تتكثف الاتصالات لتطويق التداعيات السياسية المترتبة على تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، لما حملته من ردود فعل سياسية تجاوزت مواقف القوى المعارضة وامتعاض البطريرك الماروني نصرالله صفير الى قيادات وشخصيات رسمية تعتبر من "أهل البيت" الذي تألفت منه الحكومة، بسبب مآخذها على تغييب قوى اساسية عن صورة الاتصالات التي مهدت لاستقالة الحكومة السابقة. وكان لافتاً للمراقبين السياسيين غياب الحماسة لدى رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري، إضافة الى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي دعا الى مراعاة موقف البطريرك الماروني وعدم التفريط بالتضامن الوطني الذي تجلى في رفض الحرب على العراق وفي معرض التهديدات الاميركية ضد سورية، مشيراً الى ان مراعاة البطريرك تكون في عدم توزير بعض الرموز التي يمكن ان تستفز الشارع المسيحي ما دام ان اشراك لقاء قرنة شهوان في الوزارة غير وارد. وبطبيعة الحال، فإن المراقبين توقفوا امام احجام الرئيس الحريري عن التعليق على الحكومة وإبداء رأيه في التركيبة الوزارية. وكذلك لاحظوا الوجوم المسيطر على وجهه، وهذا ما اثار حفيظة الوزراء اعضاء اللجنة الوزارية المكلفة اعداد مشروع البيان الوزاري الذي سيقره مجلس الوزراء في جلسته العادية الخميس المقبل تمهيداً لاحالته على المجلس النيابي الذي سيبدأ مناقشة البيان وعلى اساسه سيمنح الحكومة الثقة. وفي معلومات "الحياة" ان الوزراء اعضاء لجنة البيان الوزاري كانوا سألوا الحريري في مستهل الجلسة التي عقدت ظهر اول من امس عن اسباب تجهمه، خصوصاً انهم لاحظوا عدم ارتياحه طوال المراحل التي مرت فيها عملية تشكيل الحكومة الى ان رأت النور ليل الخميس الماضي؟ وكان رد الحريري بحسب قول احد الوزراء، أنه لم يكن مرتاحاً للطريقة التي اتبعت من جانب البعض - في اشارة مباشرة الى مقربين من رئيس الجمهورية اميل لحود - الذين سارعوا فور الاعلان عن تقديم استقالة الحكومة الى الاتصال بعدد من الاشخاص لتهنئتهم باختيارهم وزراء في الحكومة العتيدة. وأكد الحريري أن بعض الوزراء الجدد احيطوا علماً بوجود نية قاطعة لتوزيرهم على رغم ان الاستشارات النيابية التي يقوم بها رئىس الجمهورية لتسمية الرئيس المكلف لم تكن بدأت بعد. مشيراً الى انه لا يجوز اتباع مثل هذا الاسلوب في تأليف الحكومات، إضافة الى ان البعض ايضاً سارع الى ابلاغ نواب ووزراء من الحكومة السابقة ممن لم يحالفهم الحظ للعودة الى الوزارة الجديدة بأنهم مطروحون كوزراء جدد، لكن المشكلة تكمن في رفض الحريري لهم او في وضع فيتو على اسمائهم. ورأى الحريري ان هذا الاسلوب "الرخيص" اساء الى عملية تأليف الحكومة، وقال ان البعض راهن على ان في مقدوره التحريض على رئىس الحكومة المكلف، مع ان هذا البعض بالذات يعرف جيداً أن الاسماء التي تم التداول فيها لم ترد ابداً في جميع التشكيلات الوزارية المتداولة قبل ولادة الحكومة. وأوضح الحريري انه ليس سلبياً في التعاطي مع احد من الوزراء او التعاون معهم. وقال انه عند قراره