يخطو مسلمو فرنسا اليوم خطوة نهائية نحو تنظيم حقوقهم وتشكيل هيئات تمثلهم لدى السلطات العامة عبر انتخابات يشارك فيها مفوضو المساجد، وتجرى على مرحلتين تشمل الاولى تسع مناطق من ضمنها مدينة باريس وضواحيها، وتليها مرحلة ثانية في المناطق الاخرى وعددها 19 في 13 نيسان ابريل الجاري. ومن المقرر ان تنبثق من هذه الانتخابات التي تتوج نهج "الاستشارة" الذي بدأه قبل نحو ثلاثة أعوام وزير الداخلية الفرنسي السابق جان بيار شوفنمان واستكمله الوزير الحالي نيكولا ساركوزي، اربع هيئات تمثيلية لمسلمي فرنسا. ويشارك في الانتخابات 4032 مندوباً يمثلون 995 مسجداً لاختيار اعضاء مجلس ادارة "المجالس الاقليمية للديانة المسلمة" والمكتب المنبثق منها الى جانب اعضاء الجمعية العامة ل"المجلس الفرنسي للديانة المسلمة" و"المجلس التمثيلي للديانة المسلمة". ويشكل مجلس ادارة المجالس الاقليمية والمكتب المنبثق منه، إضافة الى المجلس التمثيلي الذي يعد بمثابة الهيئة العليا، الممثلين الرسميين للمسلمين لدى السلطات الفرنسية. ووضعت السلطات المحلية في المناطق الفرنسية قاعات في تصرف الناخبين، فيما تقرر اجراء الانتخابات في مناطق مثل بوردو وتولوز وغيرها في مقرات البلديات. ومن المعروف ان رئاسة المجلس التمثيلي ستسند لمدة سنتين الى عميد جامع باريس دليل بو بكر بموجب اتفاق ابرمته منظمات الجالية المسلمة في 20 كانون الاول ديسمبر الماضي في اعقاب الخلوة التي عقدتها في نانفيل لي روش ضاحية باريس تحت اشراف ساركوزي. ويعاون بو بكر في منصبه نواب رئيس يمثلون المنظمات الرئيسية للمسلمين ومنها "الفيديرالية العامة لمسلمي فرنسا" التي يترأسها محمد البشاري و"اتحاد الجمعيات المسلمة الفرنسية" الذي يترأسه تهامي برويز. وتسنى الإعداد لهذه الانتخابات وسط اجواء من الهدوء التام، وبعيداً من اي تشنج، خصوصاً في ظل الموقف الرافض للحرب على العراق الذي اعتمدته فرنسا وأثار شعوراً بالارتياح العام في اوساط الجالية المسلمة. وصرح برويز ل"الحياة" بأن الحملة التي سبقت الانتخابات جاءت خالية من الطروحات السياسية وتركزت على تعبئة الجالية وتوعيتها بأهمية هذه الانتخابات التي تضفي شرعية على نهج تنظيم حقوق المسلمين. واعتبر ان الحملة، التي اتفق على عدم تسميتها بالحملة الانتخابية، اسفرت عن نتائج ايجابية تمثلت بانضمام 75 في المئة من المساجد الموزعة على المناطق الفرنسية الى النهج الانتخابي. وتعد هذه الانتخابات خطوة تاريخية بالنسبة الى مسلمي فرنسا البالغ عددهم نحو خمسة ملايين شخص كونها تزودهم للمرة الاولى هيئات تتحدث باسمهم وتطرح مشكلاتهم وقضاياهم مع الاجهزة المسؤولة، وتضعهم في مصاف الديانات الاخرى في فرنسا التي لكل منها مؤسساتها التمثيلية. كما تشكل في الوقت نفسه انتصاراً لساركوزي الذي نجح حيث فشل اسلافه على مدى السنوات العشر الماضية في اعطاء اسلام فرنسا وجهاً رسمياً يأمل ان يساعد على تطوير اوضاع الجالية وتعزيز اندماجها ليصبح افرادها "مسلمي فرنسا" وليس "مسلمين في فرنسا"، بحسب ساركوزي.