يبدي البنك الدولي اهتماماً متزايداً بأوضاع اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، التي تضررت من تداعيات الحرب على العراق. وتعتقد مؤسسات "بروتن وودز" صندوق النقد والبنك الدوليان والمؤسسات التابعة لهما في واشنطن ان الأزمة الاقتصادية الحالية قد تستمر لفترة اخرى بسبب عدم وضوح آفاق التسوية في العراق، ما قد يؤثر سلباً على مسلسل الاصلاحات التي تحتاجها تلك الدول لادماجها في الاقتصاد العالمي. قال خبراء من البنك الدولي، في تصريحات الى "الحياة" في الرباط أمس، لمناسبة تقديم تقرير التنمية في العالم لسنة 2003 تحت عنوان "تنمية مستدامة في عالم متغير"، ان النمو الاقتصادي في منطقة "مينا" منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد ينخفض عامي 2003 و2004 بسبب التأثير الذي خلفته الحرب في العراق على دول المنطقة مجتمعة، على رغم اختلاف حجم التأثير من دولة الى اخرى. ويتوقع البنك الدولي ان تراوح معدلات النمو في المنطقة العربية بين 3.4 و4 في المئة سنوياً في الفترة بين 2003 و2005 مقابل 4.7 في المئة في الدول النامية، وذلك بسبب تراجع الصادرات والعائدات السياحية واستمرار الاحساس السلبي للمستثمرين ازاء المنطقة العربية، مما قد تنجم عنه مصاعب في جذب استثمارات أجنبية تعتمد عليها بعض الاقتصادات المحلية، التي قد تجد نفسها مضطرة الى التعامل مع وتيرة أبطأ للاصلاحات الهيكلية. لكن هذه الدول، وفقاً للبنك الدولي، ستستمر في الاعتماد على تحويلات المهاجرين، التي بلغت قيمتها العام الماضي نحو 14 بليون دولار، كانت حصة المغرب منها 3.3 بليون دولار، تليها حصص مصر 2.9 بليون دولار ولبنان 2.3 بليون دولار والأردن بليونا دولار. وباتت التحويلات تمثل ثاني أهم مصادر الدخل في عدد من دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وتعتبر دول مثل السعودية والكويت وعُمان والبحرين مصادر مهمة للتحويلات نحو دول نامية عدة، منها دول في الشرق الأدنى. ولم تتضرر هذه التحويلات كما حدث في حرب الخليج الثانية مطلع التسعينات. وهي عوضت نسبياً تراجع السياحة في عدد من الدول العربية المتوسطية. وحدّد خبراء البنك الدولي أربع دول عربية لها اتفاقيات شراكة مع الاتحاد الاوروبي سيتراجع نموها الاقتصادي السنة الجارية، بسبب تداعيات الحرب وتأثيرها على حركة السياحة وتدفقات رؤوس الأموال والتجارة الخارجية. وهذه الدول هي مصر والأردن وتونس والمغرب، التي قد يتراجع النمو فيها بسبب انهيار حجم العائدات السياحية وتقلبات أسعار النفط وتقلص حجم الاستثمارات الأجنبية التي كانت تزيد على 15 بليون دولار. وتراهن الدول الاربع على اقامة منطقة للتجارة الحرة بينها، والاستفادة من علاقاتها مع الاتحاد الاوروبي ومن مواصلة الاصلاحات وتحرير الاقتصاد، استعداداً للمنطقة الحرة الاورومتوسطية في أفق سنة 2010. ويقول الخبراء ان عدم الاستقرار في المنطقة العربية لن يمكن التغلب عليه بسرعة، ما قد يبطئ وتيرة الاصلاحات التي تحتاجها دول الشرق الأوسط للاندماج في الاقتصاد الدولي، حيث يزيد معدل البطالة في هذه المنطقة على 20 في المئة. وتمس البطالة بصورة خاصة فئة الشباب التي قد تشعر بالاحباط في حال عدم تسريع خطى القضاء على الفقر الذي يمس عدداً كبيراً من سكان الأرياف. من جهته، أعرب خبير البنك الدولي، زماراك شاليزي من أفغانستان، عن تفاؤله في اقتصادات المنطقة العربية في الأمد الطويل. وقال ان تجارب ما بعد الحرب العالمية الثانية وفّرت فرصاً هائلة لاعادة البناء والاعمار في اوروبا الغربية واليابان وكوريا في الخمسينات، "بسبب ما تتيحه برامج الاعمار من مجالات استثمار وعمل وجذب لرؤوس الأموال". وقال انه يتوقع ان يتم القضاء على الفقر والتخلف خلال الجيلين المقبلين في العالم، وان تكون المنطقة العربية بسبب مواردها إحدى أكثر المناطق التي ستتلقى قسطاً كبيراً من تدفقات الاستثمار التي تقدر بعشرات البلايين من الدولارات على مدى العقود القليلة المقبلة. تدمير ثم بناء ولم يجب الخبير الدولي بوضوح على سؤال ما اذا كانت الحرب في العراق مفيدة لاعادة الاعمار وتحسين مستوى معيشة السكان، وما اذا كان من الضروري تدمير البنى التحتية ثم اعادة بنائها وبأي وسائل. لكن البنك الدولي، الذي أعلن رغبته المشاركة في إعادة الاعمار في العراق، لا يضع علاقة مباشرة بين الحروب والتنمية، حيث ان دولاً اخرى في افريقيا جنوب الصحراء واميركا اللاتينية وآسيا عاشت حروباً مدمرة ولم تشهد نهضة مماثلة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويعتقد خبراء البنك الدولي ان كفاءة العنصر البشري والموارد الطبيعية قد تحدد حجم النمو الاقتصادي عبر العالم، الذي سيرتفع عدد سكانه الى عشرة بلايين نسمة سنة 2050 ويكون حجم اقتصاده 150 الف بليون دولار، أي أربع مرات حجم الاقتصاد العالمي اليوم، مع زيادة العجز في الموارد الطبيعية، مثل المياه والغابات والأراضي الزراعية والطاقة والثروات البحرية، في الوقت الذي سيعيش نحو ثلاثة بلايين شخص دون سقف الفقر، منهم 19 في المئة حالياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا وتركيا مينا.