يتيح بينالي الشارقة الدولي للفنون في دورته السادسة، فرصة للاطلاع على التطورات والتصورات الفنية الحديثة، في دول مختلفة من العالم، اذ يشارك فيه ما يقارب 130 فناناً من 30 دولة، تلخص اعمالهم الفنية حواراً متعدد الامكانات والوسائل بين ثقافات العالم المتعددة. وتغلب على معظم الاعمال المشاركة سمة الجدة وتجاوز كل ما هو متوقع، او مألوف، الى الصادم والمفاجىء... الى درجة ان اللوحة في بنائها التقليدي بدت غائبة تماماً عن قاعات العرض الخمس. نجح البينالي في اظهار مدى التطور والتنوع التقنيين في الفن العالمي المعاصر. وفي التأشير الى التطور الذي يشهده الوعي الابداعي في تناوله ازمات الانسان المعرفية والجمالية. ويشارك في البينالي، الذي يستمر شهراً كاملاً، فنانون من آسيا وافريقيا والامريكتين واوروبا، الى جانب عدد من اصحاب التجارب الفنية العربية اللافتة، من مصر والبحرين والسعودية والعراق. من بريطانيا، شارك عشرون فناناً تشكيلياً، لعل ابرزهم الفنان بيتر فيلينغهام الذي ثبت اليافا زجاجية متعددة الألوان، على احجار فولاذية في ميدان عام في الشارقة، قابضاً على الجوهر الصوفي في فوضى او هياج المادية الصناعية. وبرزت ايضاً اعمال مارك بيلكينغتون الفوتوغرافية، واهمها "الجدار"، التي يصور فيها جداراً من الاسمنت طلي اسفله بالاسود، بصرامة هندسية. يقف جدار مارك امام جدار اخر يلامس أفقياً جانبي المشهد. ومن فرنسا، شارك عدد من الفنانين المعروفين. منهم ديريك بيسانت، الذي اشتغل على الامكانات الحسية المستحوذة، التي تنتجها شاشة الكومبيوتر، فقدم عملاً شديد الحساسية، تبدو فيه الشخوص بلا ملامح تقريباً كأنها مجرد ماكينات تعبأ او تشحن. ومن المشاركات الالمانية الكثيرة، تبرز اعمال رينيت انغر كاثي، التي حولت الضوء الى مادة ناطقة على سطح زجاجي، مشيعة اجواء شديدة الخصوصية في المكان.. ومن المانيا ايضاً، نتعرف الى تجربة روزماري تروكل التي مثلت المانيا في بينالي فينيسيا 1999. تطرح روزماري الكثير من القضايا الشائكة في اعمالها ذات النبرة الاحتجاجية. بيد ان احتجاجاتها هي على الذات، لا العالم او الآخر. ومع ان لأعمالها طابعاً صارماً، يقترب من المباشرة الجارحة، فهي تقدمها في اطار رمزي يحيل الى جوهر العملية الفنية. وبحضور فنانين من الولاياتالمتحدةالامريكية، كانت الحرب التي شنت على العراق حاضرة ايضا. اذ نفذ معظم الفنانين المشاركين، وهم اثنا عشر فناناً، عبر اعمالهم، الى اعلان احتجاجهم على قتل الانسان لمجرد ان هناك فائضاً من القوة. من هذا الباب، يمكن القول ان شغل جو الن في التصوير الضوئي والفيديو يمثل مستوى متقدماً من الممارسة الشجاعة لمقولات العبثية... فهو يحاكي الصليب المعدني المعقوف عبر تدويره في عكس اتجاه عقارب الساعة في مقابل طيف كامل من الوان الضوء. اما من اليابان، فيشارك ثمانية فنانين، ومنهم هيروشي اساتاني الذي حقق شهرة عالمية بعد مشاركته في بينالي استراليا قبل بضع سنوات. يلقي اساتاني بحجري نرد ضخمين من طائرة مروحية، كأنه يرغب في الحكي عما يكتنف مصائر الناس من غموض. انت حي او انت ميت بمحض المصادفة. وبطريقة ما، فأنت تقرأ هذه السطور بمحض المصادفة. من الصين، يشارك ثلاثة فنانين يطغى على اعمالهم النزوع ذاته نحو الحدود القصوى التي تتيحها التجريبية. ومن هؤلاء... زو مينغ الذي يظهر احد اعماله التصويرية كائناً بشرياً حبيساً في بالون يطفو على سطح البحر. وتبدو الفنانة الصينية تشن لينغ يانغ 1975 ذات تجربة شديدة الذاتية. اذ يستحيل جسدها الضئيل ساعة ترصد تبدل الوقت، ليس بالنسبة اليها فحسب، ولكن للعالم كله. وهي تختار الدورة الشهرية التي يصادفها جسدها في اوقاته المحددة، مثلما يستخدم الظل في اللوحة التقلدية. انها تدرك علاقتها الخاصة بالمعايير المختلفة للزمن، دورة القمر والشمس و تبدل الفصول والنمو البطيء للكائنات والنباتات. المشاركة الافريقية تقتصر على ثلاث تجارب، اهمها تجربة ويليام كنتريدج الذي يقدم كتابات زينو 2001، وهو فيلم قصير12 د يستند نصياً الى رواية لكيفين سفيفو تحمل الاسم ذاته، صدرت في العام 1923، وزينو هو شخص يعكف على تحليل نفسه منخرطاً في خواطر سردية متداعية تتعلق بالحاجة المتواصلة لاتخاذ موقف في سياق المجتمع المضطرب سياسياً بعيد الحرب العالمية الاولى. ويكتشف كنتريدج الصعوبات التي ينطوي عليها العيش في بلد كجنوب افريقيا بالنسبة الى مواطن ابيض. الى جانب هذه المشاركات، هناك تجارب لافتة من هولندا والنمسا والدنمارك واليونان وايطاليا وباكستان وبنغلاديش وغيرها. ويسجل البينالي في دورته السادسة، هذه، حضوراً عربياً منتخباً، تتوازى فيه اعمال الفنانين العرب وهم 24 فناناً مع المزاج التشكيلي السائد، الذي يحض على التجاوز والتخطي في بناء صورة الواقع الابداعي واستكمال لغة التميز الحضاري وتكوين الرؤى المتحررة والمفاهيم المغايرة في مجالات التعبير المختلفة. وهو ما اتاحته هذه الدورة، اذ لوحظت غلبة الاعمال التجهيزية الثابتة والمتحركة والفيديو والصورة والتداخل الضوئي على ما اعتادته العين العربية في المعارض والمناسبات الفنية الدارجة. ومن الاعمال الاماراتية اللافتة، تركيبات الفنان الاماراتي محمد كاظم. ويقام على هامش البينالي معرض مستعادة لثلاثة فنانين راحلين، هم: الفنان السوري سعيد مخلوف والرسام والنحات الكويتي عيسى صقر الذي تمثل تجربته الابداعية حالة متميزة على مستوى المنطقة، والفنان الاسباني المعروف ادواردو شيليدا. ويكرم البينالي كلاً من الفنان والناقد العراقي المعروف شاكر حسن آل سعيد والفلسطيني سليمان منصور والاردنية الأميرة وجدان علي والاماراتي حسن شريف. وأقيمت على هامش البينالي ندوات شارك فيها عدد من الفنانين والنقاد العرب والعالميين.