألغام. فالحياد في مملكة النساء يساوي إعلان حرب. والاختيار ما بين اسمين انتحار حقيقي. والجمع ما بين الضرائر وجع دماغ أزلي. لا شك في أن مجلة "سيدتي" كان لها شرف المغامرة والتأسيس لخطاب إعلامي نسائي عربي ينسجم مع الرغبة في التغيير والارتفاع تحريرياً وإخراجياً الى مستوى ابداع زميلاتها في الغرب مع الحفاظ على الخصوصية. وتحمل "زهرة الخليج" خبرة ودربة في عمر الدولة تقريباً، استقرت على ربع قرن، دفعتها من حبس المحلية الى الانتشار الواسع. وولدت "لها" مع انبثاق الألفية الثالثة، واستطاعت إثبات ذاتها وسط سوق تشهد تضخماً كبيراً وتسابقاً محموماً. سألت ذات مرة صديقة لي في مسيرتي الجامعية، عن حرصها الشديد على اقتناء مجلة Femme Actuel كل أسبوع، فصعقت لما اخبرتني عائدة أنها تحرص على قراءة حظها في اكثر المجلات دقة بالأبراج، مع ان الزميلة جامعية تحمل اعلى شهادة تونسية من كلية الدراسات التجارية. لم تلبث "الصحافة النسائية" ان شكلت قضية مثيرة في العالم العربي عموماً. وأخيراً، شهد المنتدى الثقافي للنادي السياحي في أبو ظبي جدالاً أثاره الكثير من النساء عن ظاهرة الصحافة النسائية العربية، خطابها ورسالتها الاجتماعية. وكانت المداخلات جيدة، لكن اللافت ان الأصوات الأكثر انتقاداً جاءت من اهل الدار، سواء من ناصر الظاهري، رئيس تحرير مجلة "المرأة اليوم" ام الصحافية ايمان محمد من مجلة "الصدى". تقول "ايمان" إن التسليم بوجود صحافة نسائية يعني بالضرورة وجود صحافة رجالية وهذا المنطق العقيم في تقسيم الأدوار في المجتمع يقوم على التفرقة. اضف أن هذه الصحافة وعلى رغم ما قدمته للمرأة لا تزال تعاني من غياب الوعي لاحتياجات المرأة التواصلية فهي تركز على المرأة من خلال الإصرار على حصر اهتماماتها بالجوانب الاستهلاكية كالأزياء والموضة والماكياج وتقدم مضامين تستقطب اهتمامات النخبة من النساء وتهمل غيرهن في الريف والبادية. وتتوجه الى الشابات الناضجات اكثر من المراهقات والمسنات. وتتعلق المشكلات الأساسية بوضعية المرأة في المجتمع والتي يمكن ان تخطو بها ولو خطوات في السياق الثقافي والاجتماعي المعاش. وكتب مطر الأحمدي رئيس تحرير "لها" في البيان الأول: "لها" مجلة نقدمها لامرأة مختلفة. تفكر معنا، ولا تكتفي بأن تقرأ لنا. نقدمها لامرأة ايجابية لا تكتفي بالتلقي ولكن بالاستجابة. "لها" تقول: الحياة جميلة والله يحب الجمال. لها مجلة مؤمنة بلا تعصب، محترمة بلا تكلف، ممتعة بلا إثارة مفيدة ومسلية... ربما احتاج الأمر لسنين من الدأب، ليرتفع الأداء الى مستوى سمو الخطاب. ولكن الدكتور طلال طعمة رئيس تحرير "زهرة الخليج" يعتقد بأن قوة هذه المجلات النسائية، تنبع من التحامها بنبض الواقع. هي ليست جزراً معزولة. ولم تأت طواقمها من المريخ، بل ولدت ونشأت وكتبت بروائح الناس واختلاجات المجتمع. ليضيف أن هذه المجلات العربية تختلف عن اداء مجلات الجمعيات او الاتحادات النسائية ذات الأهداف التغييرية. فمن نحن لنغير المرأة. لا شك في ان مسيرة هذه المجلات لا تزال طويلة لترتفع الى مستوى توقعات المرأة العربية، ولكن ذلك لم يمنعها من طرح الأسئلة الصعبة والخوض فيها والبحث عن حلول. قدمت خدمات جيدة لنساء من المشرق الى المغرب، لغتهن الحشمة والحياء، فاتجهن بالسؤال الى المجلة وليس الى العائلة او المدرسة. ربما بدا هنالك شيء من التضخم في الوسائط الإعلانية او موضوعات الأناقة والموضة، ولكن ألا تتفق معي بأن القيمة الأساسية لدى المرأة اليوم وبالأمس وغداً هي البحث عن الجمال بأسمى معانيه. لا تزال "سيدتي" تتربع على عرش المجلات النسائية في السعودية، ربما خف بريقها العربي في التنافس مع شقيقاتها. أو ربما هي النزعة المستحكمة في النساء وعشقهن للتغيير منها الى اكتشاف "الزهرة" ثم ثالثتهن "لها". ولكن عندما تبحث قليلاً في بلد المنشأ، ولحظات التأسيس للثلاثي النسوي الجميل تدرك تلك المفارقة العربية. فالثلاثي لم يأتِ من تونس او لبنان حيث قطعت النساء خطوات على درب الحداثة، إنما ولد في دول الخليج. لا شك في ان الفقر والحداثة لا يلتقيان أبداً!