هناك سنن كونية وضعها الخالق سبحانه للنصر والهزيمة لا تختلف بالمسميات أو ظواهر الأمور وإنما ترتهن بالإيمان والانصياع لمنهج الله، أهمها أن معيار القوة والتفوق النوعي والتسليحي والعددي يكون هو المعمول به عند تساوي الفريقين المتصارعين في الانحلال والانصراف عن منهج الله مع عدم التعويل على عقيدة هذا الفريق أو ذاك أو ديانته، فلا كرامة لفريق يزعم الإيمان أو الإسلام قولاً من دون أن يصاحب هذا الزعم تطبيق على أرض الواقع فينصرف عن أوامر الله سبحانه والغرض من الخلق وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ويعمل على تبديل أحكامه بأخرى من صنع البشر وإفشاء الرذيلة وقد سمى الله سبحانه إيمان هؤلاء زعماً ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً، أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون. وقد رسخت في صفحات التاريخ كلمات من ذهب للفاروق العادل عمر بن الخطاب وهو يوجه جنوده الذين انتشروا يعلمون البشرية مبادئ العدل والحرية والعبودية لله "إذا استويتم مع عدوكم في الذنوب والمعاصي تفوق عليكم بالعدة والعتاد". فأهم مكامن الخلل في الأمة أنها ولت وجهها بعيداً من منهج الله سبحانه والغاية التي خلقهم من أجلها واتبعت مناهج الغرب حذو القذة بالقذة وفرق كبير جداً بين متابعة مناحي التطور العلمية والأخذ بتقنيات الدنيا الحديثة وبين مفارقة الغرب في أمور العقيدة والدين. إن لدينا رصيداً هائلاً من الحضارة الإسلامية السامقة في العلوم الانسانية والسياسية والاجتماعية لم نستفد منه على النحو الذي يطلقنا من عقال التخلف والرجعية السياسية إلى رحاب التقدم والتفوق. بل إن أحد مكامن الخلل أيضاً لدينا هي فشلنا في مضمار تحقيق الوجود التقني والتكنولوجي. مما لا شك فيه أن الألم يعتصر قلوبنا مما يحدث ويقع على شعبنا في العراق، وإذا تعلقت قلوب المسلمين بحب النصر للروم النصارى أيام كان القرآن يتنزل على رسول الله واعتصرت قلوبهم على هزيمة الروم على يد الفرس المشركين فقال الله سبحانه غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، فإن قلوبنا تتعلق أيضاً بحب انكسار الغزاة الأميركيين والبريطانيين ودحر عدوانهم، إننا نتمنى من حبات قلوبنا أن تصمد بغداد شعباً وجيشاً كرهاً للغزاة لا حباً بالنظام، لكننا لا نغفل أيضاً في هذه المحنة التي تعتصرنا والفتنة التي فرقتنا ضرورة الاستفادة من الدروس والعبر، ومن ذلك أن العراق لم يرفع الراية الإسلامية في حربه أو رد العدوان الاميركي وأنه انصرف عن استحضار أسباب النصر بالتقرب من الله وتطبيق أحكامه. يصعب علينا كثيراً أن نرى معاناة الشعب العربي في العراق يتعرض للقصف الوحشي لكن في الوقت نفسه كنا نتمنى أن يلعب هذا الشعب دوراً ايجابياً ويفرض إرادته، والمؤلم أن الإسلام غائب عن هذه الحرب على رغم أنه المتهم الأول فيها. إننا ما زلنا نتعلق بأمل دحر الغزاة عن العراق حباً لبلد عربي عزيز كان يوماً مقراً لدولة الخلافة شهد عز الإسلام، وفي هذا السياق نفهم فتوى الأزهر التي خرجت من مجمع البحوث الاسلامية تتحدث عن الجهاد ضد الغزوة الصليبية على العراق متى حل العدو بأرض من بلاد المسلمين، لكننا نرنو إلى ضرورة الاستفادة من المحنة على نحو أبعد يعيد هيبتنا ويحقق عزوتنا، فالخيرية التي أرادها الله لنا كنتم خير أمة أخرجت للناس رهينة ضوابط وشروط تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله، فإذا افتقدنا هذه الضوابط وتنكرنا لتلك الشروط فلا خيرية لنا أو كرامة تضمن الفوز أو النصر. كانت هزيمة الجيش المصري في حزيران يونيو 1967 قاسية ومفجعة زلزلت كيان المجتمع المصري للمهانة التي لحقت بالجيش المصري والانسحاب المهين، وقد كانت محنة عظيمة تحولت بفضل الله إلى منحة إذ تحولت بسببها القلوب إلى الله سبحانه، وكانت إيذاناً بتدفق الصحوة الإسلامية. * محام مصري وكاتب إسلامي.