كان ينظر الى الاميركيين على انهم "رجال الشرطة الاخيار" الذين انقذوا برلين الغربية ودافعوا عن اوروبا الغربية خلال الحرب الباردة ووضعوا نهاية لإراقة الدماء في البلقان لكن حرب العراق مزقت صورة الولاياتالمتحدة. الآن وبعدما كانوا مدافعين عن الحرية والديموقراطية، ينظر اليهم حلفاؤهم في انحاء العالم كدعاة حرب استعماريين و"رجال شرطة أشرار" و"بلطجية" انحرفوا عن الاجماع الدولي حين ازاحوا الاممالمتحدة جانباً وشنوا حرباً على العراق. في الولاياتالمتحدة، ارتفعت شعبية الرئيس جورج بوش في شأن الطريقة التي يتعامل بها مع الحرب في العراق لكن استطلاعات الرأي في البلدان التي كانت مؤيدة لواشنطن لفترة طويل توضح تراجعاً حاداً في شعبية الولاياتالمتحدة. من المانيا الى كوريا الشمالية، دان ملايين المتظاهرين الرئيس بوش وحرب إطاحة الرئيس العراقي صدام حسين، وحتى في بريطانيا الحليف المخلص والشريك العسكري في حملة العراق، يعارض نصف السكان الحرب وتتزايد المشاعر المعادية لأميركا. ووفقاً لاستطلاع رأي جرى الاسبوع الماضي، فإن واحداً فقط بين كل سبعة مواطنين بريطانيين يصدق الرئيس بوش. وأوضح استطلاع نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية الاسبوع الماضي ان ثلث الفرنسيين لا يريدون للولايات المتحدة ان تنتصر في الحرب، بينما تمنى ربع الفرنسيين النصر للعراق. إلى ذلك، انتشرت مقاطعة البضائع الاميركية ويقول كثيرون ان صورة الولاياتالمتحدة الراسخة في اجزاء كثيرة من العالم كقوة خيرة وعامل استقرار قد اهتزت. وقال ديتمار هيرز العالم السياسي في جامعة ايرفورت: "لقد الحق بوش ضرراً طويل الأمد بسمعة أميركا الطيبة حتى ان كثيرين من الذين كانوا يؤيدونها باتوا يتكلمون اليوم عن الولاياتالمتحدة باعتبارها معتدية وغازية. هناك غضب واسع. ان اجواء معاداة اميركا لم ترتفع بهذا الشكل منذ حرب فيتنام". ويمكن ملاحظة تغير الاجواء والمشاعر في كل مكان تقريباً، لكنه أشد وضوحاً في اماكن مثل برلين حيث تمتع الاميركيون بوضع خاص بسبب الجسر الجوي الذي مدوه عامي 1948 و1949 والذي حافظ على حرية برلين الغربية في قلب المانياالشرقية الشيوعية. في 1994 خرج الملايين من سكان برلين لوداع الجنود الاميركيين العائدين الى وطنهم بعد نهاية الحرب الباردة. والآن يغلق حراس مسلحون ومركبات مدرعة مربعاً سكنياً كاملاً في المدينة لحماية السفارة الاميركية في وسط برلين. ومع تداعيات الحرب على العراق شارك نصف مليون شخص في تظاهرة من أجل السلام في برلين هي الأكبر في تاريخ المانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية. وانتقد كثيرون ما اسموه ب"شبق الولاياتالمتحدة للحرب" الشبيه بشبق رامبو. وقال المستشار السابق هيلموت كول في هجوم نادر على الولاياتالمتحدة "ان أولئك الساسة في واشنطن الذين يحلمون انهم سيصبحون روما جديدة وان العالم سيرقص على انغامهم يفتقرون الى الصلة بالواقع". ووفقاً لاستطلاع أجراه مركز "فورسا" الألماني، قال تسعة من بين كل عشرة ألمان إنهم فقدوا احترامهم للولايات المتحدة بسبب الحرب في العراق. في حين اظهر استطلاع آخر ان نحو 50 في المئة يعتقدون ان بوش "داعية حرب". وحتى الكثيرون الذين دافعوا عن الولاياتالمتحدة اثناء تزايد الوجود الاميركي في اوروبا على مدار العقود السابقة يقولون إنهم مرعوبون الآن. وقالت غيرترود باويلكا، المدرسة النمسوية المتقاعدة: "أنا مصدومة ومحبطة للغاية من الولاياتالمتحدة. لم اتصور أبداً انهم سيبدأون حرباً عدوانية. كنت احب أميركا وكانت مثالاً للعدل دوماً. الآن ترعبني السرعة التي تستثير بها الكراهية". وفي كوريا الجنوبية، التي تحميها الولاياتالمتحدة من هجوم محتمل من جارتها الشمالية الشيوعية، تظاهر الآلاف ضد الحرب. وفي استطلاع للرأي أجراه أكبر موقع على الانترنت، فيها قال 75 في المئة من بين 80 الف مشارك ان بوش "محور شر" حقيقي. وقال او ايو نام، أستاذ العلوم السياسية في كلية الدراسات الدولية التابعة لجامعة كوريا، إن مشاعر العداء لأميركا تزايدت بشكل اكبر بعد بدء الحرب. وكتب المعلق السياسي البريطاني المعروف جوناثان فريدلاند في صحيفة "ذي غارديان" اللندنية: "تخطى الرئيس بوش الحاجز الذي اوقف 42 رئيساً اميركياً قبله وهو يسعى الآن للتصرف كقائد امبراطورية. إن مجرد فكرة غزو غير مبرر وغير مرغوب وطويل المدى وواسع النطاق هي فكرة غير اميركية كذلك". وحتى في إسرائيل، الحليف الأكثر ولاء للولايات المتحدة، كتب المعلق هيمي شاليف في صحيفة "معاريف" ان الاسرائيليين يكتمون فرحتهم بانتكاسات الحرب التي يعاني منها "الاميركيون المحصنون". وقال شاليف: "هناك رضا سري عن كل ورطة أو حادثة أو تخبط. دعونا نراهم يعظوننا الآن بعدما قتل مفجر انتحاري وجنود متوترون نساء واطفالاً عند نقطة تفتيش". أما الروس الذين كانوا قد عرفوا مذاق السلع الاميركية فقد انتقدوا ايضاً الهجوم الاميركي في لغة تذكر بأيام الحرب الباردة. وقال المواطن الروسي نيكولاي كوروليوف 51 عاماً: "انظر الى اميركا باعتباره عدونا. ستغزونا المرة المقبلة إذا لم ننتبه. انهم اعداء العالم بأكمله".