القائل بضرورة العمل من اجل اراحة سورية في هذه المرحلة العصيبة وعدم اشعارها ان هناك من يحاول ان يشغل بالها في شؤون داخلية في وقت تنصرف الى مواجهة التهديدات الاميركية. وتابع: "يدي ستكون ممدودة الى الجميع، وان ما يهمني التعاون، لكن لا يمكن ان تطلب مني ان اكون منشرحاً حيال ما حصل قبل تأليف الحكومة وبعدها". وأكد أنه لا يعتقد ان هناك صعوبة في التوفيق بين المجيء بفريق من الوزراء يحقق الحصانة السياسية وبين الاستعانة بفريق آخر قادر على العمل والعطاء، لافتاً الى ان تعذر توزير وزراء مقربين من لقاء "قرنة شهوان" لا يعني بالضرورة توزير وزراء يمكن ان يشكلوا استفزازاً للبطريرك الماروني الذي اتخذ موقفاً تاريخياً لا يتعلق بمسيحيي لبنان فقط وانما بالمسيحيين في العالم العربي أيضاً وان لموقفه من الحرب على العراق والتهديدات الاميركية ضد سورية اثراً فاعلاً في استنهاض الوضع الشعبي. وأضاف: "ارجو ألاّ يفهم كلامي على انني من الذين كانوا يشترطون توزير ممثلين عن لقاء "قرنة شهوان"، بمقدار ما ادعو للحفاظ على الجو الشعبي المتماسك وعدم توفير الفرصة للمتضررين من استخدام قضية التوزير لضرب المناخ الوفاقي الشعبي". لكن الحريري، قرر ان يخطو خطوة ايجابية في اتجاه الرئىس لحود لا تقتصر على قيامه مساء السبت بزيارة القصر الجمهوري في بعبدا للتهنئة بحلول عيد الفصح المجيد لدى الطوائف الغربية في لبنان، وانما للتشديد على ان كل ما لديه من مآخذ محقة ومشروعة اصبحت من الماضي، وبالتالي ليس في وارد الوقوف عندها مع الانتقال من مرحلة تأليف الحكومة التي عابها الكثير من الشوائب الى مرحلة انطلاقة الحكومة للإمساك بزمام المبادرة. وجاءت خطوة الحريري كترجمة لما قاله امام الوزراء اعضاء لجنة الصياغة وفي اتصالاته بكبار المسؤولين السوريين. وعلمت "الحياة" ان الحريري صارح لحود بما لديه من ملاحظات، خصوصاً لجهة قيام مقربين منه باستباق الاستشارات والمشاورات النيابية وابلاغ نواب وشخصيات أنهم سيكونون في عداد الحكومة. إلا ان الحريري لم يتوقف عند تسجيل موقف اعتراضي على الاسلوب الذي لجأ اليه عدد من المقربين، بل بادر الى مصارحة رئىس الجمهورية بقوله ان ما حصل اصبح من الماضي و"ان ما يهمني انجاح الحكومة، وان ما قلته في السابق اعود وأؤكده اليوم، من انني لست في وارد الاختلاف معك، او البحث عن مشكلة، وسأقوم بواجباتي كرئيس لمجلس الوزراء على اكمل وجه، ولن ادرج على جدول الاعمال اي بند يمكن ان يشكل مشكلة بيننا، لكن اظن اننا قادرون على التعاون، فالرغبة كانت ولا تزال قائمة، وأظن انك كذلك، وهذا يستدعي ترجمته الى خطوات ملموسة". وسمع الحريري كلاماً مماثلاً من لحود، ما يدعو الى وجود رغبة في فتح صفحة جديدة للتعاون، لكن يبقى اختبار النيات للتأكد من ان الحكومة الحالية ستتفادى المطبات التي وقعت فيها سالفتها. وان مجلس الوزراء لن ينقسم على نفسه ولن يكون ضحية خلاف بين رئىسي الجمهورية والحكومة، لأن مجرد الخلاف يعني ان كل قضية وإن كانت عادية قابلة لأن تتحول الى مادة مشتعلة بالمعنى السياسي للكلمة.