ارتكب صدام حسين جرائم كثيرة لا ينكرها الا مكابر، غير ان الولاياتالمتحدة ردّت على جرائم النظام العراقي بجريمة أكبر، فهي تخوض حرباً عليه خارج نطاق الشرعية الدولية لخدمة أهداف الاستعمار الجديد واسرائيل. وصدام حسين دمّر العراق، غير ان الولاياتالمتحدة اليوم تعمل على إكمال المهمة بأسلحة غير متوافرة للنظام العراقي، وهكذا الديموقراطية وحقوق الانسان ومصير الأبرياء في عصر الهيمنة الأميركية. أزعم ان بوش يغامر بالحرب ويقامر، فالحرب الناجحة ستحل كل مشكلاته من تعثر الاقتصاد الى ضمان ولاية ثانية فشل والده في انتزاعها. وواضح ان هناك من اقنع الرئيس بأنه سيفوز بنصر سريع حاسم، وسيرسي قواعد عراق مسالم مزدهر بعد ذلك. وفي حين ان الاحتمال الأول ممكن، فإن الثاني صعب الى صعب جداً، ولن أقول انه مستحيل. ثمة قاعدة، أو مسلّمه، تغيب عن بال السياسيين وهم يخططون لحرب، هي ان كسب الحروب أهون من كسب القلوب. وفي موضوع الولاياتالمتحدةوالعراق تحديداً، فإن ادارة بوش تتصرّف منفردة بعد ان عجزت في اقناع بقية العالم بتأييدها. فالحلفاء قبل الخصوم لم يقتنعوا بأن الوسائل السلمية استنفدت، بل ربما كان الاصرار الأميركي على الحرب قد زاد من اقتناعهم بأن القوة العسكرية الهائلة للولايات المتحدة تغري باستعمال القوة بدل طلب حلول ديبلوماسية. وهذا يذكرني بقول أميركي قديم هو: "اذا كان سلاحك الوحيد مطرقة فكل شيء سيبدو كمسمار". المطرقة الأميركية ستفوز بالحرب، الا انها لن تفيد خلال الاحتلال التالي. فالمراقبون كافة، من أنصار الحرب ومعارضيها، يكادون يجمعون على ان الولاياتالمتحدة لم تخطط لما بعد صدام حسين، كما خططت لحرب اسقاطه. ونسمع الشيء ونقيضه عن برنامج ما بعد الحرب، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد يعد قائلاً: "سنترك بأسرع وقت ممكن"، الا انه لا يعد بأن يترك وراءه حكومة قادرة على الحكم، ثم لا يحدد ولو عَرَضاً موعداً لترك العراق بعد احتلاله. التركيز الأميركي في الأشهر الأخيرة لم يكن على "اليوم التالي"، وإنما على بناء قوة عسكرية كافية للنصر، بعد ان طلع الرئيس بوش بأول استراتيجية جديدة للأمن القومي الأميركي منذ 50 سنة، هي الحرب الاجهاضية. وقد سمعناه يقول في مطلع الاسبوع: "ان للولايات المتحدة الحق السيادي في استعمال القوة لحماية أمنها القومي... الذي هو ليس مسألة حق بل ارادة". كيف وصل جورج بوش الى هذه القناعة؟ هو لم يتطرق ابداً الى هذه السياسة خلال حملته الانتخابية، عندما بدا انعزالياً جديداً، واكتفى بترديد ضرورة تعامل "متواضع" مع بقية العالم. الا ان العصابة الليكودية الشارونية من مسؤولي الصف الثاني في الادارة، وأصر على أنهم يعملون لخدمة اسرائيل ومصالحها فقط، بدأوا فوراً بإرساء أسس فكرة السياسة الاجهاضية في زعمهم، والعدوانية في نظر العالم الخارجي، وأقنعوا جورج بوش بها تدريجاً، فأخذ يطلق تصريحات متفرقة بهذا المعنى خلال أشهر من دخوله البيت الأبيض. وجاء ارهاب 11/9/2001 ليضمن نجاح الفكرة. غير ان الأمور لم تسر كما تشتهي الولاياتالمتحدة في الأممالمتحدة، فكان ان انتهت الى موقف واضح خلاصته ان واشنطن ستتصرّف منفردة اذا لم تذعن الأممالمتحدة لإملاءاتها، وإذا اعترض الحلفاء على مواقفها. وإن كان من عزاء في مثل هذه السياسة المنفردة فهو ان الولاياتالمتحدة ستتحمل منفردة عبء الحرب، ونفقات ما بعدها، لأنه لن يوجد بلد يساعدها مالياً كما حدث في حرب 1990-1991 عندما كان هناك تحالف دولي ضد احتلال الكويت، وانتهت الولاياتالمتحدة بكسب بضعة بلايين من الدولارات، في تقدير بعض الخبراء، من المساهمات الزائدة التي قدمها أعضاء التحالف. هذه المرة يبدو مستحيلاً ان تجد الولاياتالمتحدة من يموّل حربها، فالحملة الديبلوماسية الأميركية لكسب التأييد للحرب لم تفشل فقط، وانما اغضبت دولاً كثيرة، رفض بعضها الجزرة الأميركية ورفض بعضها العصا. ويكفي ان نقارن بين الولاياتالمتحدة بكل ما تملك من ثقل اقتصادي وعسكري كقوة عظمى وحيدة في العالم، وفرنسا التي تعيش على أمجاد ماضيها، لندرك حجم الهزيمة الديبلوماسية. فالولاياتالمتحدة يفترض فيها ان تؤمن تسعة أصوات في مجلس الأمن لأي قضية، من دون جهد، ومع ذلك فهي فشلت، وضمنت فرنسا الغالبية الى جانبها. وكان الفشل الأميركي من نوع "عالمي"، بمعنى انه لفّ العالم، من أميركا اللاتينية الى أفريقيا وآسيا. وحاولت الولاياتالمتحدة ان تستعيض عن فرنسابروسيا، ووجدت الكسندر بوتين أصعب قياداً من جاك شيراك. فهي نسيت توسيع حلف الأطلسي، وإلغاء معاهدة الصواريخ، وشبكة الدفاع الصاروخي الجديدة، بل نسيت ان روسيا أقامت تاريخياً علاقات وثيقة مع العراق. كيف أهملت الادارة الأميركية مثل هذه التفاصيل المعروفة؟ ربما كان السبب ان عصابة اسرائىل دفعتها دفعاً نحو الحرب، فقد اقتنع الرئيس، وهو ليس اينشتاين زمانه بأن العراق يمثل خطراً على الأمن القومي الأميركي، على رغم استحالة ذلك، واقتنع بالتالي بأن يضرب أولاً، لأن انتظار ان يضرب الأعداء "ليس سياسة بل انتحار". بوش سيضرب، وسيفوز في الحرب، الا انه سيجد السلام أصعب. لذلك اعتذر من القراء اذا اختتمت بمثل شعبي لبناني قد يبدو نابياً ضمن سياق موضوع مأسوي الأبعاد، الا انني أجده يفي بالغرض، هو: "لا تفرحي بيوم عرسك والجهاز، ياما حتشوفي بهدلي بعد الجواز".