مرة اخرى اعود الى موضوع نفط العراق ودوره في الحرب، فقد رأيت بعد الضجة المثارة والجدل مع عدد من القراء ان اراجع التفاصيل مع بعض الاصدقاء العراقيين والمسؤولين الاميركيين المهتمين بملف النفط، إضافة الى المعلومات المتوافرة من مراكز البحث ووسائل الاعلام. هناك فرق عمل كثيرة تضم عراقيين وخبراء اميركيين تجتمع دورياً في واشنطن برعاية وزارة الخارجية الاميركية، للتخطيط لعراق ما بعد صدام حسين، ومن بين هذه الفرق واحد باسم فريق العمل للنفط والطاقة عقد الاسبوع الماضي اجتماعه الثالث في واشنطن للبحث في مستقبل نفط العراق. الفريق يخطط لاعادة تأهيل قطاع النفط ويدرس توجهاته الممكنة. وأمامي تقديرات من مراكز ابحاث مستقلة تقدر ان قطاع النفط العراقي بحاجة الى استثمار 50 بليون دولار لاصلاح ما دمر من هذه الصناعة وتوسيعها. اما العراق نفسه فتقول المراكز انه بحاجة الى 250 بليون دولار في الفترة نفسها لترميم بنيته التحتية وإعادة بناء قطاعات التعليم والصحة والادارة والأمن والجيش وغير ذلك. الاهتمام بنفط العراق مفهوم، وهو لا يذكر الا ويذكر معه ان للعراق احتياطياً يقدر بحوالى 112 بليون برميل، هو الثاني بعد المملكة العربية السعودية. وربما زدنا على سبيل التذكير ان العراق كان ينتج 5،3 بليون برميل قبل الحرب مع ايران، اما اليوم فالحد الاقصى المقدر للانتاج هو 8،2 بليون برميل، وهو رقم يجعل العراق ثالث منتج بين الدول الاعضاء في "اوبك". وطبعاً فالانتاج العراقي الحالي مقيد ببرنامج النفط مقابل الغذاء، والأممالمتحدة تتلقى دخل النفط العراقي وتشرف على إنفاقه. ولكن من المعروف ان هناك انتاجاً للنفط وتهريباً، خارج نطاق الأممالمتحدة وبرنامجها. والخبراء يقدرون دخل العراق من النفط السنة الماضية بين 12 بليون دولار و14 بليوناً. في واشنطن قدم فريق العمل دراسات عن تاريخ التنقيب عن النفط في العراق، وسياسة الانتاج ومبادئه، وإعادة تأهيل، اي اصلاح، آبار النفط وأنابيبه على المدى القصير، والتنقيب عن النفط وانتاجه، وبعد ذلك التكرير وفصل الغاز والتخزين والتوزيع. اجتماعات واشنطن مهمة جداً لأن الارجح ان المجتمعين هناك هم الذين سيقررون مستقبل نفط العراق بعد اطاحة نظام صدام حسين. والمجتمعون من عراقيين وأميركيين يحاولون جهدهم نفي التهم الشائعة، ويقولون ان نفط العراق للعراقيين، وانه سيمول اعادة بناء البلاد بعد صدام. وهم اتفقوا في اجتماعهم الاخير في واشنطن على "العناوين" الآتية: - لن ينفذ تطوير اي حقول نفط جديدة، الا اذا تحقق استقرار سياسي. - يجب ان يدير العراقيون نفط بلادهم والغاز الطبيعي والموارد الاخرى لخدمة شعب العراق. - عوائد هذا القطاع يجب ان تستغل لاعادة تعمير العراق وتنميته، مع اهتمام خاص بسكان مناطق النفط الفقراء. - مع ان النفط هو العنصر الاساسي في اقتصاد العراق، الا ان التنويع الاقتصادي مفتاح الاستقرار البعيد المدى. - التكنولوجيا الحديثة، والخبراء المحليون والأجانب، سيلعبون دوراً حاسماً في التطوير السريع لقطاع النفط. - يجب ان تطور البلاد المناخ الاقتصادي الصالح الذي يسمح بالاستثمار في موارد النفط والغاز واستغلالها، بأفضل طريقة ممكنة لفائدة الشعب العراقي. - بدأ فريق العمل مباحثات على خطط لمواجهات سيناريوات مختلفة تناسب الظروف المتغيرة المقبلة. طبعاً لا يوجد احد يمكن ان يعترض على الشرح هذا، ولكن ارجو ان يكون بين السيناريوات واحد يعالج احتمال ان يحرق صدام حسين حقول النفط العراقية كما فعل بنفط الكويت. المشكلة ليست في حسن نيات العراقيين الذين يزورون واشنطن للبحث في مستقبل بلدهم، نفطاً وغير نفط، وانما في النيات الاميركية. وحتى لو صفت النيات هذه، فإننا نقول في لبنان "ان حساب الحقل قد لا يتفق مع حساب البيدر"، والادارة الاميركية قد تجد ان ادارة العراق بعد الحرب اصعب من الحرب نفسها. ثم ان هناك معلومات من مصادر عدة، بينها اميركي، تقول ان الادارة الاميركية لا تملك تصوراً واضحاً للعراق بعد اطاحة نظام صدام حسين، فنسمع احياناً عن حكومة عسكرية اميركية، وأحياناً عن تسليم المعارضة العراقية من الخارج الحكم بدعم عسكري اميركي. ثم نسمع ان الادارة قررت استبعاد هذه المعارضة، وتفضل التعامل مع عناصر غير ملوثة، ان وجدت، من داخل البلاد لأنها تعرف الوضع الداخلي في شكل افضل من معارضي الصالونات والفنادق المعروفين. مهما يكن من أمر فصدام حسين لن يتنحى عن الحكم ولن يستقيل بناء على رغبة عربية. والتدخل العسكري الاميركي يبدو الوسيلة الوحيدة لاطاحته، مع رجائنا ألا يخيب امل العراقيين مرة اخرى فيستبدل ديكتاتور مؤيد للولايات المتحدة بديكتاتور يعارضها، او يخلف استعمار جديد نظاماً قمعياً يجب ان يرحل بأي وسيلة. جهاد الخازن