أتى من عمق صعيد مصر الذي عانى لعقود طويلة من إهمال حكومي، وغياب خطط التنمية، وأشواك الإرهاب والثأر... وفد الى القاهرة مثل غيره من الشباب يبحث عن فرصة أفضل، ولكن طموحه حمله الى ما وراء بحر المانش فدرس في جامعة "ساسكس" في المملكة المتحدة، وحصل على درجة الدكتوراه في تخصص دراسي نادر هو "الهجرة الداخلية". ولم ينس ابناء الصعيد بل جعل حياتهم ومعاناتهم في القاهرة محل دراسة وتحليل. تجربة ثرية ممتدة بطلها وصانعها هو ايمن جعفر زهري 35 سنة الذي، بعد أن أتم دراسته الابتدائية في محافظة سوهاج في الصعيد المصري، انتقل مع اسرته الى ليبيا حيث كان والده يعمل مدرساً وهناك أكمل تعليمه الإعدادي. وفي ليبيا توفيت والدته واضطرت الاسرة الى العودة الى مصر ولكنها لم تعد الى سوهاج بل استقرت في القاهرة. درس ايمن في "مدرسة الخديوي اسماعيل الثانوية" وكان حلمه ان يتقن اللغة الانكليزية ولكن التعليم الحكومي لم يساعده على تحقيق ذلك الحلم في تلك الفترة المبكرة، ما دفعه الى الاعتماد على نفسه في تعلم اللغة واتقانها، ولعله لم يكن يدري في ذلك الحين أنه سيكتب أبحاثه باللغة الانكليزية. وبعد أن أكمل أيمن دراسته الجامعية في كلية التجارة وإدارة الاعمال في "جامعة حلوان" التحق بالدراسات العليا في "المركز الديموغرافي" حيث حصل على دبلومين في الدراسات السكانية ثم على ماجستير في الديموغرافيا. اختلف حلم أيمن الذي كان يود أن يدرس الجغرافيا في كلية الآداب ودفعته أسرته الى الالتحاق بكلية التجارة. عاد يدرس الجغرافيا بعد تخرجه ولم يكن يدري أن دراسته للتجارة والجغرافيا ستؤهله كي يكون خبيراً احصائياً متميزاً في مجال الدراسات السكانية. لماذا الدراسات السكانية؟ يجيب الدكتور ايمن زهري: حياتي خليط من الدراسة والعمل. في بداية حياتي العملية اشتغلت في المجلس القومي للسكان في مصر، وبدأت أهتم بمجال الدراسات السكانية بعد أن قضيت سنوات في مجال إدارة الاعمال، ثم التحقت بالمركز الديموغرافي في القاهرة للعمل محاضراً ثم خبيراً احصائياً في وحدة البحوث الطبية الاميركية في القاهرة NAMRU. التحقت بعد ذلك بأحد مشاريع اكاديمية تطوير التعليم الاميركية في القاهرة. كنت انفق على التعليم من مالي الخاص الذي حصلت عليه من عملي في مشاريع سكانية عدة. حاز أيمن على درجة الدكتوراه من جامعة ساسكس في المملكة المتحدة في موضوع "هجرة العمالة غير الماهرة من الصعيد الى القاهرة" وخلص من دراسته الى أن هذا النوع من العمالة يمثل العمود الفقري لقطاع التشييد. ويعمل ابناء الصعيد في قطاع الاقتصاد غير الرسمي منذ عودتهم من دول الخليج في أعقاب حرب الخليج الاولى العام 1991. ولم تكن عودتهم الى البطالة والفقر في الصعيد سهلة، فاختاروا العمل في مجال الانشاءات في القاهرة كي يعيشوا في واقع أقل بؤساً وليوفروا بالتالي الكفاف لأسرهم التي تعيش في صعيد مصر. واصل أيمن دراساته وأبحاثه حول الضغوط السكانية والزواج ووفاة الأطفال والتسرب من التعليم في مصر والعالم العربي. هذا الى جانب اهتمامه الخاص بالتفاعل بين اللغتين العربية والانكليزية والحاسب الآلي والانترنت. وعمل ايضاً خبيراً سكانياً في جامعة الدول العربية، والجمعية المصرية لرعاية الخصوبة، والمنظمة الدولية للهجرة وغيرها. وأيمن متزوج وعنده طفلان محمد ونور، ويقول عن زوجته: وفرت لي إنتصار مناخاً مناسباً للعمل والدراسة، وكانت شريكة لي في نجاحاتي وترجمة طموحاتي الى انجازات ملموسة. ويأمل أيمن ان يؤسس مركزاً لتقديم استشارات خاصة في مجال غير مطروق حتى الان وهو "ديموغرافيا الاعمال" ويعني دراسة الأنماط الديموغرافية للمستهلكين، وتقديم استشارات لرجال الأعمال للإفادة من ذلك خصوصاً في ضوء تزايد الاتجاه نحو اقتصاد السوق في المجتمع المصري. وأيمن عاشق للموسيقى الشعبية والتراث الشعبي ويجد لذته في المواويل والموشحات وكل ما له علاقة بالفولكلور.