على رغم تطوّر الحياة الاجتماعية وتبدّل الكثير من العادات والتقاليد ودخول المرأة معترك الحياة إلى جانب الرجل وظهور قيم ومفاهيم جديدة ساهمت في تحرّرها من بعض القيود، إلا أنّها ما زالت أسيرة الموروث الاجتماعي الذي يكرّس سيطرة الجنس الخشن، الأمر الذي ينعكس سلبًا على حياتها ويجعلها غير قادرة على الأخذ بزمام المبادرة لوقف الممارسات العنيفة التي ما زالت ترتكب بحقها من الزوج والأب والأخ. وأظهرت دراسة قام بها "الاتحاد النسائي" في سورية أنّ 85 في المئة من الزوجات يتعرّضم لأشكال العنف المختلفة من أزواجهن من ضرب وإهانات وطلاق تعسفي. وأكّدت الدراسة التي شملت عيّنة من 240 امرأة أنّ 8،20 في المئة من النساء تعرّضن لممارسات عنيفة من اعتداء وضرب وأذى جسديّ من الأزواج أو الآباء وأنّ 10 في المئة منهنّ يعانين من الحرمان والاستغلال المالي. كما بينت أنّ 1،54 في المئة من النساء هن ربات بيوت و1،19 في المئة موظفات و1،9 في المئة عاملات و8،5 في المئة عاملات في مهن حرة و5،2 في المئة مزارعات. ويعتبر الباحثون في علم الاجتماع أنّ العنف ضدّ المرأة قد يؤثر في وضعها الاجتماعي والنفسي وفي تعاملها مع الآخرين، خصوصاً العنف الجسدي والمعنوي منه الذي يساهم في إقصائها عن المواقع الأساسية، لإحساسها بالدونية وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات والقيام بخطوات إيجابية كون ما تقوم به يعتبر مناقضاً لما هو سائد في المجتمع. ويعتقد أستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق الدكتور بلال عرابي أنّ ظاهرة العنف ضد المرأة مرتبطة بموقعها الاجتماعي، فهي تقع ضمن نظام ذكوريّ يقول بتقدّم الرجل على المرأة وبخضوعها له سواء تعلّق الأمر بالزوجة أم بالأخت أم بالابنة. وقال عرابي ل"لحياة": "من أشكال العنف ضدّ المرأة عدم إعطائها دوراً في المجتمع وتصويرها كمصدر للمشكلات، كما هي الحال في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والسينمائية التي لا تنقل صورة المرأة العاملة التي توفّق بين بيتها وعملها ونجاحها إلا نادراً". ولفت إلى الآثار السلبية التي قد يتركها العنف بأشكاله كافةً على شخصيتها ووضعها خصوصا في ما يتعلّق بطريقة تربيتها لأبنائها وتعاملها معهم في المستقبل اذ تؤدّي دوراً كبيراً قد ينعكس سلباً على أولادها عبر إسنادها لبناتها مهمات منزلية وتوجيههن نحو عدم مخالفة أوامر الأب أو الأخ أو الزوج في المستقبل كشرط أساسيّ للمحافظة على أسرتها، بينما تسند الأدوار الأكثر أهمية للذكور من أولادها ما يجعلهم يعتقدون أنّهم أفضل من أخواتهم البنات. وأضاف: "هذا الأمر موجود حتى في الكتب المدرسية للمرحلتين الابتدائية والثانوية. وقد بينت الدراسات في مختلف الدول العربية أنّ 70 في المئة من الصور الموجودة في الكتب الابتدائية تسند الأدوار الأساسية للرجل، ولا تحصل المرأة إلا على 30 في المئة منها. ولوحظ غياب كامل لدور المرأة كقائدة أو صاحبة فكر اذ تصوّر هذه الكتب ميسون مثلاً وهي تساعد أمها في البيت فيما يساعد باسم أباه خارج المنزل". وأكّدت دراسة "الاتحاد النسائي" أنّ 8،55 في المئة من اللواتي اشتكين من الضرب والاعتداء وسوء المعاملة هن من المتزوجات و1،24 في المئة منهنّ من المطلّقات، و7،15 في المئة من الأرامل والعازبات. ولفتت الدراسة إلى أنّ 6،26 في المئة من نساء العينة تزوّجن دون العشرين و5،37 في المئة من طريق الأهل و10 في المئة بناءً على اختيارهم الشخصيّ. وأشارت الدراسة إلى أنّ 8،28 من النساء أكّدن وجود تباين في العمر بين الأزواج، إذ يكبر هؤلاء زوجاتهم بسنين عدّة تفوق في بعض الأحيان العشرين عامًا بينما أكّد 5،12 في المئة من الحالات وجود تباين في مستوى التعليم بين الزوجين مما انعكس سلباً على حياتهما الزوجية وتسبّب في عدم التفاهم وانتشار العنف داخل العائلة. وقال عرابي: "يجب تغيير بعض التشريعات والقوانين لحماية المرأة من العنف الممارس ضدّها"، مشيرًا إلى "أنّ الأرقام الإحصائية غير دقيقة لعدم توافر تقارير حول مقدار العنف الذي يطال المرأة في المخافر السورية. كما أنّ المرأة التي تتعرض للضرب والأذى الجسديّ غالبًا ما لا تتقدّم بشكوى في المخافر ضدّ زوجها أو والدها لأنّها تعتبر ذلك أمرًا معيبًا". وطالب بإنشاء مراكز استشارية أسوة بالبلدان الأوروبية لمساعدة المرأة وحمايتها من العنف كجزء من الرعاية الاجتماعية التي ينبغي على الجهات المعنية توفيره لها كي تتمكّن من التعامل بيسر وسهولة مع الناس والمجتمع وأولادها.