عندما تطأ أقدام المهاجرين العرب أرض المغترب الكندي غالباً ما تكون نفوسهم مثقلة بطموحات كبيرة تستند الى خلفية ما حصلوه من علوم ومعارف ومهن وخبرات هي في ظنهم صالحة لكل زمان ومكان. إلا أنهم سرعان ما يفاجأون، وهذه هي حال الغالبية منهم، بأن تلك الآمال ليست سوى سراب في بلد لا يعير اهتماماً الا لشهاداته وثقافته وتقنياته، ما يدفع بالكثير من هؤلاء الى اختيار قسري هو واحد من أمرين : إما ان يتخلوا عن مخزونهم الاكاديمي والمهني ويتحولوا الى ما يسمى "مهن الضرورة" وما أكثرها لدى شرائح المهاجرين، وإما ان ينكبوا على اعادة تأهيلهم بلغات وعلوم ومهن اخرى تتناسب ومتطلبات سوق العمل الجديد. إلا ان بعض المحظوظين قد يشذون عن هذه المعادلة لظروف ذاتية وموضوعية امثال انطوان كرم، أحد اللبنانيين المقيمين في مونتريال منذ عام 1989 والذي قدر له ان يحظى بعد سنوات من التأهيل المهني، بوظيفة دائمة في قطاع النقل العام وان يزاول في الوقت نفسه المهنة التي نشأ عليها في لبنان. كان واحداً من الفريق المؤسس لراديو "دلتا" و"إذاعة كابيتول" التي شملها الاقفال الرسمي. في معرض حديثه عن هذه التجربة يقول كرم "قد يستغرب البعض كيف انني اجمع بين مهنتين لا يربط بينهما شيء. فتجربتي كاعلامي سابق ظلت تراودني الى جانب عملي الذي أقوم به الى ان اختمرت في رأسي فكرة تأسيس اذاعة عربية في مونتريال لا سيما أن السوق الاعلامية والاعلانية كانت تشهد حينذاك فراغاً اذاعياً على رغم وجود بعض الصحف الاسبوعية والبرامج التلفزيونية التي تبث لساعات محدودة. هكذا كانت البداية توفق بين رغبة شخصية جامحة وحاجة جاليوية ملحة". وفي عام 9619 أسس كرم اول محطة اذاعية عربية تحت اسم "راديو الشرق الاوسط في كندا" بعد فترة تحضير استغرقت سنوات عدة انجز خلالها المعاملات الادارية للحصول على ترخيص قانوني والقيام بحملة واسعة من الاستشارات للوقوف على آراء ابناء الجالية ورغباتهم. ومما ساعده على نجاح مشروعه وجود بعض الاصدقاء ممن كانوا معه في فريق اذاعتي "دلتا" و"كابيتول" في لبنان. وبدأت الاذاعة بث برامجها على موجة أف أم 24 ساعة من 24. إلا أنها اقتصرت على البرامج الغنائية التي كان يخالطها بين الحين والآخر بعض الفواصل الاعلانية. وثبة نوعية استمرت الاذاعة على هذا النسق سنة كاملة الى ان كان عام 1997 بداية لانطلاقة نوعية شاملة. فقد زاد عدد العاملين فيها من اربعة اشخاص الى 22 معظمهم من المتطوعين يتناوبون العمل فريقاً بعد آخر، وتوسعت شبكة الارسال لتغطي مونتريال وضواحيها، واضيفت اليها تحسينات فنية حديثة اشتملت على اجهزة ارسال لاقطة واجهزة كومبيوتر وارشيف فني متنوع. وبلغت تكاليف المشروع نحو 300 الف دولار. وانعكس كل ذلك على عدد المشتركين الذي ارتفع من بضع مئات الى نحو 125 الف مشترك يتوزعون اليوم على المنازل والمؤسسات التجارية والخدماتية مثل مخازن التموين وشركات السياحة والسفر والمطاعم والاندية الثقافية والاجتماعية وغيرها. كما شملت النقلة النوعية تشعب برامجها وتنوعها وتعددها واستجابتها مختلف اذواق المستمعين العرب. فهي علاوة على المنوعات الغنائية والموسيقية تبث ثلاث نشرات اخبارية يومياً وقراءة لمختارات من الصحف العربية واللبنانية والكندية والاسرائيلية. كمت تبث برامج تثقيفية على غرار "بطاقة هوية" الذي يتضمن تعريفاً موجزاً بالمشاهير العرب والعالميين و"شوارع المدينة" التي تحمل أسماء الشخصيات الكندية الوطنية و"ركن المرأة" الذي يعزز توعيتها وإرشادها الى حقوقها المدنية وحمايتها من العنف والتمييز العنصري إضافة الى برامج الاطفال والمقابلات الشخصية الدورية مع لفيف من المثقفين والفاعليات التجارية والاقتصادية من أبناء الجالية. يشار الى ان هذه البرامج جميعها تبث أيضاً على موقع الاذاعة الالكتروني على الانترنت wwwcrmo.ca وعلى مدار الساعة في أكثر من 46 بلداً في العالم. ومن الانجازات المهمة ان الإذاعة تمكنت من تحقيق تعاون إعلامي واسع مع بعض المؤسسات العالمية والعربية من اهمها اذاعة "صوت لبنان" و"راديو كندا الدولي" و"اذاعة مونت كارلو" الفرنسية.