نامت الشعوب العربية عقوداً طويلة في أحضان الاستبداد الذي عطل طاقات الأمة، فقتل كرامة الإنسان فيها، وجعلها رهينة القائد الفرد الفذ الذي لا يخطئ أبداً. وفيما كان الإنسان العربي مصادراً لحساب الزعيم الأوحد طوال عقود من الزمن، كان الإنسان الغربي ينطلق في ميادين العلم والبحث والمعرفة، ويسخر قوانين الأرض والسماء حتى أصبحت عنده أعتى قوة اقتصادية وعسكرية في العالم. وعندما جاء إلينا بقوته مستغلاً ضعفنا وهذا تصرف طبيعي من القوي تجاه الضعيف إذا كان القوي لا يملك الرادع الأخلاقي، أخذنا نطلب من الله أن يغير قوانين الحياة وسننها كلها، وأن يعطينا نصراً لم نأخذ بأسبابه، ولا نملك مقوماته. لعل الألم الرهيب الذي يعتصر قلوبنا مما يحدث في العراق، اليوم، ألم المخاض الذي نولد فيه من جديد ويوقظنا جميعاً، شعوباً وحكاماً. يوقظ الشعوب لتترك حياة الخوف والعبودية والسلبية، ويوقظ الحكام ليعاملوا شعوبهم بإنسانية واحترام. أنا لست من الذين يحمِّلون الحكام كل المسؤولية في ما وصلنا إليه، إنما هي مسؤوليتنا جميعاً، حكاماً ومحكومين. وكذلك الخروج مما نحن فيه هو مسؤوليتنا جميعاً، حكاماً ومحكومين، وإن كان الحكام يتحملون القسط الأكبر من هذه المسؤولية. وإذا أراد هؤلاء الحكام أن ينقذوا أنفسهم من الذهاب الى "منتجعات" التاريخ، وأن ينقذوا أوطانهم من أقدام الغازي الأميركي، فأمامهم اليوم فرصة تاريخية ليصالحوا شعوبهم، ويعاملوهم كبشر، وليس كقطعان من الأغنام. دمشق - الدكتور ياسر العيتي [email protected]